سامي الكاف : هل يرتدي الرئيس زيه العسكري بصفته قائد الجيش اليمني؟
منذ 3 ساعات
سامي الكاف أعتقد أن الأزمة اليمنية تبدو في طورها الراهن وكأنها دخلت مرحلة أكثر التواء، لا بفعل استمرار الصراع مع جماعة انقلابية خارج إطار الشرعية، بل نتيجة تصدع داخلي يتنامى في قلب الجهة نفسها المعترف بها إقليمياً ودولياً والمنوط بها استعادة الدولة، وهو تصدع في تصوري لا يُقاس فقط باختلاف التقديرات السياسية، بل بتناقض عميق في الرؤى والمشاريع، وبصراع مكتوم بين شرعية مُعلنة مترددة، وسلطة ميدانية كأمر واقع آخذة في فرض منطقها الانفصالي بقوة السلاح
ففي الوقت الذي يتواصل فيه الدعم الدولي والإقليمي لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة، بوصفهما الإطار السياسي الجامع، والحامل القانوني لمشروع استعادة الدولة والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي اليمنية، يتراجع هذا الدعم عملياً عن لعب دور ضابط الإيقاع داخل بنية الشرعية نفسها، مكتفياً بإدارة التوازنات بدل حسم التناقضات
لاحظوا معي من فضلكم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يواصل توسيع نطاق سيطرته الميدانية غير عابئ بأحد، متجاوزاً في الممارسة الفعلية إعلان نقل السلطة والمرجعيات السياسية المتوافق عليها، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة باليمن وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن الدولي 2216، بل ولم يلتفت إلى ما أسفرت عنه سيطرته على حضرموت بقوة السلاح من قتلى وجرحى
قالت رئاسة هيئة الأركان العامة بوزارة الدفاع اليمنية في بيان نعي إن اعتداءات مجاميع المجلس الانتقالي أسفرت عن ارتقاء 32 شهيداً و45 جريحاً من ضباط وأفراد المنطقة العسكرية الأولى، وأُقيمت لهم مراسيم تشييع رسمية في مدينة مأرب في الـ 20 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري بحضور رئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق ركن صغير بن عزيز، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية وأعضاء مجلس نواب ومسؤولين حكوميين ومشايخ وشخصيات اجتماعية وقيادة المنطقة العسكرية الأولى وأهالي وذوي الشهداء وجموع من المواطنين، وفق ما نقله الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع اليمنية
أما الموقع الإلكتروني للمجلس الانتقالي الجنوبي فنشر في الـ 18 من ديسمبر الجاري أن (الرئيس القائد) عيدروس الزبيدي خلال لقائه، في القصر الرئاسي بالعاصمة عدن، بقيادات جبهة مُريس وحجر شمال محافظ الضالع، أكد أن الإجراءات التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية أخيراً في محافظتي حضرموت والمهرة جاءت في سياق تأمين الجنوب المحرر
أتصور أن الأمر هنا لا يتعلق بسلوك احتجاجي أو ورقة ضغط تفاوضية، بل بمسار سياسي متكامل ناتج من فعل مسلح قاد إلى سقوط قتلى وجرحى، يسعى إلى إعادة تعريف الواقع، انطلاقاً من فرضية أن السيطرة على الأرض بقوة السلاح تسبق أي شرعية قانونية
المعضلة الأكثر حساسية في اعتقادي تكمن في أن هذا المسار لا يُدار من خارج منظومة الشرعية، بل من داخلها، فالمجلس الانتقالي الجنوبي شريك رسمي في مجلس القيادة الرئاسي، ويمتلك تمثيلاً وزارياً في الحكومة، ما يفترض، من حيث المبدأ، التزاماً بمهمة استعادة الدولة ممن انقلب عليها بقوة السلاح في الـ 21 من سبتمبر (أيلول) 2014، لا تقويض بنيتها من الداخل على طريق تدميرها نهائياً
هذا التناقض بين الدور والموقع يطرح، كما أرى، إشكالية سياسية مركبة: كيف يمكن لكيان أن يجمع بين كونه جزءاً من السلطة المعترف بها، وفي الوقت ذاته مشروعاً سياسياً يعمل على نفيها؟ في الحالة اليمنية، لا يبدو هذا السؤال نظرياً، بل واقعاً عملياً صادماً يضع مفهوم الدولة ذاته أمام اختبار قاس ومصيري بلا أدنى شك
تتجلى هذه الازدواجية بوضوح في التراتبية التي يعرّف بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي موقعه السياسي:الرئيس القائدرئيس المجلس الانتقالي الجنوبيالقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبيةنائب رئيس مجلس القيادة الرئاسيهذا الترتيب ليس تفصيلاً عادياً أو شكلياً، بل يعكس أولوية مشروع على آخر، وولاءً سياسياً يتقدم فيه المحلي على الوطني؛ بل وينسفه تماماً
ومنذ سيطرته على حضرموت والمهرة بقوة السلاح، أخذ سلوك المجلس الانتقالي الجنوبي منحى أكثر صراحة وعلنية، فانعقاد اجتماعاته في القصر الرئاسي بالعاصمة الموقتة عدن، من دون علم الجمهورية اليمنية أو صورة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي كما كان يفعل من قبل، ومن ثم قيام محافظين ووزراء ونواب وزراء ووكلاء، في يومين متتاليين 21 و 22 من ديسمبر الجاري، بإعلان تأييدهم لكل الإجراءات التي قام بها الانتقالي، لم يعد مجرد إشارة رمزية، بل إعلاناً سياسياً مكتمل الدلالة، يوجَّه إلى الداخل اليمني وإلى الفاعلين الإقليميين والدوليين على حد سواء
مفاد هذه الرسالة أن المرجعيات المتفق عليها لم تعد مُلزمة في نظر من يملك القوة الميدانية، وأن الواقع الجديد المفروض بقوة السلاح يُراد له أن يُقرأ باعتباره نقطة انطلاق لا نتيجة تفاوض، أو بعبارة أخرى موجزة يقول المجلس الانتقالي الجنوبي: أنا هنا، أين أنتم؟وعليه، يصبح السؤال الحتمي الذي لا مفر منه: ما الذي ستفعله الحكومة الصامتة حيال ما يحدث، بعد أن وجهها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي مساء الأحد 21 ديسمبر الجاري، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض أي سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية، والعمل بكل الوسائل على حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة مؤسساتها، وضمان عدم الإضرار بمصالح المواطنين؟ولسائل أن يسأل: ما الذي يمنع المسؤولين في الشرعية المعترف بها إقليمياً ودولياً من القيام بما عليهم القيام به باتجاه الدولة التي يمثلونها؟ ألا يعنيهم في شيء هذا الذي يقوم به المجلس الانتقالي الجنوبي المفروض بقوة السلاح والناسف لإعلان نقل السلطة ولدستور الجمهورية اليمنية؟ ما الذي يشلّ هذه المؤسسات عن أداء واجبها الدستوري؟ أين ذهب إعلان نقل السلطة الذي بموجبه يمارس رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ورئيس وأعضاء الحكومة مهامهم منذ السابع من أبريل (نيسان) 2022؟وعليه، أرى أن الصراع انتقل من كونه خلافاً سياسياً إلى صراع وجودي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على تعريف الشرعية نفسها، وعلى من يمتلك حق تمثيل الدولة
في الواقع هذا المسار المحتقن يحمل في طياته تداعيات بالغة الخطورة، فإما أن يقود إلى انفجار مواجهات مسلحة داخل معسكر الجهة المعترف بها إقليمياً ودولياً من شأنها أن تصب في مصلحة الحوثيين، أو إلى تكريس واقع سياسي يدفع هذه الجهة إلى البحث عن عاصمة موقتة بديلة، في اعتراف غير مباشر بفقدان عدن باعتبارها مركزاً جامعاً للسلطة قبل كونها عاصمة موقتة للجمهورية اليمنية
وفي الحالتين، تتآكل فكرة الدولة لمصلحة وقائع الأمر الواقع المفروض بقوة السلاح وبالتالي استحالة استعادة الدولة من الحوثيين الذين انقلبوا عليها بقوة السلاح
ويتساءل كثر، خصوصاً داخل الشرعية المعترف بها، ما إذا كان الوقت حان ليرتدي رئيس مجلس القيادة الرئاسي زيه العسكري بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية لمواجهة ما حدث والتصدي له وفق إعلان نقل السلطة ودستور الجمهورية اليمنية، أم ما زال إلى الآن يراهن على حل هذه التصدعات واحتوائها من دون اللجوء إلى السلاح؟في هذا السياق، أعتقد أن تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يكتسب أهمية خاصة، إذ إن وصفه للإجراءات الأحادية، التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي، بأنها تعمق الانقسامات وتصلب المواقف، لا يندرج في إطار التحذير الدبلوماسي التقليدي، بل يعكس في تصوري إدراكاً أممياً لخطر تفكك المسار السياسي برمته
الأهم أن غوتيريش يربط بين الداخل اليمني وتداعياته الإقليمية، محذراً من أن استئناف الأعمال العدائية قد ينعكس مباشرة على أمن البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي، وهو ربط، كما أرى، يعيد الأزمة اليمنية إلى موقعها بوصفها قضية تتجاوز حدود الجغرافيا الوطنية
لكن جوهر الموقف الأممي، كما هو موضح أعلاه، لا يتوقف عند حدود التحذير، بل يؤكد الحاجة إلى تسوية سياسية مستدامة، يتم التوصل إليها عبر التفاوض، وتلبي تطلعات جميع اليمنيين، وهي صيغة، على بساطتها الظاهرية، أتصور أنها تحمل مضموناً سياسياً عميقاً: لا سلام قابلاً للحياة من دون شمول، ولا استقرار دائماً من دون عقد وطني جامع
هذا الموقف، حتى وإن أتى متأخراً، يتقاطع بشكل كامل مع الحاجة إلى التعامل مع تعقيدات الواقع اليمني بأعلى درجات ضبط النفس، وبقدر وافر من الحكمة السياسية مثلما أشرتُ إلى ذلك في مقالي في اندبندنت عربية بعنوان: المهمة الملحة في اليمن
فالتعقيد، في هذه الحالة، لا يبرر المغامرة، بل يستدعي تبريداً محسوباً للصراع، وإعادة تصحيحه ومن ثم توجيهه، بشكل واضح ومباشر، نحو المسار الوطني الجامع
في نهاية المطاف أعتقد أن الحكمة المطلوبة هنا ليست حياداً سلبياً، بل شجاعة سياسية تعترف بالاختلاف من دون تحويله إلى أداة تفكيك، وتستوعب التعدد من دون السماح له بالتحول إلى مشروع صدام دائم
حكمة تؤسس لمشروع وطني لا يستثني أحداً، ولا يعيد إنتاج أخطاء الماضي
في المحصلة، يمكنني المجادلة بأن اليمن يقف اليوم أمام مفترق يحتاج إلى حسم وحزم أكثر من أي وقت مضى: إما أن يُدار هذا الصراع بعقل الدولة لا الميليشيات، وبمنطق الشراكة لا الإقصاء، أو أن يُترك لميزان القوة وحده، بما يحمله ذلك من أخطار جسيمة على وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي وسلامة أراضيها ومستقبلها
والفرق بين الخيارين لا تحدده موازين السلاح، بل قدرة الفاعلين على إدراك أن الدول لا تُبنى بالوقائع المفروضة بقوة السلاح، بل بالتوافقات الصلبة التي تستوعب الجميع
عن اندبندنت عربية