رحلة البحث عن المياه في مدينة تعز

منذ 4 ساعات

تعز- نجوى حسنبين أزقة مدينة تعز وشوارعها المزدحمة، لم يعد المشهد المعتاد هو ضجيج المارّة أو صخب الحياة اليومية، بل الطوابير الطويلة أمام محطات مياه الشرب

ترى وجوهًا متعددة أنهكها الانتظار، وقلق من غدٍ قد يأتي بلا قطرة ماء

فمنذ ما يزيد عن خمسة أشهر يعيش سكان المدينة أزمة عطشٍ حادة، أجبرتهم على ترك منازلهم أو بيع ممتلكاتهم، فقط من أجل توفير الماء

ورغم توسّلات الناس ومطالباتهم المتكرّرة، يبدو الوضع يسير كما هو دون تغيير

تعد النساء الأكثر معاناة في رحلة البحث عن المياه في تعز

إذ يتحملنّ الجزء الأكبر من هذا العبء، إلى جانب الأطفال الذين يرافقونهنّ في المشي لمسافاتٍ طويلة بحثًا عن “جالون” ماء يُحمل على الأكتاف

بدأت الأزمة في شهر مارس 2025 بشكل تدريجي، ثم تفاقمت بصورةٍ درامية مع حلول شهر مايو، خاصةً مع اقتراب عيد الأضحى، حيث أصبح الحصول على الماء أمرًا بالغ الصعوبة

الطوابير عند محطات التحلية ازدادت طولًا، وكميات الماء المتوفرة تقلصت بشكل لافت؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وعجز كثير من المواطنين عن الشراء، خصوصًا أصحاب الدخل المحدود

يقول نبيل الخليدي (55 عامًا)، بائع مياه كوثر للشرب: “بدأتُ أعبّي الماء من محطة الروضة منذ أكثر من عشر سنوات، لكن منذ مارس اشتدت الأزمة

كنا ننتظر لساعاتٍ حتى يأتي دورنا، لأن تعبئة المحطة تبدأ بصهاريج نقل المياه الخاصة بهم

في نهاية يونيو، توقفتُ عشرين يومًا حتى اتجهتُ إلى الحوبان ومفرق ماوية لجلب الماء

استنزاف للوقت والمال مقابل عملٍ قليل”

مع تصاعد الأزمة وغياب الحلول، بدأ عدد من سكان المدينة يتخذون قرارات صعبة، من بينها الرحيل إلى الأرياف، حيث تتوفر المياه من الآبار والينابيع

الكثير من الأسر اضطرت لتفكيك حياتها داخل المدينة، ومغادرة المساكن التي اعتادت عليها، فقط كي تجد في الريف الماء الذي لم يعد متاحًا داخل المدينة

يحكي المواطن علي الكدهي: “كنتُ أعيش مع أسرتي داخل المدينة، لكن أزمة الماء قلبت حياتنا

خلال أسبوعٍ كامل لم ننجز شيئًا سوى البحث عن الماء، فقررتُ إرسال أسرتي إلى ريف مقبنة، حيث نملك بئرًا، بقيتُ وحدي في المدينة، أشتري المياه المعدنية شهريًا بما يقارب 40 ألف ريال

الحياة أصبحت مرهقة بلا ماء”

بدأت أزمة شح المياه في مدينة تعز تتصاعد أكثر مع بدء الصراع عام 2015

حيث توقف ضخ المياه من الآبار الواقعة في خطوط التماس بين القوات الحكومية وقوات جماعة الحوثي

تسيطر جماعة الحوثي على الأجزاء الشرقية من محافظة تعز

تقاسم جغرافية محافظة تعز بين طرفي الصراع جعل من الوصول إلى المياه ورقة مساومةٍ سياسية

حيث توقف ضخ المياه إلى مدينة تعزمن حوالي 52 بئرًا واقعةً في خطوط التماس، بحسب حديث سابق لمسئولٍ في مؤسسة المياه بتعز مع “المشاهد”

قطع إمدادات المياه من خطوط التماس إلى مدينة تعز يحرم سكان مدينة تعز من حوالي 13-17 مليون لتر يوميًا

الإنتاج اليومي للمياه في مدينة تعز لا يتجاوز 3,200 متر مكعب، في حين أن الاحتياج الفعلي للسكان في المدينة، يتجاوز 35 ألف متر مكعب لليوم الواحد، وَفقًا لحديث مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي، المهندس وثيق الأغبري

مدير مؤسسة المياه في تعز، وثيق الأغبري: الإنتاج اليومي للمياه في مدينة تعز لا يتجاوز 3,200 متر مكعب، في حين أن الاحتياج الفعلي للسكان في المدينة، يتجاوز 35 ألف متر مكعب لليوم الواحد، وَفقًا لحديث مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي، المهندس وثيق الأغبري

”وهذا يعني أن العجز اليومي يصل إلى 32 ألف متر مكعب

وقبل بدء الصراع كان العجز اليومي يتراوح ما بين 15 ألف -18 ألف متر مكعب، بحسب ورقة سياسة نشرتها منظمة “طور مجتمعك” في أكتوبر 2022

وقد ساهم الانتشار الكبير لزراعة القات في استنزاف الموارد المائية الشحيحة أصلًا في اليمن، رغم صدور قرارات من السلطة المحلية بعدم السماح لناقلات صهاريج المياه بنقل المياه من مدينة تعز إلى مزارع القات المجاورة

يقول نبيل الخليدي، بائع مياه الشرب: “مشكلة المياه في تعز ليست جديدة، لكن لا أحد عمل شيئًا

لا توجد حواجز مائية، ولا عيون جارية”

وسط هذه الأزمة المتفاقمة، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة تحرك السلطات بشكل فوري وضمان حق المواطنين في الحصول على الماء كأبسط حقوق الحياة

فالأمر لم يعد مجرد خدماتٍ غائبة، بل تهديد مباشر للاستقرار البشري في المدينة، ومعاناةٌ تُنذر بنتائج كارثية على المدى القريب

يواصل الخليدي حديثه بغضب مكتوم: “نحن نعمل طوال اليوم ولا نحصل على مردودٍ مجزٍ، المواطن العادي لم يعد يحتمل أسعار الماء، لا أحد يسمع، وكأن الجميع في وادٍ ونحن في وادٍ آخر”

تعز اليوم ليست بحاجة إلى وعودٍ جديدة، بل إلى حلولٍ عاجلة تُنهي هذا الواقع المؤلم

فالناس أنهكهم الانتظار، وتكالبت عليهم الأزمات من كل جانب

فهل ستستمر الأزمة لتتحول إلى كارثة إنسانية صامتة؟ أم أن السلطات المحلية ستتحرك أخيرًا وتُقدّم حلولًا تنقذ ما تبقى من كرامة الناس؟ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير