د. عبدالقادر الجنيد : ٤٨ ساعة جنوبية لافتة … حضرموت: هل هي البطل المنتظر؟
منذ 16 ساعات
د
عبدالقادر الجنيد هناك سيل من المعلومات المتناقضة عن صراعات وحشود عسكرية واختراقات بالقوة للمنشآت النفطية في حضرموت
لكي لا نغرق في سيل المعلومات المتناقضة، سوف نركز على عمليتين واضحتين للإقصاء لا يمكن إنكارهما:١- الشيخ عمرو بن حبريش يقصي عيدروس الزبيدي والمجلس الانتقالي من حضرموت
(استلام الحراسة الأمنية لمنشآت حقل نفط المسيلة بعد طرد الحراسة الرسمية)٢- الزعيم عيدروس الزبيدي يقصي الرئيس رشاد العليمي من عدن
(عرض عسكري في عدن مع إهمال الرئيس)نعرف أن الإقصاء، ليس كاملا في الحالتين، ولكنه يمثل قطيعة ويعبر عن خشونة وغلاظة وفظاظة
وقد يكون خطوة على طريق اللي يروح ما يرجعش**أولا: الزعيم يقصي الرئيس في عدن**يوم أمس— ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥– هو ذكرى عيد الاستقلال
شهدت “ساحة العروض” في خور مكسر — عرضا عسكريا واسعا للقوات التابعة المجلس الانتقالي الجنوبي
هذا العرض هو الأول من نوعه منذ عام ١٩٨٩، وشارك فيه عدد كبير من الوحدات العسكرية والأمنية، واستعرضت فيها معدات وقدرات بأسلوب احترافي — الأمر الذي يعكس مستوى معين من التنظيم والانضباط والجاهزية
وهناك تكاليف ومصاريف قبل وبعد يوم العرض العسكري، لا يمكن أن يتكفل بها الزعيم ولا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه الزعيم ولا حكومة ورئاسة اليمن
من أي مناطق اليمن جاء دفعة طلبة الكلية الحربية في عدن الذين احتفلوا بتخرجهم بمشاركتهم في العرض العسكري الكبير؟من الذي دفع مصاريف العرض العسكري؟الإجابة على هذه الأسئلة، تفتح الطريق لإدخال دول الإقليم في صراعات وقلبات وتقلبات اليمن
عدم حضور الرئيس*الرئيس رشاد العليمي، موجود في عدن
هل معنا ما يمكن قوله عن عدم حضوره العرض العسكري؟هذا له تفسير واحد فقط: حزمة رسائل موجهة إلى الرئيس
رسالة غليظة من عيدروس الزبيدي للرئيس رشاد العليمي، بأنه ليس الرئيس
وأن صاحب الأمر والنهي وصاحب الحل والعقد في عدن إنما هو عيدروس الزبيدي
عيدروس الزبيدي لن يقبل أبدا أن يكون رشاد العليمي، هو الذي يجلس على الكرسي رقم ١ في منصة العرض
“عدن ليست عاصمة رشاد
” “جيش الجنوب ليس تحت قيادتك
” “سلطة الأرض عندي، وليس عندك
”وهذا قلب مفهوم الشرعية رأسا على عقبماذا يعني هذا لمستقبل الرئاسة؟*هذا يعمّق مشكلة رئيسية نحن دائما نركز عليه:— رئاسة بلا سلطة فعلية— قيادات متوازية وليست متسلسلة— غياب القائد الواحد الذي يوحّد المشهد— شرعية مقسّمة بين رموز متصارعة— كل طرف يدير جغرافيته كدولة مستقلةغياب العليمي لم يكن “ غيابا ”
كان إقصاءً
والإقصاء هنا بيان سياسي علني
**ثانيا: القائد بن حبريش يقصي الزعيم عيدروس**قبل أمس، كان هناك سيل من الأحداث اللافتة في حضرموت:١- قوات حماية حضرموت بن حبريش ضد قوات النخبة بقيادة أبو علي الحضرمي ؟٢- الاستيلاء على المنشآت النفطية؟٣- أمر لم ينفذ من فرج البحسني عضو مجلسي الرئاسة والانتقالي فرج البحسني بخروج قوات بن حبريش من المنشآت النفطية؟٤- أخبار مشوشة عن الهجوم من المنطقة الثانية- الساحل على المنطقة الأولى- الوادي؟٥- منشورات من قناة الجمهورية التابعة لعضو الرئاسة طارق صالح بتأييد المجلس الانتقالي ضد الشيخ بن حبريش— ثم تم مسح المنشورات آخر النهار
كانتون المخاء يتحمس في حضرموت*دخول إعلام العميد طارق صالح على الخط، يوضح جانب الإمارات
من أبرز الاصطفافات السياسية والإعلامية وحتى العسكرية داخل اليمن، هي بين أؤلئك المرتبطين بالإمارات
المفروض أن كانتون المخاء هو وحدوي للغاية ولكنه ساند إعلاميا تحركات أبو علي الحضرمي
أول وآخر النهار في المخاء*ساد الظن أول النهار بأن ما يحدث من إبن حبريش في حضرموت سوف يشابه مصير محافظ شبوة بن عديو في ٢٠٢٣ وينتهي بانتصار إتجاه الإمارات
تبين لهم آخر النهار ما كان واضحا للعيان ولكل الناس منذ شهور كثيرة أن السعودية موجودة في أحداث حضرموت
طارق صالح، موالي للإمارات ولكنه يفهم جيدا أنه لا يمكنه العبث مع السعودية
وهكذا تم مسح كل منشورات قناة الجمهورية التابعة لإعلام القائد طارق صالح، آخر النهار
إقصاء المجلس الانتقالي*يمكن القول أن قوات الحماية الحضرمية قد نجحت بإقصاء قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، من حضرموت
القائد بن حبريش قد قام بإقصاء الزعيم عيدروس
… وهذا ينهي مسألة انفصال الجنوب
**ثالثا: نهاية مسألة الانفصال**بناء على هذه التطورات؛ يمكننا أن نقول أن فك الارتباط أو الانفصال تحت إسم الجنوب العربي أو جنوب اليمن الذي يضم كل أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل ١٩٩٠ بالتمام والكمال، قد انتهى
هذا بحسب مفردات عيدروس الزبيدي، إسمه حل الدولتين ويقول بأنه مصمم على أنه يجب أن يتحقق
كلٌّ منها أرسل رسالة صريحة: لن نقبل أن نكون “ملحقا” بعدن أو تحت سلطة “المجلس الانتقالي”
وبذلك سقط الشرط الأساسي لأي انفصال: وحدة الجغرافيا الجنوبية خلف قيادة واحدة
لماذا انتهى مشروع الانفصال؟ (النقاط الجوهرية)*١- حضرموت تقول: لسنا جنوب الانتقالي،… ولسنا الجنوب الذي تتخيله عدن
التحركات العسكرية الأخيرة في حضرموت أكدت حقيقة ظلّت “مخفية في الكلام” لكنها الآن أصبحت “مكشوفة في الأفعال”:قوات محلية (بن حبريش)— قبائل— مناطق— مؤسسات، رفضت علنا أي محاولة لفرض أمر واقع من عدن أو من فصائل محسوبة على الانتقالي أو مدعومة من الخارج
حضرموت ليست محافظة — حضرموت إقليم بحجم دولة، وتملك وزن سكان، اقتصاد، ومساحة تشكل ثلث اليمن
من دون حضرموت، لا توجد دولة جنوبية بحدود ١٩٩٠— حتى على الورق
وانتهى الأمر
٢- المهرة: الهوية المهرية أقوى من مشروع عدن*المهرة لها مشروعها الخاص، ولها حساسيتها الشديدة من أي محاولة لفرض سلطة من عدن
المهرية أقوى من “الجنوبية” في الوعي المحلي
بالتالي: المهرة لن تدخل في دولة جنوبية يحكمها الانتقالي من عدن
٣- شبوة: جنوب منقسم بين ثلاثة مشاريع*شـبوة نفسها ليست كتلة واحدة:— هناك جنوبية قريبة من الانتقالي— وهناك جنوبية قبلية/مصلحية مستقلة— وهناك ارتباطات تاريخية مع مأرب وحضرموتشبوة تعرف خطورة أن تكون مجرد امتداد للعاصمة عدن في “دولة جنوبية مركزية”
وبالتالي: ليست ضمانا ثابتا مع مشروع عيدروس الزبيدي
٤- حتى في عدن نفسها — الجنوب ليس واحدا*عدن مدينة فسيفساء:— عدنية— أبينية— ضالعية— يافعية— شبوانية— لحجيةوالقوة الضالعية المسيطرة لا تمثل “الجنوب كله”، بل تمثل “مجموعة داخل الجنوب”
هذا يُسقط الشرعية الشعبية لأي انفصال بحدود دولة كاملة
٥- الزبيدي قال “حل الدولتين”… لكنه لا يملك الدولة الجنوبية المطلوبة للحل*سياسيا، مشاريع “حل الدولتين” تحتاج:١- حدود واضحة٢- شعب موحّد خلف القرار٣- جهاز دولة يسيطر على الأرض٤- موارد يمكن التفاوض باسمها٥- غطاء إقليمي ودوليعيدروس الزبيدي لا يملك أيّاً من الخمسة بشكله الكامل
عيدروس، يملك: — قوات— دعم خارجي— حضور إعلامي
لكن لا يملك إجماعا جغرافيا+ شعبيا + مؤسسيا
وبعد أحداث حضرموت، أصبح واضحا تماما أن مشروعه لا يمثل الجنوب
إذن… ماذا بقي من “حل الدولتين” العيدروسي؟*المشروع، بشكله الذي كان يروج له (جنوب = كل حدود ١٩٩٠)، سقط نهائيا
المتبقي هو مجرد صيغة “مرنة إعلاميا” يستخدمها الزبيدي: — “حل الدولتين”— “استعادة دولة الجنوب— “دولتان متجاورتان”لكن الواقع مغاير:ما تبقى هو «دولة جنوبية صغرى»، إن صح التعبير، وهي ليست جنوب ما قبل ١٩٩٠
هي “جنوب الضالع–لحج–عدن” + أجزاء من أبين وشبوة — وهذا لا يستطيع الوقوف كدولة مستقلة لا جغرافيا ولا اقتصاديا ولا استراتيجيا
الخلاصة الأعمق:اليمن الموحد تعاني، نعم — لكن الجنوب الموحد انتهى في الحقيقة حتى قبل الوحدة
… والانتقالي أثبت ذلك دون أن يقصد
لقد أثبت الجنوب نفسه أنه مثل الشمال:— مناطق— أقاليم— مصالح— تاريخ متباين— وهوية غير متجانسة
لا يمكن أن تُجمع في دولة واحدة “بقرار فصائلي”
الزبيدي أظهر العكس تماما مما يريد:كلما حاول فرض مشروعه، زادت ممانعة حضرموت والمهرة — وتقلّص الجنوب الذي يحلم به
**رابعا: عدم التقاط الإمارات إشارة السعودية**كيف لم تلتقط الإمارات، ولا المجلس الانتقالي، الإشارات بأن السعودية لن تسمح بسيطرة أبو ظبي ولا عيدروس الزبيدي على حضرموت؟الأمير خالد وبن حبريش*كانت الإشارة واضحة جدا عندما أرسلت المملكة السعودية طائرة خاصة إلى المكلا لتنقل الشيخ عمرو بن حبريش لمقابلة الأمير خالد بن سلمان
الحقيقة أن صورة الأمير خالد مع بن حبريش، لم تكن مجرد رسالة عابرة، بل كانت صفارة إنذار سياسية من العيار الثقيل
الأمير خالد، يقول: هذا الرجل هو شريكنا
”وبعدها رأينا فيديو جلوس بن حبريش في منصة يستعرض فيها تدشين اللواء الأول من قوات الحماية الحضرمية الذي تدفع المملكة السعودية قيمة كل نفقاته وتجهيزاته وأسلحته
كيف أصيبت رادارات الإمارات والمجلس الانتقالي بالعمى الكامل بالرغم من النبضات والإشارات الضوئية والصوتية الكثيفة؟فلماذا لم تلتقط الإمارات الإشارة؟*١- ثقة زائدة* بأن السعودية سوف تتراخى مثلما فعلت من قبل بالسماح بتغلغل نفوذ الإمارات في عدن وشبوة وسقطرى
٢- قراءة إماراتية خاطئة* لمشروع الرياض الجديد الذي بدأ يتحول من سياسة “إدارة اليمن” إلى سياسة “حماية العمق السعودي”
وقراءة خاطئة لفهم نفور السعودية من تصرفات الإمارات في السودان
وقراءة خاطئة لفهم رغبة السعودية بالنزول إلى درجة الصفر في صراعات مشاكل المنطقة
وقراءة خاطئة لفهم المحور السعودي/الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط٣- السعودية تحتاج الإمارات*تصور بأن حضرموت مكسب مفتوح وأن السعودية تحتاج الإمارات في الملف اليمني كما كانت تحتاجها سابقا
هناك انطباع أن السعودية تقر للإمارات بأنها الأكثر جرأة وخبرة بالانغماس في الصراعات الساخنة داخل اليمن، وأن المملكة تترك الحبل على الغارب لتفعل ما تشاء بدون قيد ولا شرط مقابل خدماتها للأهداف السعودية في اليمن
وكل هذا كان صحيحا وملموسا في البداية… ولكن الدنيا تتغير… والزمن يتغير… والأشخاص ينضجون ويتغيرون
٤- السعودية سوف تتعود*الاعتماد على أن الانتقالي أصبح “أمر واقع”، وظنٌّ بأن الرياض ستتعايش مع تمدده شرقا كما فعلت في الجنوب الغربي وفي شبوة
الصدمة*الإمارات والانتقالي تجاهلا كل إشارات الرادارات من رسائل السعودية الكثيفة
والرياض لم تتجاهلهم — بل حسمت
ويمكن تخيل أن الزعيم عيدروس كان يراقب العرض العسكري يوم أمس بينما ذهنه غائب ويسرح بعيدا في أفعال بن حبريش في اليوم السابق
**خامسا: عودة إلى احتفال عيدروس **سوف نعود إلى خور مكسر وندخل في ذهن ومخ عيدروس في منصة العرض العسكري
هل هو يرد على السعودية؟أم رشاد العليمي؟وما هي كل الانفعالات النفسية المحتملة؟وما يمكن أن ترد به الإمارات؟وما هي احتمالات مصير أفكار الانفصاليين؟١- ذهن عيدروس والرياض*إنه يقول للرياض:“أنا ما زلت هنا
وعندي جمهور
وعندي قوة
ولا يمكن تجاوزي حتى لو احتضنتم بن حبريش
”٢- ذهن عيدروس ورشاد العليمي*“أنت ضيف في عدن…وأنا صاحب الأرض
”وهذا ليس مجرد استعراض سياسي، بل طعنة رمزية في هيبة الرئاسة اليمنية
٣- الانفعالات النفسية لدى عيدروس*الحالة صعبة
الطرد من حضرموت، سوف يجعله يفقد لقب الزعيم
كان يتوقع ضغطا أكبر من الإمارات، حسب ما قد تعود عليه عشرات المرات من قبل، وهو يشعر الآن بالخذلان
٤- الإمارات وغياب ذهن عيدروس *الإمارات، لن تجابه ولن تصارع السعودية أبدا في اليمن لا من أجل عيدروس، ولا من أجل انفصال، ولا من أجل ميناء إذا تصدت لها الرياض
أبو ظبي تأخذ في اليمن فقط ما تسمح به الرياض
عيدروس قد يحتاج بعض الوقت ليدرك معنى هذا الكلام
٥- آلام عيدروس*سوف يدخل الزعيم عيدروس في مرحلة إعادة حسابات مؤلمة
وسوف يجد صعوبة للعودة إلى أرض الواقع ليقنع بالتصرف كمجرد قائد كانتون مثله مثل بعض أعضاء مجلس الرئاسة
**سادسا: حضرموت: البطل المنتظر**١- حضرموت قد حطمت أصنام وطواطم*تطورات حضرموت، تنهي احتمال عودة جنوب ما قبل الوحدة
لا يمكن قيام دولة الجنوب في لحج والضالع فقط
حتى أبين وشبوة، لا تناسبهم هذا النوع من الجنوب
٣- الجنوب المُثَلَّث غير قابل للحياة* المثلث (عدن- الضالع- لحج وبداخله يافع)، يوجد معهم فقط دخل جمرك ميناء عدن ولكن هذا يمكن أن يقل كثيرا لأن كل الموانئ يمكن أن تزدهر في ظل الاستقرار
وشراسة الضالع، كفيلة بتطفيش كل أضلاع وزوايا المثلث الحادة والمنفرجة
٢- جوهر طلب حضرموت*ما تطلبه حضرموت هو في الحقيقة نفس ما يجري حاليا في مارب فيما يخص دخل النفط
وربما هو نفس ما يحدث في أي دولة إتحادية (فيدرالية)
وكل هذا يعني، عودة لمخرجات الحوار الوطني وأقاليم اليمن الإتحادي
وربما حتى حكم مركزي بصلاحيات محلية حقيقية واسعة
وكل هذا لن يتم إلا إذا تم حل مشكلة الكابوس الحوثي في اليمن
٣- حضرموت: البطل المنتظر *تعز استلمت راية الأمل*كنا نحلم أن تقوم تعز بدور البطل المنتظر
ولكنهم قد حطموها بقسوة ولصوصية الحوثي، وبتمزيقها باقتطاع أحشائها في كانتون المخاء وبعزلها وإدخالها الثلاجة في المثلث الجنوبي ونسيانها من عاصمة الشرعية وإهمالها من المجلس الرئاسي
جمال تعز*الجمال الفتان والسحر الذي يخلب الألباب في الإنسان العادي في تعز، هو أنه يفكر في كل اليمن بالرغم من كل ما يحدث لها
… ومن هنا كان يأتي الإحساس بأن تعز هي البطل المنتظر
حضرموت تستلم راية تعز*إذا فكرت حضرموت أكثر بكل اليمن، فسوف تكسب عقولنا وقلوبنا كلنا
إذا تخلصت حضرموت بعض الشيئ من التفكير بنفسها فقط، فإنها جاهزة تماما لأن تكون هي البطل المنتظر