سعيد ثابت سعيد : السياسة والحزبية: حدود التلاقي.. ونقاط الافتراق

منذ 3 ساعات

سعيد ثابت سعيد • نخلط أحيانا بين مفهومي السياسة والحزبية، رغم الفارق الجوهري بينهما من حيث الفكرة والوظيفة وطريقة العمل

ويؤدي هذا الخلط إلى اختزال السياسة في الانتماء الحزبي، أو إلى اعتبار الحزبية التعبير الوحيد عن الفعل السياسي

وتتجلى هذه المفارقة في عبارة يتداولها كثيرون تقول: من الممكن أن تكون سياسيا دون أن تكون حزبيا، ومن الممكن أن تكون حزبيا دون أن تكون سياسيا، وهي عبارة تكتسب أهميتها من قدرتها على توضيح الحدود بين الانخراط في الشأن العام والانتماء التنظيمي، وتمهد لفهم أوسع للفعل السياسي خارج الإطار الحزبي التقليدي

• يمثل الاهتمام بالشأن العام جوهر السياسة في معناها الأصيل، وهو لا يقتصر على من يشغل منصبا رسميا أو يتبع تنظيما حزبيا

فكل من يتابع قضايا المجتمع، ويحلل مشكلاته، ويسعى لفهم أبعاد القرار العام أو التأثير فيه، يمارس فعلا سياسيا بالمعنى الواسع

ولذلك، يستطيع المفكر أو الصحفي أو الناشط أو المواطن العادي أن يكون فاعلا سياسيا دون أن ينتمي إلى حزب أو يلتزم بإطار تنظيمي

• في المقابل، لا يؤدي الانتماء الحزبي بالضرورة إلى تشكل وعي سياسي حقيقي

فقد ينخرط البعض في أحزاب لأسباب لا علاقة لها بالفكر أو الشأن العام، كالحاجة إلى الانتماء، أو المصلحة الشخصية، أو العادة الاجتماعية، أو الولاء العائلي

وقد يؤدي ذلك إلى نشوء نماذج حزبية لا تمتلك تصورا واضحا للواقع، ولا تملك أدوات التحليل أو الفهم، بل تتحرك وفق الانضباط الأعمى أو التبعية لقيادة لا تقبل النقد أو المساءلة

• تعكس هذه الثنائية واقعا حاضرا في كثير من المجتمعات، حيث تتضخم الحزبية على حساب السياسة، ويتراجع الفعل العام لحساب الولاءات التنظيمية

في البيئات التي تعاني من ضعف التسييس الثقافي، تتسع الهوة بين الانتماء الحزبي والموقف السياسي، ويزداد عدد الحزبيين الذين لا يفكرون، والسياسيين الذين لا ينتمون

وتتحول الأحزاب أحيانا إلى كيانات مغلقة تفتقر إلى الروح السياسية الحقيقية، وتعجز عن أداء أدوارها التنويرية والتمثيلية

• تحمل ثنائية السياسي ليس بالضرورة حزبيا، والحزبي ليس بالضرورة سياسيا بعدا تحفيزيا يشجع على توسيع مجال الفعل السياسي خارج الأطر التنظيمية التقليدية

وتمنح المشتغلين في الشأن العام فرصة التحرك من موقع مدني مستقل، وتفتح في الوقت نفسه مجالا لمراجعة الأدوار الحزبية وتجديد فهمها لرسالتها

وتعيد الحزبية إلى معناها الأصلي بوصفها وسيلة للفعل العام لا غاية بحد ذاتها، وترسخ التمييز بين الوعي المسؤول والانتماء الذي لا يصحبه حضور سياسي فعال

• إن الفصل بين السياسة والحزبية لا يعني بالضرورة القطيعة، لكنه يرسخ (التمييز) بين وعي مسؤول بالشأن العام، وبين انتماء شكلي قد يخلو من الرؤية والمضمون

وعندما ينطلق الفعل السياسي من التزام تجاه المجتمع، وتعبر الحزبية عن هذا الالتزام بوصفها وسيلة لا غاية، يلتقي المفهومان في نقطة واحدة: خدمة المصلحة العامة بعقل نقدي وروح مسؤولة