سام الغباري : الحرب تبدأ بصوت واحد
منذ 19 ساعات
سام الغباري رئيس مجلس الإدارة - رئيس التحرير من يتذكر؟ كان أول صوت خرج من قبو الجريمة لنجلِ عجوز وارى التراب جسده، يُدعى «صلاح فليته»
أما ابنه فيُقال له «عبدالسلام»، وقد أضاف «محمد» فصار «محمد عبدالسلام»؛ إرهابيَّ النفط والتهريب والدم، ذاك الذي لاحقته مسيرة ضلاله منذ كان جنينًا في بطن الكهف، حتى غذّته قناة عربية بهاتف دولي ومنحته مساحة واسعة في نشراتها الإخبارية ليبرر أول رصاصة غادرة أطلقتها حاضنته الإرهابية في ظهر جنود محترمين كانوا يؤدون صلاة العصر جماعة
كان الصوت أولًا، والمال معه
وفي بطون الأودية وسفوح الجبال تدفق السلاح، حتى اكتشفوا أنهم قادرون على الصراخ، فصرخوا
وكان ذلك «الصوت الثاني»؛ زعيقَ فِتيةٍ كفروا بأنعم الله من أوكار «مساجد ضرار» التي ابتناها زعيم إفكهم الراحل القادم من ديار فارس؛ لم تكن على التقوى، وقد يوجب المستقبل هدمها وتسوية قباب أضرحتهم الآثمة بالأرض
في تلك الليالي الباردة، كان النظام في صنعاء يتلوّى بحثًا عن صاحب الصوت، فلم يعثر عليه
وبدت أجهزته الأمنية عاجزة عن التوصل إلى الإرهابي المجهول، حتى اصطادت بنادق الخير وجه المجرم المؤسس، فخرَّ صريعًا، وفي باطن رأسه رصاصة نحاسية مزّقت أوهام فتنته التي اعتذرت عنها حكومة حمقاء ذات نهار صاخب سنة 2012م
عقب ذلك، أغار المجرمون على صنعاء بقنواتهم وصحفهم وكياناتهم التي بدت شيئًا غريبًا لم تألفه العاصمة من قبل
وتواطأت صحف المعارضة وصحف النظام السابق والصحافة الرسمية مع الكائن الدخيل الذي أنجبته «صعدة» ودحرجته على مهل حتى بلغ أبواب عاصمة تطهرت من مرايا الإمامة المتسخة، قبل أن تهبط بسطحها العاكس على سفوح مدينة «سام» لتكشف وجوه الجميع بلا مساحيق ولا أقنعة
كان الصوت فعلًا دعائيًا، ومع احتقان السياسة تجمّدت ديمقراطية الحركة وتصلبت شرايين نظام كان أولى به أن يقود معركة جريئة من باطنه، موازية لمعركة السلاح على حدود الوطن الشمالية
لكن ذلك لم يحدث
تحولت الدعاية إلى سُمّ، وصار الإعلام بوسائله كائنًا عدائيًا يهاجم الدولة، ويمنح التضليل مساحة الانتشار
وقد تنبّه الرئيس الأسبق لذلك، وكان وحده - تقريبًا - الصوت الذي لم يسكت وهو يعرّف بالخطر الحوثي، فيما غاب عنه إعلامه بعجز فادح عن مجاراة الصحافة الخاصة وصحف الأحزاب الصغيرة
استثمرت إيران في الحوثيين منذ الكلمة الأولى
أصاخوا آذانهم وأفئدتهم لشيطان التوسع، فبرروا كل قتل
جاء الحوثي كأخيه: مُستخدمًا لينًا طائعًا، لا يغضب إن وصفه صانعه بأنه من «شيعة الشوارع»؛ يراكم المال أولًا، ثم السلاح، وعلى أرصفة التهريب لمحرمات كل شيء
كان هو وزبانيته أثرياء الإعلام والدعاية، ومستوعب كل صاخب وساخط وناعق ومتنطع، حتى كادت صحف الدولة تخسر أمام جماهيرية الصحف المنفلتة، قبل أن تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي في اجتذاب ملايين المتحدثين عن كل شيء
لقد اختنقت اليمن بالدعاية الموجّهة، وعجزت الدولة - حتى اللحظة - عن ترتيب أوراقها الإعلامية بقدرٍ من الاحتراف والمسؤولية، كما تفعل في ملفات إصلاحية أخرى تفتقد هي نفسها لفكرة إصلاح الإعلام وتأهيل منسوبيه وعودة النقابات الفاعلة للعمل وفق قانون حديث
لهذا أردد وأتردد على أبواب المسؤولين بما بات إزعاجًا؛ فالمجرمون وحدهم من يخشون الصوت الصادق
تحرقهم الحقيقة والكلمات، تشويهم الدلائل والمصطلحات، وتنزع فرحتهم باستواء غنيمتهم ودلال نفوذهم
الكلمة قوة، والبيان سحر، والحروف ضياء، والسطور هداية، والعبارات نجاة
من استخدمها بحقها في لحظات المحن وساعات العسرة وأيام الحرب، كان له حصاد القلوب وصبر الرجال وبأس القوم
وهاكم اقرؤوا كتابيه
أتذكرون يوم اختفى صوت العمليات من جهاز اللاسلكي؟ سقطت في فراغ الصمت معسكرات
وعندما قال وزير حربٍ أخرق: «نحن على الحياد»، ووقف إلى جوار إرهابي نتن، تداعت جبهات، وتفجرت متارس
ولما أُغلق الباب على «القشيبي» قُتل في مواجهة غير متكافئة، ولم يجد حوله إلا قلة من أفراده الذين تسربوا كالماء من بين أصابع الرجولة
افتحوا أعينكم على كل معركة خسرناها؛ كان الإعلام ضعيفًا منذ البداية
ونزاع الكلمات فاق عراك الأصابع
ومن أجل هذا - وأكثر - لا يريد الحوثي خسارة معركة إعلامية واحدة، وهو الذي برع مع عناصره في نقل الصورة مع القذيفة، من أول مواجهة حتى آخر جريمة
هم الذين حوّلوا الكذب إلى شهادة امتياز، وصاروا صناع المصطلحات التي تناقلتها ألسن أعدائهم بسذاجة مستفزة
تحولت جرائمهم إلى «انتهاكات»، وصاروا «أطراف الصراع»، وأطلق عليهم الهوائيون اسم «حكومة صنعاء»، ومنحوا مجرمهم الأكبر لقب «زعيم الميليشيا»
حتى بعض المواقع الممولة من «مارب» تصف الحوثيين بأنهم «جماعة مصنفة إرهابية»، وكأن المحرر يبدي ضجره من هذا التصنيف
ليعلم الرئيس والأعضاء والوزراء والتجار والحلفاء والسادة والنواب والحمقى الذين يمشون على أربع أن الإعلام سيدُ الحروب، وسيفُ الفقار، والصارمُ البتار، ومُغيّر النفوس
تُدمنه الشعوب كالأفيون، وتعشقه العيون، وتمضي على صراطه القلوب
فإن كان صالحًا صار هدى، وإن خالطته يد شيطانية أضحى إفكًا
وقد قال عز وجل:﴿وَيلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثيمٍ﴾اللهم لا تجعلنا منهم
وإلى لقاء يتجدد