سعيد ثابت سعيد : اليمني وسيل العرم الجديد!
منذ 9 ساعات
وصف أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري، حال اليمنيين تحت سلطة الكهنوت قبل أكثر من ثمانية عقود بقوله:ماذا دهى قحطانَ، في لحظاتهم بؤسٌ، وفي كلماتِهم آلامُ؟جهلٌ
وأمـراضٌ
وظلـمٌ فـادحٌ ومخـافـةٌ
ومجـاعـةٌ
وإمــامُوالناسُ بين مُكبلٍ في رجله قيـدٌ، وفي فمـهِ البليغ لجـامُأو خـائفٌ لم يدرِ مـا ينتـابُـه منهم: أسجنُ الدهر أم إعـدامُ؟تجسد هذه الأبيات الشعرية مأساة الإنسان اليمني تحت سلطة الاستبداد السلالي، وهي مأساة تتكرر اليوم بثياب جديدة: قيد وجوع وخوف وتمزق
في ظل سلطة ترفض الدولة وتختطف المجتمع وتبدد الذات
• فقد اليمني دولته منذ لحظة الانقلاب الحوثي، ووجد نفسه في مواجهة انهيار شامل ضرب كل ما منحه الأمان والاستقرار فلم يعد يملك مرجعية تحميه ولا مؤسسات تضمن حقوقه ولا هوية جامعة تطمئنه
اختفت الدولة وتشرذم المجتمع واهتزت الذات تحت وطأة الخوف والتشظي؛ فانهارت المعايير التي كان اليمني يستند إليها في شعوره بالانتماء واحدة تلو الأخرى، حتى فقد القدرة على معرفة نفسه وما يريد، وأين يقف ومع من يقف
وفي ظل هذا الضياع تفككت الروابط من حوله وتضاربت الولاءات وغاب الإطار الذي جمع الناس على كلمة واحدة وحافظ على الحد الأدنى من وحدتهم وتماسكهم
• لم تعد (السيولة) توصيفا نظريا في كتب علم الاجتماع السياسي؛ لقد أصبحت واقعا يعيشه اليمني في تفاصيل حياته وعلاقاته وخياراته
يرى التحالفات وهي تتبدل والعلاقات تتآكل، والثقة بين الأفراد تتلاشى
لا معنى ثابت ولا ولاء مستقر ولا علاقة تدوم فهو يتحرك على أرض مضطربة، لا تمنحه ثباتا ولا تتيح له قرارا
• غزا الخوف تفاصيل حياته وتجاوز الجبهات والرصاص
ليسكن البيوت، ويقتحم الأسواق ويتمدد في النفوس
لقد صار الخوف شعورا مقيما يلاحقه في كل زاوية، ويقيد تفكيره وتصرفه؛ فمن لم يخف الموت، خاف الجوع
ومن لم يرهبه الظلم، أنهكه التمزق
ومن لم يهزمه المجتمع، أنهكته العزلة التي تحاصره من كل اتجاه
• في وسط هذا الخوف؛ تمزق النسيج الاجتماعي فلم تعد الأسرة واحدة، ولا الحي متماسكا، ولا المدينة كما عرفها أهلها، تشظّت الانتماءات حتى داخل البيت الواحد؛ فصار الأخ في مواجهة شقيقه والابن في خصومة مع والده والعائلة تتبعثر بين من بقي ومن هاجر، ومن غاب أثره في متاهات التمزق!• الجماعات التي نشأت داخل هذا الفراغ لم تحمل مشروعا وطنيا، واختزلت وجودها في توفير حماية ضيقة من الآخر
لقد تأسست على التوجس بدلا من الشراكة، وقامت على الرفض لا على التعدد؛ إذ تحول الانتماء إلى القبيلة أو الحزب أو المذهب أو المنطقة من رابطة محبة وبناء إلى وسيلة دفاع وحصانة
وصارت الهوية قيدا يحاصر المرء بدلا من أن تكون مظلة أمان وتعارف
• أمام هذا المشهد، لا يكفي التوصيف ولا تجدي الخطب، ولن ينقذ اليمني نفسه من هذا الانهيار والخوف والتمزق ما لم يتحرك بإرادته ويبدأ من ذاته
والخطوة الأولى هي بناء تحالف وطني واسع يتفق على هدف واضح، وهو الهدف الذي يتمثل في إسقاط الانقلاب الحوثي وتجفيف روافده الفكرية ومصادره التنظيمية ومتابعه المالية
وهي المهمة التي تبدأ بمواجهة كل رواية عنصرية تتغذى على ذلك الوهم الذي يسمى تفوقا سُلاليا، وتستند إلى نصوص منتحلة لا علاقة لها بروح الإسلام ومقاصده
• المطلوب اليوم وبإلحاح شديد وبصورة عاجلة هو (توافق) كل القوى الوطنية على إنجاز (برنامج عمل) وطني يستند إلى القيم الإنسانية التي تحمي الإنسان ولا تفرقه
برنامج يعيد تعريف الدولة باعتبارها حامية للحقوق، ويفرض تنظيم السلاح وحصره في يدها ويمنع قيام أي تنظيم مسلح خارج سلطتها
لا بد من إعادة الاعتبار للمواطنة وإغلاق أبواب الفوضى وفتح أفق جديد للعيش المشترك
• يحتاج اليمن إلى (دولة) تستعيد ثقة الناس، و(مجتمع) يلملم ما تمزق، و(إنسان) يطمئن أنه ليس ضحية إلى الأبد، وما لم تتقدم القوى الوطنية بمشروع يجمع هذه الضرورات سيظل الإنسان اليمني معلقا بين خوف دائم
وتمزق مستمر
وشعور قاس بأنه لا ينتمي لأي مكان
*المقال نقلاً عن صفحة الكاتب على فيسبوك