رحلة فتاة ملهمة من محو الأمية إلى الماجستير

منذ سنة

“لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد”، مثل صيني اتخذته الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار منهجًا، لتغيير حياة من تسربوا من التعليم بسبب الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية التي تعرّض لها البعض في السنوات الأولى من التحاقهم بالتعليم

 هناء باضروس، في العقد الرابع من العمر، من مديرية المكلا بمحافظة حضرموت، استطاعت أن تنال درجة الماجستير، بعد التحاقها بمحو الأمية، وحققت ذلك الإنجاز على الرغم من الصعوبات التي مرت بها نتيجة لظروفها المادية الصعبة، والحرب التي تشهدها البلاد

تبدأ هناء حديثها عن رحلتها في محو الأمية، وتقول: “كنت أتوجه كل يوم إلى فصول محو الأمية، وأحمل في قلبي حلمًا كبيرًا بمواصلة تعليمي، لكن الطريق كان مليئًا بالتحديات، فضلاً عن تنمر بعض أفراد المجتمع الذين لم يفهموا رغبتي في التعلم ومواصلة ذلك”

 وتضيف: “استمررت في مسيرتي التعليمية، ولم يتغلب اليأس على شخصيتي أبدًا، بل هزمت الصعاب التي واجهتها في طريقي

كان بعض الأشخاص يسخرون مني عندما يرونني

ومع ذلك لم ألتفت لهم وعملت بجدٍ واجتهاد لسد الفجوة التي أحدثها نقص التعليم في حياتي”

تحكي هناء بفخر: “أكملنا مرحلة صفوف محو الأمية وانتقلنا إلى المرحلة الأساسية، لم أكن وحيدة، كنا خمس طالبات، وواجهنا الكثير من التنمر في الفصول الدراسية في المدرسة، لكن لم نهتم للتعليقات السلبية، وقد تعودنا على ذلك منذ بدء الدراسة في مركز محو الأمية”

 تواصل هناء حديثها والحزن يبدو على محياها: “ومع ذلك للأسف الشديد؛ لم يستطعن بقية الطالبات إكمال الدراسة وانسحبن جميعهن، وبقيت أكافح وحيدة

نعم أصابني الممل واليأس حينها، وكدت أن انهزم واستسلم، لكن تبادر إلى ذهني تشجيع أهلي ومعلمتي وكلامهم المحفز لي، الذي أضحى جرعة من التحفيز والعزيمة للمواصلة، والحمد لله واصلت دراستي”

وتتابع: ” كانت المعلمة نجلاء السبب في اندفاعي إلى إكمال تعليمي وتشجيعي”

تصف هناء رحلتها في مواصلة تعليمه، وتقول: “عندما أنهيت مرحلة الإعدادية قررت مواصلة تعليمي، فالتحقت بثانوية مَجمّع فوه التعليمي للبنات، وبفضل عزيمتي الصلبة لتحقيق حلمي، تمكنت من الانتقال إلى المرحلة الثانوية، وتحققت لي فرصة الحصول على شهادة الثانوية العامة”

أثناء دراستها في المرحلة الثانوية،لم تكن تخبر زميلاتها بأنها كانت طالبة في صفوف محو الأمية، لأن ذلك يشعرها بالخجل

لكنها اليوم لم تعد خجولة بعد ما حققت حلم إكمال تعليمها

تضيف: “لكني اليوم فخورة جدّا بنفسي، كوني التحقت بصفوف محو الأمية، وبعد انتهائي من مرحلة الثانوية لم أكتف بذلك، بل قررت مواصلة حلمي وهو الوصول إلى مرحلة الماجستير”

  انطلقت هناء في رحلة جامعية مليئة بالتحديات، ولكنها أيضًا مليئة بالأمل والتطلع إلى مستقبل أفضل، والتحقت بجامعة حضرموت، تخصص تاريخ

تشير هناء إلى أن اختيار ذلك التخصص كان بمثابة العرفان لمعلمتها، وقررت أن تسلك نهج معلمتها حتى تكون سببًا لدفع فتيات لمواصلة حلمهن والعودة إلى صفوف التعليم

خلال سنوات الجامعة، كانت هناء تواجه تحديات جديدة وصعوبات متعددة، ولكنها بقيت قوية وصامدة، حسب قولها، بل وحصلت على درجة البكالوريوس بتفوق مع شهادة مرتبة الشرف وميدالية التفوق العلمي في عام 2017-2016م، ثم حددت لنفسها هدفًا جديدًا: التقدم لدرجة الماجستير في تخصصها المفضل

تواصل هناء سرد قصتها، وتقول: “بعد مرور سنوات، تم فتح قسم ماجستير تاريخ إسلامي، ونجحت في الالتحاق ببرنامج الماجستير، حيث بذلت مجهوداً جباراً للتفوق وتحقيق أحلامي الأكاديمية، وقررت الالتحاق بالدراسات العليا، لكني واجهت الكثير من الصعوبات، وتبددت تلك الصعوبات بتعاون رئيسة القسم الدكتورة نجلاء بن عقيل”

 ومن ضمن الصعوبات التي واجهتها هناء الرسوم الباهظة لم تستطع توفيرها، كونها من أسرة ذات دخل محدود

تسلل اليأس إليها، وقررت الانسحاب، ورأت حلمها يتلاشى

لكن القدر كان له قرار مختلف

 توضح هناء: “شاءت الأقدار أن يتكفل فاعل خير برسوم دراستي، حينها لم أستطع أن أصف الفرحة التي غمرتني والسعادة التي عشتها”

تضيف: “أشكره من أعماق قلبي أنه أعادني إلى حلمي، وانتهزها فرصة لأشكر مشرفي على رسالتي الجامعية، الدكتور محمد منصور بلعيد من جامعة عدن، وتمت المناقشة ولله الحمد، وتم منحي الماجستير بدرجة امتياز”

 تؤكد هناء بأنها ستظل مصرة على تحقيق حلمها بإكمال دراستها، والوصول إلى الدكتوراه، فهي تدرك تمامًا أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف مليء بالتحديات والصعاب، وبينما تبدو المسافة بعيدة، إلا أن رؤيتها لنجاحها المستقبلي تبقى واضحة

تستمر هناء في رحلتها التعليمية بثبات وثقة، متطلعة إلى اليوم الذي تحمل فيه شهادة الدكتوراه بين يديها، وترى أحلامها تتحقق

 يعلّق والد هناء على قصة نجاحها، ويقول: “لا شك أنني فخور جدًا بتحقيق ابنتي لإنجازها العظيم في الحصول على درجة الماجستير

كانت رحلة مليئة بالتحديات، ولكن بفضل عزيمتها واجتهادها، وصلت إلى هذا الإنجاز الرائع

أتمنى لها مستقبلًا مشرقًا ومليئًا بالنجاح والتقدم، ومواصلة الدكتوراة التي أرى أنها ليست بعيدة عنها”

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصاديليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير