د. مصطفى الجبزي : الحوثيون في قلب اللعبة: من هامش التبعية إلى محور النفوذ الإيراني
منذ 3 ساعات
د
مصطفى الجبزي لا تهدف صواريخ ومسيرات الحوثيين نحو إسرائيل والأراضي المحتلة إلى إحداث أثر مادي أو خسائر في الأرواح، لأنها ليست مخصصة لذلك، بل تهدف إلى إيصال رسائل سياسية متكررة تتعلق بإيران في المقام الأول، وتعزيز مصداقية قدرتها العسكرية، وإبراز ما تملكه من أوراق قوة
كما أنها رسائل دبلوماسية تعبّر عن إرادة طهران في أن تكون طرفًا في أي صفقة سياسية تتعلق بفلسطين أو بحركة حماس
يدرك الحوثيون أن اليمن يدفع ثمن هذه المناورة، وأن اليمنيين سيتعرضون للكثير من الأذى، لكن، من وجهة نظرهم، فإن وجود إيران قوية ونافذة وذات حضور سياسي ودبلوماسي يستحق هذه التضحية
تبدو صواريخ الحوثيين معيقة لإنجاز صفقة بين حماس وإسرائيل، أو أنها تخدم إسرائيل في التملّص من أي اتفاقات سياسية تنهي معاناة أهل غزة
لكن ما وراء هذه الصواريخ الرمزية هو التأكيد على ضرورة أن تكون إيران طرفًا في أي صفقة سياسية، مما يؤدي أيضًا إلى إطالة أمد معاناة غزة
ولكن، لماذا تقتصر المناورة الحوثية–الإيرانية تجاه إسرائيل على البعد السياسي؟يجيب الجغرافي الفرنسي بيرنار هوركار، في مقال له نُشر عام 2024 في معهد ماتينيون، على هذا السؤال من خلال توضيح أمرين:أن إيران تحارب بما لديها من وكلاء
وأن حربها مع إسرائيل ، وهذا المهم، سياسية بالأساس، وليست عسكرية
إذا نظرنا إلى أداء حزب الله منذ ما بعد طوفان الأقصى، سنجده قد قام بأفعال رمزية، رغم ما يملكه من عتاد عسكري ضخم، حتى فقد جزءًا منه
ذلك لأنه يعمل كوكيل لإيران ضمن معركة سياسية وليست عسكرية
وكذلك يفعل الحوثيون منذ ذلك التاريخ
إلا أن إسرائيل فاجأت إيران ودفعت باللعبة إلى المربّع العسكري بشكل ملحوظ، متبعةً استراتيجية ضرب رأس الأخطبوط وبتر أطرافه
لم يخرج المحور الإيراني بعدُ من منطقه السابق، وما يزال يناور
غير أن هناك مؤشرات على قرب انتهاء هذه المناورة، والتهديد بالذهاب نحو خيار عسكري — وإن كان هذا الخيار سيتم عبر الوكلاء أيضًا
وفي هذا السياق يمكن فهم التصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن نقل تصنيع الأسلحة إلى مناطق متعددة خارج إيران
تتقلص خيارات إيران داخل محورها، وتبقى ورقتها الأقوى هي الحوثيون
وهي الآن مضطرة لتفعيل وكلاء جدد في العالم
وقد نشهد نشاط جماعات تابعة لها في دول جديدة خارج نطاق المحور التقليدي، سواء في الجزيرة العربية، أو شمال أفريقيا، أو وسط وشرق أفريقيا
يتضح من الصورة الراهنة أن مكانة الحوثيين قد تطورت من تابع للتابع إلى عنصر محوري وفاعل — كـ قرص دوّار — في استراتيجية النفوذ وتكتيكات الدفاع الإيرانية
والمستقبل القريب ينبئ بأمرين:أولًا: تحول المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى قاعدة عسكرية إيرانية متقدّمة، تشكّل المقابل الموضوعي لما تفعله إسرائيل في تعزيز نفوذها ضمن المنظومة الغربية
وفي هذا السياق، يُلاحظ تركّز الثقل الاستراتيجي الإيراني بشكل متزايد على الجماعة الحوثية، التي بدأت بالفعل في تسلّم راية المحور بعد حزب الله
ويعني هذا:-تعميق وترسيخ الدعاية الأيديولوجية الحوثية في أوساط اليمنيين؛-الدخول في تعبئة مفتوحة للسكّان المحليين، بعد أن جرى تصدير الصراع من الإطار المحلي إلى الإقليمي والدولي؛-عسكرة الحياة اليومية في المناطق الخاضعة للحوثيين، وإحداث تحولات سلوكية واجتماعية تهدف إلى احترافية العمل العسكري والدعائي
ثانيًا: تحوّل اليمن إلى ميدان مواجهة مباشر مع إسرائيل
فالمُدن اليمنية الحسّاسة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين مرشحة لأن تصبح أهدافًا دائمة للطيران الإسرائيلي، دون سابق إنذار
وما حدث قبل يومين من قصف مروع لصنعاء يمكن اعتباره تدشينًا فعليًا لهذه المعادلة الجديدة
غدا القادة الإسرائيليون يتوعدون الحوثيون بضربات ووعودهم تأخد دلالات دينية