رمضان في سيئون.. حركة تجارية خجولة

منذ 18 ساعات

سيئون – أشرف الصوفي على غير العادة، تشهد الحياة العامة والأسواق في مدينة سيئون، بوادي حضرموت (شرق اليمن)، ركودًا ملحوظًا مع اقتراب شهر رمضان

حيث تبدو الشوارع والمحال التجارية أقل ازدحامًا في هذا الوقت من العام مقارنة بالسنوات الماضية

يحدث هذا الركود في الوقت الذي يُفترض أن تشهد فيه الأسواق حركةً نشطة في البيع والشراء استعدادًا للشهر الفضيل

حيث يعاني التجار من تراجع الطلب بشكل غير مسبوق؛ مما شكّل ضغوطات ومخاوف من استمرار الوضع المعيشي الراهن

وضع ارتبط كثيرًا بتدهور الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، والذي تراجع بشكل كارثي؛ ألقى بآثاره على أسعار السلع

حيث وصل سعر صرف العملة المحلية لمستويات متدنية للغاية منذ أواخر العام الماضي، وبداية السنة الحالية

واقترب سعر صرف الدولار الأمريكي من حاجز 2300 ريالًا، بينما تجاوز سعر صرف الريال السعودي -الأكثر تداولًا- 600 ريالًا يمنيًا

على غير العادة، تشهد الحياة العامة والأسواق التجارية ركودًا واضحًا، مع اقتراب شهر رمضان، بعد ارتفاع أسعار السلع الأساسية؛ نتيجة تدهور أسعار صرف العملة المحليةورغم التحسن الطفيف لسعر الصرف خلال اليومين الماضيين، إلا أن الأسعار مازالت مستمرة في الارتفاع دون رقيب أو حسيب

الأمر الذي خلق تداعيات معيشية قاسية، دفع ثمنها محدودو الدخل في مناطق الحكومة اليمنية، الذين تتأخر مرتباتهم منذ شهور

كما تسبب هذا الوضع بتراجع إقبال المواطنين على شراء احتياجاتهم، بما فيها متطلبات شهر رمضان الفضيل

مواطنون عاجزون يقول محمد سالم، صاحب متجر للمواد الغذائية بسوق سيئون: “كان المحل في مثل هذا الوقت من كل عام يعجّ بالزبائن

مشيرًا خلال حديثه لـ«المشاهد» إلى أن أولئك الزبائن كانوا يشترون مستلزمات رمضان بكميات كبيرة، على العكس من زبائن هذا العام

ويضيف: أما الآن، فنادرًا ما يدخل أحد للسؤال عن الأسعار، وعند الشراء يقتصر الأمر على الضروريات فقط

موضحًا أن أسعار بعض السلع الأساسية تضاعفت بسبب تهاوي العملة المحلية؛ وبات المواطنون عاجزون عن شراء أساسيات المائدة الرمضانية

ترتيب الأولويات على الجانب الآخر، يعاني المواطنون من ضغوط اقتصادية كبيرة أجبرتهم على تقليص مشترياتهم الرمضانية

فمع الارتفاع الجنوني للأسعار، اضطر كثيرون إلى إعادة ترتيب أولوياتهم، والاكتفاء بشراء الاحتياجات الأساسية فقط

بات غالبية المواطنين عاجزون عن توفير احتياجات شهر رمضان، واضطرارهم للاكتفاء بأساسيات السلع والمواد الغذائية؛ ما أدى إلى تراجع الإقبال على الأسواق، وتأثر الحركة التجارية التي أصبحت خجولة للغايةيقول أحمد عبدالله، موظف حكومي وأبٌ لخمسة أطفال: “سابقًا كنت أحرص على توفير وشراء كافة الاحتياجات الرمضانية للأسرة

ويستدرك: أما هذا العام، فقد اكتفيت بشراء الأرز والدقيق والزيت والسكر فقط، حتى اللحوم أصبحت ترفًا لا يمكن تحمله

ويضيف أحمد بأسى: “حاولت التوفير قدر الإمكان، لكن الأسعار تواصل الارتفاع يومًا بعد آخر، بينما رواتبنا لا تكفي حتى لمنتصف الشهر

ويختم حديثه بغصة: لم أكن أتخيل يومًا أن أجد نفسي عاجزًا عن شراء بعض الأساسيات لأطفالي في رمضان

تفاوت التأثيريُرجع الخبير الاقتصادي محمد الكسادي، السبب الرئيسي لهذا الركود التجاري، إلى التدهور الحاد في قيمة الريال اليمني

ويوضح الكسادي: العملة المحلية فقدت ما يقارب ثمانية أضعاف قيمتها مقارنةً بما قبل الحرب؛ ما تسبب بانخفاض القوة الشرائية للمواطنين

ويرى الكسادي أن التأثير الاقتصادي غير متساوٍ على جميع الفئات، فالموظفون الحكوميون الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية تضرروا بشكل أكبر

بينما لم تتأثر الفئات التي تحصل على دخلها بالعملة الأجنبية -الريال السعودي والدولار الأمريكي- كمسؤولي الحكومة في الداخل والخارج

الكسادي: الموظفون الحكوميون أكثر الفئات تضررًا من تراجع سعر الصرف وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما أدى انخفاض عام في الطلب على السلعمعتقدًا أن هذا الوضع جعل الأسواق تشهد نشاطًا محدودًا بسبب الحوالات الخارجية التي تتلقاها بعض الأسر من أقاربهم في الخارج

ويضيف: “هناك انخفاض عام للطلب بسبب انهيار العملة، لكن الحوالات الخارجية تُبقي بعض الحركة بالأسواق، وإن مقتصرة على فئات معينة”

معارض ومبادرات وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحادة وارتفاع الأسعار، لجأ المواطنون إلى المعارض الرمضانية التي تنظمها بعض المؤسسات والمراكز التجارية

إضافةً إلى المبادرات الحكومية الرمضانية، مثل تلك التي تنظمها المؤسسة الاقتصادية اليمنية سنويًا قبيل شهر رمضان

وجميعها تهدف إلى توفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة نسبيًا مقارنة بالأسوق العامة، وتمثل خيارًا أقل كلفة، لمحدودي الدخل

هذه المعارض توفر مجموعة من المواد الغذائية بأسعار أقل من السوق التقليدي

حيث تُباع بعض السلع كالسكر، الدقيق، الأرز، والزيوت بأسعار مدعومة؛ مما يساعد العائلات على شراء احتياجاتها الرمضانية بأسعار أقل نسبيًا

ورغم ذلك، لا تزال الأسعار مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة؛ ما يجعل استفادة المواطنين من تلك المعارض والمبادرات محدودة

أصبحت المعارض الرمضانية خيارًا أقل كلفة بالنسبة لمحدودي الدخل من المواطنين، رغم أن أسعارها مرتفعة مقارنةً بالأعوام الستبقة، لكنها تبقى ملاذًا أفضل من الأسواق العامةحسين سويدان، أحد الزبائن الذين قصدوا إحدى المعارض الرمضانية، يقول لـ«المشاهد»: وجدت بعض المواد الغذائية هنا بأسعار أقل من السوق

مستدركًا: لكن تبقى أسعار السلع والمواد الغذائية مرتفعةً في المعارض أيضًا، مقارنةً بما كانت عليه في الأعوام السابقة

وأضاف: نحاول التكيّف مع الوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور، غير أن الأوضاع تزداد صعوبة، وفشلت جهودنا لمواكبة الوضع والتعايش معه

ويرى سويدان أنه ورغم الإقبال النسبي على هذه المعارض، إلا أن العروض المخفضة لا تغطي جميع المنتجات الأساسية

كما أن الكميات المتاحة في المعارض محدودة للغاية، مما يؤدي إلى ازدحام شديد ونفاد سريع لبعض السلع المهمة، بحسب سويدان

ومع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب، يترقب المواطنون حلولًا تخفف عنهم وطأة الأزمة الاقتصادية، خاصةً مع قدوم شهر رمضان

مطالبين بتدخل حكومي عاجل، سواءً عبر دعم السلع الأساسية أو تبني مبادرات مجتمعية حقيقية وفاعلة توفر المواد الغذائية للفئات المتضررة

وضع عام وغياب حكوميما تعيشه مدينة سيئون بمحافظة (شرق اليمن)، ليس حالة خاصة بها، بل هو وضع عام يشمل كافة محافظات البلاد

بدءًا بمدينة عدن، التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًا عاصمةً مؤقتة لها، مرورًا بمدينة تعز، وليس انتهاءً بمأرب وبقية المدن

وما يجمع كل تلك المدن أنها تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، في ظل عجز هذه الحكومة واضح عن معالجة التدهور الاقتصادي

يأتي هذا في ظل سخط شعبي تجاه الصمت الحكومي وغياب التدخلات الرسمية الناجعة لإنقاذ الوضع المعيشي المنهار، وتحسين الخدمات

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير