رحلة ذوات الإعاقة للبحث عن عمل

منذ 2 ساعات

عدن- سهى بديعأكملت مروى عبدالحليم الحباري (37 عامًا)، من ذوات الإعاقة البصرية، في تعز، دراسة الماجستير بالتنمية الدولية والنوع الاجتماعي، بدافع إيمانها العميق بأن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة النساء، وخاصة ذوات الإعاقة

لكنها وجدت نفسها بعد التخرج، في رحلةٍ هي الأصعب، حد تعبيرها؛ للبحث عن فرصة عملٍ تليق بمؤهلاتها

يقدر عدد المعاقين في اليمن بنحو15% من السكان (4

5 ملايين)، من بينهم 1

2مليون طفل، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر

ينص قانون رقم(61) لعام 1999 بشأن رعاية وتأهيل المعاقين في اليمن في المادة (18) صراحة على تخصيص (5%) من فرص العمل في الجهاز الإداري للدولة ووحدات القطاع العام والمختلط لذوي الإعاقة الحاصلين على مؤهلات

كما ان المادة (15) من نفس القانون تعتبر “المعاق لائقا صحيا بالنسبة إلى حالة العجز الواردة بشهادة التأهيل المنصوص عليها في هذا القانون وذلك استثناء من القواعد المنظمة للياقة الصحية شريطة أن تتناسب الوظيفة التي سيشغلها من نوع ودرجة الإعاقة

”وفي قانون العمل رقم (5) للعام 1995 تنص المادة (15) على أن يتولى أصحاب الأعمال بحسب الإمكانيات والفرص المتاحة تشغيل المعوقين الذين ترشحهم الوزارة أو فروعها بما لا يزيد عن نسبة 5% من حجم العمالة الكلية لصاحب العمل ويتم التشغيل في الأعمال والمهن التي تتناسب وقدراتهم وإمكانياتهم بحيث يتمتعون بكافة الحقوق المقررة في هذا القانون

”ولكن رغم هذه المواد القانونية المشجعة، تقول مروى لـ”المشاهد” إن محاولاتها للتوظيف في بعض الجهات الحكومية والخاصة قوبلت بالرفض

البعض رفضها بسبب كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وآخرون تعاملوا معها باعتبارها غير قادرةٍ على أداء أي مهام رغم مؤهلها الأكاديمي

وقالت: “إن هذه التجارب مؤلمة ومحبطة، وتعكس نظرةً قاصرة ترى الإعاقة قبل الكفاءة”

وتشير إلى أن أبرز التحديات التي واجهتها تتمثل في النظرة المجتمعية السلبية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وضعف القوانين المتعلقة بتوظيفهم، وغياب تطبيق نسبة 5% المخصصة لهم في المؤسسات

موضحةً أن المشكلة ليست في قدراتها، بل في عدم تهيئة بيئات العمل لتكون ميّسرةً وتتيح لهم العمل بكرامة واستقلال

وتؤكد أن التركيز لا يزال منصبًا على التعاطف مع هذه الفئة بدلًا من الاعتراف بمهاراتهم، وقدراتهم على الإسهام في التنمية

حيث تروي قصتها بأسى قائلًا: “لا أشعر بأن هناك تقدير حقيقي لمؤهلاتي أو مؤهلات النساء ذوات الإعاقة، كل التركيز على الإعاقة لا على الكفاءة أو الجهد المبذول”

مروى عبدالحليم الحباري، كفيفة: لا أشعر بأن هناك تقدير حقيقي لمؤهلاتي أو مؤهلات النساء ذوات الإعاقة، كل التركيز على الإعاقة لا على الكفاءة أو الجهد المبذول”

أبدت مروى استياءها من غياب البرامج الفعلية لتمكين ذوي الإعاقة مهنيًا، مشيرةً إلى أن قضاياهم غالبًا ما تُهمّش بحجة الحرب والأزمات، ورغم ذلك تواصل سعيها لرسم طريقها بنفسها

وتعتبر أن الرفض المتكرر شكل لها دافعًا إضافيًا، إذ تعلمت من خلاله قوة الإصرار، وتحويل المعاناة إلى صوتٍ مدافعٍ عن حق النساء ذوات الإعاقة في العمل والحياة الكريمة

وتقول إن تجربتها في وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر (SIMS) مثّلت لها نقطة تحول مهمة، إذ التحقت ببرنامج التلمذة المهنية لمدة ثلاثة أشهر

وتمكنت خلاله من إثبات قدراتها وتحقيق اندماجٍ إيجابي في بيئة العمل، ولاقت تجربتها تفاعلًا مشجعًا من موظفي الوكالة

وتأمل مروى أن تتغير النظرة النمطية تجاه ذوي الإعاقة، وأن تعمل المؤسسات على تهيئة بيئات عمل ملائمة، وتفعيل سياسات التوظيف بطريقة حقيقية

مؤكدةً أنهنّ لسن عبئًا على المجتمع، بل جزء أساسي من عملية التنمية

من جانبها، تقول غصون الفقيه (40 عامًا) من ذوات الإعاقة السمعية، في عدن، رغم حصولي على دبلوم في الصيدلة، وبكالوريوس في العلاج الطبيعي، وماجستير في الإدارة الصحية، لا زلت أواجه تحديات كبيرة في الحصول على فرصة عمل عادلة تتناسب مع مؤهلاتي

وتضيف غصون في حديثها لـ”المشاهد” أن أكثر ما يؤلمها هو الحكم المسبق عليها بسبب إعاقتها السمعية، خاصةً بعض المؤسسات والمراكز المعنية بدعم ذوي الإعاقة، لكنها بحسب تعبيرها تستبعد توظيف شخصٍ من ذوي الإعاقة داخلها

وأوضحت أنها تعرّضت لمواقف عديدة أثناء تقديمها للوظائف، منها صعوبة التواصل، رغم قدرتها على القراءة والكتابة وفهم الآخرين عند التحدث ببطء

وتشير إلى أن بعض الجهات تكلفها بمهام أكبر من نطاق تخصصها في العلاج الطبيعي، فقط لتدفعها على الانسحاب، كي لا يظهر الرفض صادرًا من تلك الجهات

كما يختار البعض التحدث معها باللغة الإنجليزية رغم معرفتهم بأنها تواجه صعوبةً في النطق

كشفت غصون أنها تعرضت للاستغلال عند دخولها مجال المشاريع الصغيرة، إذ استغل البعض ضعف قدرتها السمعية، فاستحوذوا على أفكارها وجهدها ومؤهلاتها، ثم تخلوا عنها فور نجاح مشاريعهم، دون تقديرٍ أو إنصاف

رغم الصعوبات، استطاعت غصون تحويل لحظات الإحباط إلى قوة، تقول: “في البداية شعرت باليأس، لكني قررت تطوير نفسي عبر دورات التنمية البشرية والمبادرات المجتمعية، رغم صعوبة الحضور والاستماع، تعثرت كثيرًا، وسقطت، لكنني نهضت أكثر من مرة”

ولفتت إلى أنها تعمل في معالجةٍ فيزيائية معتمدة دوليًا في تقنية “الإبر الجافة”، ولديها خبرة سبع سنوات

غصون تدعو إلى تمكين النساء من ذوات الإعاقة عبر تهيئة بيئة عملٍ ميّسرة تناسب احتياجاتهن، وتوفير التكنولوجيا المساعدة والأدوات التي تتوافق مع نوع الإعاقة، وإنهاء التحيز والتمييز في التوظيف والترقية

بالإضافة إلى التركيز على الكفاءة بدل الإعاقة، دون التعامل معهنّ باعتبارهنّ “حصة” يجب شغلها

مؤكدةً أن هذه الخطوات كفيلة بتمكين النساء ذوات الإعاقة من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والمشاركة الفعّالة في تنمية المجتمع

يقول رئيس قسم منازعات العمل بمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بصنعاء، مهند سعيد الدعيس، لـ”المشاهد”: “إن سوق العمل ما يزال محدودًا في استيعاب ذوي الإعاقة، خاصةً النساء، رغم وضوح نسبة توظيفهم القانونية الـ5%، لكن التطبيق ما يزال متدنّيًا”

وأوضح الدعيس أن قبول النساء ذوات الإعاقة يتأثر بعوامل عدة، أبرزها طبيعة الإعاقة، وضعف التأهيل والتدريب، ومحدودية وعي بعض أصحاب العمل بقدراتهن

إضافة إلى غياب برامج تشغيل مستدامة في القطاعين العام والخاص، بحسب الدعيس

وأشار إلى أن أبرز التحديات تتمثل في عدم تهيئة بيئة العمل وقلة الوظائف المناسبة، مؤكدًا أهمية تفعيل قوانين القيد والمتابعة الدورية مع القطاع الخاص لإلزام المنشآت بتطبيق نسبة التوظيف المحددة

وفي السياق ذاته، أوضح مدير عام مركز الحكيم التخصصي، في صنعاء، عبدالرحمن الحكيمي لـ”المشاهد” أن المركز يوظف ذوي الإعاقة وفق معايير تراعي طبيعة الإعاقة والمهام الممكنة

لكنه أكد أن سوق العمل ما يزال غير مهيأ بالشكل الكافي لاستقبال هذه الفئة

وبيّن الحكيمي أن من أبرز الصعوبات ضعف المستوى التعليمي، مشيرًا إلى أن المركز يقدم دورات تدريبية وتوعوية لرفع قدرات ذوي الإعاقة وتعزيز دمجهم المجتمعي

ويرى الحكيمي أن تحسين فرص توظيف النساء ذوي الإعاقة يتطلب تدريبهنّ بما يلائم احتياجات سوق العمل، وتهيئة بيئة العمل لاستقبالهن، إلى جانب توعية المؤسسات بقدرات هذه الفئة وما يمكن أن تقدمه في مواقع العمل

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: [email protected] تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة

الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن