د. مصطفى الجبزي : رموز التضحيات الحوثية : سيصبح ديناً على اليمنيين مع الأرباح

منذ 3 ساعات

د

مصطفى الجبزي يُغالي الحوثيون في استعراض تضحياتهم، وهم يفعلون ذلك عمدًا بهدف جعل المجتمع اليمني مدينًا لهم معنويًا وسياسيًا بما قدّموه

‎وبينما هم يقدمون هذه التضحيات في إطار مصالحهم الخاصة، المندرجة كليًا في مصالح إيران وسياستها الإقليمية واستثمارها في القضية الفلسطينية أيديولوجيًا وسياسيًا، فإن هذا الشكل من المراباة المعنوية هو نوع من الابتزاز السياسي الفاضح

 ‎فالجماعة، وهي تسعى إلى ترسيخ موقعها، لا تُبرز كل قتلاها، بل تختار من قياداتها من يسمح لها بالخروج من هامش الفعل الاجتماعي والسياسي والجغرافي اليمني نحو الاندماج في قضايا دولية وإقليمية

ويرفع من رصيد الحلقة الضيقة من عناصر السلطة المعنوية والسياسية في الجماعة على حساب المجموع الكلي من انصارها وتابعيها

‎هذا الانتقاء يساعدها في إيهام المجتمع اليمني بأنها القوة القادرة على نقله من الهامش إلى قلب الفعل السياسي الدولي، وتدق على وتر الإحساس اليمني بالغبن الإقليمي والدولي، ثم تطلب لاحقًا «دينها» مضاعفًا بأشكال متعددة من السيطرة والنفوذ وإعادة هندسة المجتمع لترسيخ سلطة سلالية وفرز طبقي

‎انخراط الحوثيين في المعارك في غزة بأسلوبهم الخاص لا يهدف غالبًا إلى إحداث أثر مادي حقيقي من خلال العمليات الميدانية، بقدر ما يهدف إلى التذكير بموقعهم وقدراتهم، وإيصال رسائل سياسية وعسكرية، وخصوصًا إيرانية، بأن ذراعها في اليمن ما زالت فاعلة وقادرة على التأثير والوصول

‎كما يُبالغ الحوثيون في إبراز تضحياتهم حتى يصنعوا منها رموزًا وأيقونات تعبئة، كما أشارت الكاتبة فاطمة أبو الأسرار في مقالها الأخير بالإنجليزية، إذ أوضحت أن هذه الجماعة تتقن صناعة الرمزية الأيقونية من الدماء، وتستثمر فيها بوصفها المورد الأساسي للتعبئة العامة

‎في حقيقتها، الجماعة الحوثية من دون هذا النوع من التعبئة لا تستطيع البقاء أو التنفس سياسيًا

ويبلغ استثمارهم لهذه التضحيات حدًّا يجعلهم يخفون الكثير من قتلاهم ويؤجلون الإعلان عن وفاتهم، بحيث يتحول القتيل من إنسان له عائلة لها الحق في العزاء والحداد، إلى سلعة تُستثمر سياسيًا وإعلاميًا، في أسلوب مقيت من التسليع والتشييء للأفراد

‎أما أسرهم الحقيقية، فلا يُعطَون إلا هامشًا ضيقًا من الاعتراف أو المشاركة في الحداد

‎ولعل توقيت إعلان مقتل قائد الأركان الغماري في هذه اللحظة كان شكلًا من أشكال الانخراط غير المباشر في معركة غزة، وسلب اللحظة

 ‎كما أنه شكلٌ من أشكال قطف الثمار السياسية

فالحوثيون، في سلوكهم الدعائي، ينافسون الغزّاوِيّين حتى في استثمار التضحيات، ويوظفونها لإثبات حضورهم في المعادلات الإقليمية

أصبح للجماعة رموز يجعلونها في مصاف حماس أو الحرس الثوري الإيراني

ها هي تتموضع ضمن رقعة كبيرة من خطوط الاشتباك السياسي والأيديولوجي وهي بهذا تعيد تعريف نفسها على أنها جماعة ما فوق وطنية، وكيان ايديولوجي وسياسي مسلح عابر للحدود