د. مصطفى الجبزي : الاسلاموية وتصنيع الفرد الخاضع والقابلية للعبودية
منذ 6 ساعات
د
مصطفى الجبزي عندما يحسم الإسلاميون في البلاد العربية والإسلامية، أو في أوروبا، عقلاً لا شرعاً، موقفهم من الحريات الشخصية والحرية بشكل عام، ويربطونها بالوعي وبأنها من صميم حقّ الاختيار الحر، سيكونون شركاء في بناء هيئة سياسية متعافية وصحية، وشركاء في بناء وطن
أما إذا استمرّوا في الاعتقاد بأنهم حرّاس الفضيلة في هذا المجتمع، والقائمون على أخلاقه، والحائزون على الوصاية عليه، فلن يفعلوا أكثر من استنزاف أنفسهم واستنزاف المجتمع في معارك صفرية لا تقود إلى تنمية، ولا إلى بناء أمة، ولا إلى تحقيق نهضة، ولا إلى جبر النفوس المنكسرة حضارياً
امة تعصف بوعيها العورة وتغضب من سيقان فتاة لكنها ترى الموت جوعاً والفقر والاذلال وانتهاك حق الطفولة شأن ثانوياً
…
في اليمن، وفي ما يتعلق بالحرية الشخصية، تتشابه الجماعات الدينية السياسية مهما ادّعت المغايرة، أو حتى لو اقتتلت فيما بينها
فالإصلاحي كالحوثي، كالسلفي السياسي أو السلفي غير السياسي الشمالي أو الجنوبي كالقاعدي والداعشي؛ لا فرق بينهم في هذه النقطة
إنما يكمن الاختلاف في رغبة ومجال كل طرف على إنزال العقوبة المباشرة بيده بحق من يراه قد خالف وانحرف عن تصوّره للفضيلة
مختلفون في الأدوات ومتفقون في المبدأ
واذا استعصى عليهم التكييف الفقهي-وهذا شبه مستحيل-، وظفوا العرف والقبيلة رغم انهم يضمرون لها نكرانا ويرونها طاغوتاً ومخالفة للدين
كلهم يتوافقون مع العديني وخطابه ونقاط اهتمامه
وأكثرهم مرونة يختلفون معه فقط في التوقيت والأسلوب
…
منذ أن ظهر الإسلاميون بكل ألوانهم على المشهد السياسي في العالم العربي قبل عقود، لم يتعلموا من تجاربهم المريرة – في الغالب – ، ولم يعقدوا العزم على إجراء مراجعة فكرية وفلسفية حقيقية وعقلانية حول الحرية
راجعوا كل شيء إلا الحرية
الحرية التي يتحدثون عنها -وما اكثر ما يفعلون- غير قابلة للصرف خارج رغبتهم
يتغنون بالحرية لكنها الحرية التي تتيح لهم الحضور والنفوذ فقط
على هامش هذا التضخم هناك محاولات فردية للحديث عن الحرية لكنها تتعرض للقمع وأول من يسارع في قمعها هم الإسلامويون
علّمتهم تجاربهم السياسية أن يناوروا وينحنوا أمام العواصف، وأن يتحوصلوا في أسوأ حال، وأن يتصدّروا برداء الليبرالية الاقتصادية حتى تحولت بنوكهم أقسى من البنوك التقليدية في جشعها
راجَعوا خطواتهم السياسية، وتعلموا الحسّ العملي والنفعي، وأصبحوا أباطرة في البراغماتية في تعاملهم مع السلطات المحلية الديكتاتورية أو القوى الإقليمية الغاشمة، وتملّقوا الحاكم وأقرّوا له
الحاكم الطاغية هو الذي لم يترك لهم المجال فقط
دافعهم البراغماتي يدفعهم إلى امكانية إقامة التحالفات مع كل القوى السياسية والذهاب من نقيض إلى نقيض
ولديهم في أدبياتهم الفقهية ما يبرّر لهم ذلك، ولذلك فهم مستعدّون للتعامل مع أي جماعة بلا استثناء، لأن هذا هو – في نظرهم – منطق السياسة
لكنهم مع كل ذلك، لم يلتفتوا إلى الفرد: إلى حقوقه، وإلى مجاله الخاص، وإلى فرادته
وليسوا على أدنى استعداد لتقديم أبسط تنازل تجاه هذا الفرد
لا يرون الحرية إلا من باب التفسّخ والانحلال؛ ومن بين جميع مرادفاتها ومجالاتها الدلالية اختصّوا مفهوم الحرية بمعنيي الانحلال والتفسّخ فقط
الحرية هي العري
من هذا الباب يتعاملون مع المجتمع على أنه قاصر، ويتعاملون معه بفوقية أخلاقية مقيتة تسحق المغاير، وتغتاله معنوياً، وتحاصره في حياته ووجوده ولقمة عيشه
ثم يندهشون من المنقلبات التي يتعرّضون لها، وكيف يتحول الجميع ضدهم، ويُدخلون أنفسهم في ذهنية الضحية والمحنة والابتلاء
غير قادرين على فهم الحرية الشخصية خارج إطار اللبس والزينة، وسيقان إمرأه أو شعرها
عاجزون عن تصور الفرد الحر كامل الطاقة والقدرة، كامل الخيال والابداع، الإنسان الذي يعود حريته وعيه، ودور ذلك في تحرير الأمة المنشودة
إنهم يرون الفضيلة قبل الوعي، ويعتقدون أن الشريعة ضدّ الحرية
لا ينشدون المواطن، إنما يبحثون عن عددٍ إضافي في الحشد
ينشدون المتماهي الذي يُلغي ذاته ويُسلِّم عقله وحريته
وهذا النوع من البشر، اتباعي، تنفيذي، مؤتمِر، منقاد وطيع، لا يدافع عن حرية، ولا يطمح إلى أكثر من نيل رضى أمرائه
إن هذا النوع من الإنتاج والتصنيع الثقافي يخلق قابليةً للعبودية، تبدأ ملامحها ثقافية ثم تبلغ مجال السياسة
ولهذا يكون نصيب الشعوب الخضوعَ والاستسلامَ للديكتاتوريات وتعطيلَ القدرات