زواج الأقارب… العادات تشرّع إنجاب أطفال معاقين

منذ 10 أشهر

صنعاء- وداد خالدفي الصباح الباكر والشمس تبسط أشعتها الدافئة على الطرقات، تتعالى ضحكات وأصوات الأطفال وهم ذاهبون إلى مدرسة القرية في ريف محافظة إب، بينما تتوارى أمل خلفهم خجل من كونها صماء وبكماء، ولا تعي ماذا يقول زملاؤها

الطفلة ذات السبعة أعوام أحد ضحايا زواج الأقارب، وتعاني مثل غيرها من الأطفال في قريتها والمناطق الأخرى من أمراض وراثية أخرى، لذات السبب

ينتشر زواج الأقارب -بشكل مكثف-  في المناطق الريفية، ويخلق الكثير من الأطفال الذين يأتون إلى الحياة بإعاقات تظل ترافقهم مدى العمر، إضافة إلى معاناة أهاليهم في صعوبة تأمين العناية لهم، خاصة في ظل استمرار الصراع في البلاد، وعدم الاستقرار ونقص الأعمال وزيادة الفقر

“أحمد، وليلى وسهام، هم كل ما لدي في هذه الحياة، حصيلة عمري لكن جميعهم يعانون من إعاقات بصرية تجعل كل واحد منهم يتخبط بجهة”، هكذا وصفت فاطمة (45 عاما) حالة أبنائها، نتيجة زواجها من ابن عمها، الذي هو -بالأساس- ولد لزواج أقارب، نتيجة للعادات والتقاليد التي تحتم عليهم الزواج من أفراد العائلة

ولم تشفع معاناة أولاد فاطمة لأختها عائشة التي أرغمت على الزواج من ابن عمها الآخر، لتلد بعد ذلك طفلة مصابة بإعاقة عقلية بالإضافة إلى الصمم

في المجتمعات الريفية، تتحكم العادات والتقاليد بأفكار وقناعات الناس

وعلى الرغم من انتشار الأمراض الوراثية، إلا أن هناك أسرا ما زالت تمنع المرأة من الزواج من شخص لا ينتمي إلى نفس الأسرة، دون الاكتراث لما قد يسببه ذلك من آثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية، خاصة مع قلة الحملات التوعوية المتعلقة بأهمية تجنب زواج الأقارب أو إجراء الفحوصات اللازمة قبل الزواج

مبرراتتفضل نوال سالم (40 عاما)، قابلة في الوحدة الصحية بقريتها، البقاء عازبة على الزواج من قريب والتسبب في ولادة أطفال يعانون من إعاقة ما

استطاعت  نوال كسر الصورة النمطية بضرورة الزواج من ابن عمها رغم انتمائها لأسرة تمنع زواج بناتها برجل لا ينتمي إلى العائلة، فرفضت الزواج حتى لا تتكرر مأساة إبناء إخوتها

وحين تم إجبارها على الزواج من شخص ينتمي إلى نفس الأسرة، حاولت الانتحار ،فما كان من الأسرة إلا إعطائها خيارين لا ثالث لهما، إما الزواج من الأسرة أو البقاء عازبة طوال العمر

نوال عمة لأكثر من عشرة أطفال منهم أربعة ينتمون إلى فئة الصم والبكم، وهو مرض منتشر بالعائلة وشُخص أنه مرض وراثي بسبب هذا النوع من الزواج

تم حرمان نوال من حقها في الاختيار والزواج، إلا أنها تعتبر ذلك خطوة إيجابية قد تسهم في تغيير العادات والتقاليد التي تشرع زواج الأقارب، والذي تعتبره بعض الأسر أمر إجباري، ولا يحق لأحد أفراد الأسرة مخالفته

ويبرر البعض أن زواج الأقارب يحافظ على وحدة النسل وإبقاء الثروة في نفس الأسرة، كما أن غلاء المهور هو أحد الأسباب التي تدفع الشباب إلى الزواج من الأقارب، على الرغم من معرفتهم المسبقة بالأمراض الوراثيّة التي قد تصيب أبناؤهم الذين قد يرزقون بهم، حيث إن المهر بين الأقارب أقل قيمة من المهر  الذي يُفرض عند الزواج من عائلات أخرى

استمرار الظاهرةيستمر زواج الأقارب في الريف أكثر منه في المدن، وتتزايد نتائجه السلبية وتظهر على شكل مشاكل أسرية وصحية تتمثل بأمراض وراثية تصيب الأطفال كالإعاقات العقلية والجسدية، وأمراض العيون والقلب والدم الخطيرة، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية وتتمثل بالعنف الجسدي والطلاق والقطيعة التي تحدث بين تلك الأسر

وكشفت نتائج استبيان أجراه مشروع “حُبّ وطِبّ” في عام 2020، أن زواج الأقارب في اليمن، مرفوض ومعلوم ضرره لكنه قائم ومستمر، حيث يعلم نصف جمهور الاستبيان عن الأضرار الصحية لزواج الأقارب، في حين أن 5% فقط يبدون أنهم لا يعلمون شيئاً عن تلك الأضرار

وكشفت النتائج أن زواج 45% من المستجيبين يندرج ضمن فئة زواج الأقارب، وأكثر الفئات العمرية زواجاً ضمن دائرة الأقارب هم الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً بنسبة 72% منهم

أما غير المتزوجين وغير المتزوجات فإن 16% منهم فقط ينوون الزواج من بين دائرة الأقارب، والإناث أكثر رفضاً (93%) من الذكور (75%)، كما أن الأكبر سناً ممن تجاوزوا 35 عاماً أكثر رفضاً بنسبة 91% منهم، بالمقارنة مع الذين أعمارهم في العشرينيات ودونها

أطباء يحذرونفي يونيو 2022، أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تعميما يُلزم بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج، في أول إجراء من نوعه، وذلك في مسعى للحد من انتشار بعض الأمراض الوراثية مع تزايد معدلات زواج الأقارب في اليمن بخاصة في ظل الحرب المستمرة والتي أدت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية

وحدد التعميم، الذي وجهته وزارة الصحة إلى مديري مكاتب الصحة بالمحافظات، فحص أمراض الدم الوراثية والأمراض الفيروسية وفصائل الدم وفحص الدم العام

وبهذا الشأن، يحذر أطباء من مخاطر زواج الأقارب، ويحثون القادمين على الزواج على عمل فحوصات ما قبل الزواج

تقول الدكتورة أميرة بأفضل، إخصائية نساء وولادة، ماجستير أمراض معدية ومدارية: “يولد يومياً عشرات الأطفال المصابين بأمراض وراثية بسبب زواج الأقارب المنتشر بكثرة بالمدن والأرياف، نتيجة التوعية غير الكافية بمخاطر هذه الظاهرة، وعدم الخضوع لفحوصات ما قبل الزواج”

وأوضحت بأفضل أن الأبوين قد يحملا جين المرض، وبالتالي يُخلق الطفل مصابا بذلك المرض على شكل إعاقة عقلية أو جسدية أو أمراض أخرى كأمراض الدم الوراثية أو غيرها، لافتة إلى أن مراكز أبحاث الأمراض الوراثية والفحوصات المتعلقة بها غير متوفرة في البلاد، وأن ما هو متوفر يشكل 20% فقط من تلك الفحوصات

زواج قسريأستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، مروان البكاري، يقول لـ “المشاهد” إن زواج الأقارب مرتبط بالعادات والتقاليد الاجتماعية، ويعكس حرص الأسرة على لم شملها وتعزيز مكانتها وقوتها، ويتمثل بأن القريب أولى من الغريب، إضافة إلى عامل آخر يتمثل بالحفاظ على الميراث وعدم تشتته خارج الأسرة، بخاصة لو كانت الحيازات كبيرة، ولذلك تمنع المرأة من الزواج بالغريب وتجبر بالزواج من القريب قسراً

يضيف البكاري: “ولنتيجة هي عدم الاستقرار النفسي والأسري والاجتماعي، وقد تكون سببًا لأمراض وراثية تصيب الأطفال، وهذا ناجم عن رفض الكثير إجراء فحص ما قبل الزواج، وذلك خشية أن تظهر نتيجة الفحص عدم التطابق، وبالتالي عدم إمكانية الزواج”

وبرغم النتائج الكارثية لزواج الأقارب، إلا أنه ما زال ينتشر وتشرعنه العادات والتقاليد مع استمرار غياب الوعي المجتمعي، وضعف حملات التوعية من الناحية الصحية بالقيام بواجبها بهذا الجانب، وستظل العادات تشرع الإعاقة بواسطة زواج الأقارب

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير