سام الغباري : أولي الإربة !
منذ 4 ساعات
سام الغباري رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير يجب أن ننتبه جيدًا
لم يعد جمال أنعم بحاجة إلى أن يثبت ولاءه للجمهورية بالكلام، لأنه منذ بداياته لم يكتب حرفًا واحدًا خارج هذا الولاء
فالجمهورية كانت وما زالت إطار كتابته، ونَفَس كلماته، وهي ما يشغلنا اليوم، وما سيبقى معنا غدًا
قبل 2011، كانت صحف الدولة في صنعاء وعدن وتعز قد شاخت
لم تعد لها جماهيرية، صار جسدها متهالكًا، وشباب يربو على أطرافها ينتظر خبرًا لا يلوثه ماض من أحزاب ومنابر أخرى
استقوا من الإعلام الضال قيمة المعرفة لكنها استقيت ملوثة، من مصادر لم تعد صافية
الكل تعامل بخفة مريبة: فكان الرد من أصدقاء النظام بأن مولوا صحفًا، وجلبت لها مطابع، وتهاوت وزارة الإعلام تحت لافتات متضاربة عن تكميم الأفواه
سنة تلو أخرى، وتوابيت الأخبار تكدس على أبواب الأرشيف
الصحافيون الحكوميون حائرون متكلسون، وصحفيو اليسار، ذهبوا صوب إغواء الجمهور بسرديات تقاتل الجمهورية نفسها، نكاية في ساحات طالها الغبار قبل سنوات قليلة
وكم كان مثيراً أن أولئك الذين هتفوا في الميادين يسقط النظام هم أنفسهم من امتلأت بهم الأكشاك ومن نفدت من قصصهم صحف المعارضة
النذير عندما عوى، كان صوته خافتًا
وابتسم كاهن صعدة
إذا نويت أن تغرز إصبعك في عيون من هتفوا يوماً، فستفقئ أعينًا كثيرة: وزراء وقيادات وصحافيون وسياسيون
منهم من تشبع طمأنينة الجمهورية من غيوم صنعاء وهوائها وجبالها، ومن رؤيا علي عبدالله صالح وهو يحرسها بجراحه، وكان وجوده يعطي العاصمة فعل الإمكان والعيش
فلما أزهق الحوثيون روحه على صخرة صماء قرب قريته، عاد النذير ليعوي من جديد، ولم يعد لمن يحب الجمهورية أن يهمس بولائه بصوت جهور مطمئن
جمال أنعم، ونحن، وأنتم، حملنا هذا النظام في صدورنا
غادرنا صنعاء غاضبين من صالح لأنه لم يحمنا كما كنا نؤمل
أنا الذي كنت من أنصاره، وجمال كان من دعاة إسقاطه؛ ومع ذلك آمنا معًا أن وجوده بلا الحوثي سيعيدنا إلى صنعاء
كنا نعدوه بالصفح، وهو كان يكفي لنا وجوده
غادر صالح وبقي الحوثي، وتحولت تهمة الولاء الجمهوري إلى عنوان يُنقشُ في صنعاء باسم من تبقى من المؤمنين بها
الذين غادروا قبل عام، عادوا من مهاجرهم ليحاسبوا جمالًا على وظيفة حكومية بائسة انتزعها من فم النظام المتهالك، ونزعها رفاقه من الساحة حيث صاروا قادرين على إصدار القرار
وبخفة كهذه ضاعت واحدة من أهم مكاسب الإعلام الوطني: التشكيل الملحقي في السفارات، ذاك الصوت الذي كان للمؤسسة وطن في الخارج
وعندما صدر قرار بإبعادي عن وظيفتي قبل ثلاث سنوات وحرماني من راتبي حتى اليوم، أعلنت رفضي غاضبًا
كنت أكثر صراحة من جمال الذي ما زال يشاركني هم البحث عن راتب حكومي
كان يبدو حكيمًا في رسائله الطويلة، وكان يهدهد جرحي كما يهدهد الوالد طفله
كنت أغلي داخلي، أحاول أن أستجمع دولة فقدتني دون سبب معلن
كان يقول لي دائمًا: العطاء لله، والأفراد لا يقودون حيوات الناس إلا بقدر أخطائهم
وكم من ذاك الابتكار المؤذي يسرع بزوال أصحابه! لكن القيم تبقى
فلا تذهب بعيدًا في غضبك يا سام، اصبر وطالب بحقك، ولا تفقد قيمتك
كنت أكتب له على واتساب، وأحذف
أكتب، أعيد الحذف
ما هذا الهراء؟ هل آن وقت التجليات؟ لكنه كان صادقًا: يرحل الأذى والمؤذي ويبقى ما في القلب من قيم حقيقية
جمال كان يرى نفسه فيّ قبل سنوات، يحاول أن يمنعني من تكرار أخطاء الصحفيين الكبار الذين هتفوا ذات يوم يسقط النظام
كان يحذرني أن لا أذهب بغضبي بعيدًا كما ذهبوا
صحافيو التجمع اليمني للإصلاح استدركوا، بلا استثناء، أخطاء أشهر قليلة في 2011
أعادوا توازنهم، وكتبوا بعد ذلك عن الجمهورية بشغف من صنعها ومن آمن بها
كانوا يزعمون أنهم الدولة، وآخر الأسوار، وآخر الحراس
لكن الحقد كان قد ارتقى جبال صعدة، ومضى نحو عمران، واجتاح صنعاء باحثًا عن كل من يعشق الجمهورية في قيمتها الأسمى، ليقضي عليه
يجب أن ننتبه جيدًا لأولئك الذين قاوموا زحف الجحافل الحوثية الملعونة، وأن لا نسمح للذين قادوا حملة الإغواء المدروس على وعي الناس أن يعيدوا فعلتهم
فتلك خطيئة، وتشويه رموزنا وأصدقائنا والمهاجرين الذين لم تعد صنعاء تتسع لهم، جريمة في حق الذاكرة والوجدان
جمال أنعم، بفكه الطاغي وكأنه رجل من تكساس، واحد من أولئك الذين ينبغي أن نحميهم، ونمنع الناس عنهم، ونقاتل من أجلهم
معه أي صحافي نزف صدقًا وبكى دمًا ودموعًا، هؤلاء من يجب أن تحميهم الدولة، والوزارة، والمؤسسات، والأصدقاء، والصحافيون كل معًا
عليهم أن يكونوا لهم حصنًا، وألا يدعوهم فريسة للانتهاز
ويجب على أولي الإربة من الناشطين ألا يدعوا الرجولة على الرجال
والسلام عليكم