د. محمد قيزان : 21 سبتمبر.. انقلاب حوّل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة
منذ 2 ساعات
د
محمد قيزان في 21 سبتمبر 2014م دخلت ميليشيا الحوثي المسلحة العاصمة صنعاء، لتضع اليمن أمام منعطف تاريخي خطير، هذا الانقلاب تسبب في انهيار الدولة وتمزق النسيج الاجتماعي واندلاع حرب داخلية وإقليمية ودولية مستمرة حتى اليوم، لم يكن مجرد صراع على السلطة، بل نقطة تحول حاسمة في تاريخ اليمن الحديث، قلبت خارطة السياسة والأمن والاقتصاد، ودفعت البلاد إلى مواجهة مستمرة مع التحديات الإنسانية والعسكرية والسياسية
الأسباب التي مهدت للانقلابانقلاب الحوثيين جاء نتيجة تراكم أزمات سياسية واقتصادية وأمنية عاشتها اليمن قبل وبعد ثورة 2011، فضعف الدولة وانقسام القوى السياسية، إلى جانب السياسات الاقتصادية التي أرهقت المواطنين، منح الحوثيين فرصة للتمدد وفرض أجندتهم العنصرية بالقوة، كما استغلوا هشاشة المؤسسة العسكرية وتباين الولاءات داخلها، الأمر الذي سهل عليهم السيطرة على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات
سقوط الدولة وتفكك مؤسساتهامع اجتياح صنعاء انهارت مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، استقالت الحكومة وتلاها استقالة الرئيس هادي، وشُلّت مؤسسات السيادة، ووجدت البلاد نفسها أمام سلطتين متنازعتين، إحداهما شرعية ومعترف بها دوليًا، وأخرى انقلابية تمارس الحكم بالقوة وتفرض سيطرتها على أغلب المحافظات الشمالية وتهدد بقية المحافظات بالقصف بالطيران والبراميل المتفجرة إن لم تنصاع لحكمها
إدخال اليمن في حرب مع دول الجوارسيطرة الحوثيين لم تتوقف عند الداخل اليمني، بل امتدت لتشكل تهديداً مباشراً لدول الجوار، خاصة المملكة العربية السعودية، حيث أعلن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي أن أنصاره سيحجون إلى مكة وهم يحملون البنادق والرشاشات، هذا التصعيد المباشر أدى إلى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015م استجابة لطلب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي لاستعادة الشرعية ومؤسسات الدولة، بعد أن تحولت صنعاء إلى ثكنة عسكرية تهدد دول المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ما دفع المملكة لتقديم تضحيات كبيرة حفاظاً على الأمن القومي العربي والخليجي
قمع الخصوم السياسيينمنذ اللحظة الأولى للانقلاب مارست الميليشيا الحوثية سياسة اعتقالات تعسفية وإخفاء قسري بحق المئات من السياسيين والصحفيين والناشطين من الرجال والنساء، امتلأت السجون بالمعارضين، وتحولت صنعاء ومحافظات أخرى إلى مساحة مغلقة لا مكان فيها إلا لصوت واحد يسبّح بحمد سلطة الميليشيا القائمة، ما أضعف أي حراك سياسي مستقل أو منظمات المجتمع المدني
نهب الممتلكات والاستيلاء على المؤسساتلم يقتصر القمع على البشر بل امتد ليشمل الممتلكات والمؤسسات، فقد صودرت المنازل والمقرات الحزبية والحكومية ونُهبت الممتلكات الخاصة ليعاد توزيعها ضمن دائرة الولاء للجماعة، وأنشأ الحوثيون ما سمي بـجهاز الحارس القضائي لتولي الاستيلاء على ممتلكات الخصوم السياسيين من منازل ومؤسسات ومقرات لصالح الجماعة
انهيار الخدمات وانقطاع المرتباتأخطر ما ترتب على الانقلاب الحوثي هو انقطاع رواتب موظفي الدولة وتوقف الخدمات الأساسية، حيث تراجعت الكهرباء والمياه والصحة والتعليم بشكل كارثي، ما أدى إلى تفاقم معاناة الملايين ودفعهم إلى حافة المجاعة، إذ تشير التقارير الأممية إلى أن أكثر من 20 مليون يمني أصبحوا تحت خط الفقر
في هذه الظروف العصيبة لعبت المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في التخفيف من حدة المعاناة عبر الدعم الإنساني والإغاثي، فتضمنت المساعدات الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية وبناء المدارس والمستشفيات وإعادة ترميم وزفلتت الطرقات التي قدمتها عبر البرنامج السعودي ومركز الملك سلمان للإغاثة طوق نجاة لملايين اليمنيين
تدمير البنية التحتيةخلال سنوات الحرب دُمّرت مطارات وموانئ ومحطات كهرباء ومبانٍ حكومية، في مشهد يعكس حجم الكارثة التي خلّفها الانقلاب على حاضر اليمن ومستقبله، ولم تكتف الميليشيا بذلك، بل واصلت تدمير ما تبقى من مؤسسات حيوية وأعيان مدنية، في رسالة واضحة للشعب اليمني مفادها إما القبول بحكمهم أو مواجهة الخراب الكامل
عسكرة التعليم وتدمير الهوية الوطنيةالمدارس والجامعات لم تسلم من عسكرة الجماعة، إذ تحولت كثير من الجامعات والمدارس الحكومية إلى ثكنات عسكرية لتخزين الأسلحة والتدريب على القتال، وزُج بآلاف الأطفال في جبهات القتال، كما أُدخلت تعديلات على المناهج التعليمية لغرس أفكار عدائية وطائفية عنصرية تهدد الهوية الوطنية الجامعة
تأميم الإعلام وتكميم الأفواهسيطر الحوثيون على وسائل الإعلام الرسمية، وأغلقوا القنوات والصحف المعارضة، فارضين خطاباً واحداً يخدم مشروعهم، ولم يعد مسموحاً إلا بالصوت الموالي، حوصرت الكلمة الحرة بالترهيب والملاحقة، وزُج بمئات الصحفيين والناشطين في معتقلاتهم، مورست ضدهم أبشع أنواع التعذيب، ما أدى إلى وفاة البعض وحدوث إعاقات جسدية لكثير منهم
استغلال المساعدات الإنسانيةالمساعدات الدولية لم تسلم هي الأخرى من بطش الميليشيا، فقد سيطر الحوثيون على مسارات توزيعها وعرقلوا وصولها إلى مستحقيها، بل وصل الأمر إلى احتجاز موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية كورقة ضغط سياسية، وفي المقابل كانت المملكة العربية السعودية سباقة لضمان وصول المساعدات لمستحقيها بعيدا عن التلاعب الحوثي، وقدمت مبادرات عديدة لإيصال الإغاثة عبر المنظمات الدولية بما يخدم المواطن اليمني أولاً وأخيرا
رفض مبادرات السلامخلال سنوات الحرب قُدمت مبادرات سلام أممية وإقليمية لإنهاء دوامة الحرب، وعقدت لقاءات في سويسرا وجنيف والكويت وعمان
وغيرها من الدول، قدمت خلالها الحكومة الشرعية تنازلات كبيرة لحقن الدماء ووقف الاقتتال، لكن الميليشيا كانت تصعد من شروطها التعجيزية لإفشال هذه المحاولات، وما زالت تنظر لكل مبادرات ودعوات السلام بعين الريبة والشك، وتعزز قواتها العسكرية لمزيد من اعتداءاتها على المدنيين اليمنيين وتهدد المنطقة والعالم بأسره
عسكرة البحر الأحمر وتدويل الصراعالأوضاع المأساوية لليمنيين لم تكن رادعًا للميليشيا، بل دفعتها لتوسيع الصراع ليشمل البحر الأحمر وباب المندب، فقامت بشن هجمات على السفن التجارية ونشر القوارب المفخخة وزراعة الألغام البحرية
هذا التصعيد استدعى وجوداً عسكريا دولياً غير مسبوق، وجلبت البوارج والأساطيل الحربية إلى المياه الإقليمية اليمنية، محولا البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة دولية، الحكومة الشرعية أكدت أن هذه التهديدات لا تستهدف اليمن وحده بل التجارة الدولية برمتها، ودعت الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها السعودية ومصر للقيام بدور أكبر لحماية الممرات البحرية كجزء من مسؤولياتهما الإقليمية والدولية
خاتمةذكرى 21 سبتمبر ليست مجرد حدث تاريخي بل هي جرح مفتوح في جسد الوطن اليمني، إنها لحظة يجب أن يتأملها اليمنيون بوعي عميق، لأنها مثلت بداية الانهيار الذي نعيشه اليوم، ولا سبيل لإنقاذ اليمن سوى باستعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها على أسس وطنية جامعة، بعيدًا عن المشاريع العنصرية الضيقة التي لا تجلب سوى الخراب، وبناء شراكات حقيقة مع دول الجوار وفي مقدمة ذلك الشقيقة السعودية التي تؤكد دائمًا أن الحل في اليمن بيد اليمنيين وأن الحل لا بد أن يكون قائم على المرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن، بما يعكس حرصها المستمر على استعادة الدولة اليمنية وتحقيق السلام العادل والدائم ودعمها اللامحدود لاستقرار اليمن