سعيد ثابت سعيد : جناية الاصطفاء ورواية التفوق: العرق والطبقة والسُلالة
منذ 5 ساعات
سعيد ثابت سعيد *تمارس الأنظمة الشمولية سلطتها من خلال فكرة واحدة تفرضها باعتبارها الحقيقة النهائية
هذه الفكرة لا يسمح أصحاب السلطة الشمولية بمناقشتها، ولا يجيزون تجزئتها، ولا يقدمون لها تفسيرا خارج تأويلهم
ومن يتجرأ على التشكيك بها يقصى ويهمش، ومن يعارضها يجرّم ويعاقب
* في ألمانيا النازية، بنت السلطة مشروعها على عقيدة عرقية تضع العرق الآري في موقع التفوق البيولوجي، وتعتبر الأعراق الأخرى خطراً يهدد نقاء الأمة
وقد اعتمدت على خطاب علمي زائف يروّج لفكرة نقاء الدم، وحددت هدفها في تأسيس ألفية الرايخ تحت قيادة العرق المتفوق (وهو اسم أطلقه النازيون على حلمهم بإمبراطورية تدوم ألف عام)
واستندت إلى مبدأ الزعيم المطلق، وصورت هتلر باعتباره تجسيدا لإرادة الشعب الألماني
واستخدمت قوة الدولة لتنفيذ تطهير شامل ضد كل من خالف الفكرة أو عارضها أو شكك بها
* في الاتحاد السوفيتي، أقام الحزب الشيوعي سلطته على فكرة ديكتاتورية الطبقة العاملة
وقدم قادته الماركسية- اللينينية كحتمية تاريخية تمنحهم حق قيادة الدولة والمجتمع، ثم استخدم ستالين زعيم الحزب هذا المفهوم لتصفية خصومه تحت ذريعة حماية الثورة
فأطلق حملات اعتقال وترحيل وقمع جماعي طالت شعوباً كاملة، وأعاد توجيه أيديولوجيا الثورة الشيوعية لخدمة النفوذ الروسي
وخصص الحزب مؤسسات الدولة لنشر أفكاره وخطاباته، وتكريس صورته باعتباره القائد الذي لا يُخالف، و الزعيم الذي لا يُحاسب
* في السياق ذاته، أسس تيودور هيرتزل الصهيونية السياسية ليصبح مشروعها السياسي قائما على فكرة أن اليهود يشكلون شعبا مختارا له حق حصري في فلسطين، وتستند الفكرة إلى روايتين: الأولى دينية عن الاصطفاء والاختيار، والثانية تاريخية قومية عن الشتات والاضطهاد
وتمنح الدولة العبرية كافة الامتيازات لليهودي وحده، من خلال قانون قومي يجعل الانتماء اليهودي شرطا للمواطنة الكاملة، ويحول النظام إلى ديمقراطية إثنية تقصي السكان الأصليين من القرار والانتماء
* وعلى المنوال نفسه، تبني جماعة الحوثي سلطتها في اليمن على أساس النسب، وتروّج لفكرة الاصطفاء الإلهي لذرية النبي عليه الصلاة والسلام
وتحصر الحق في الحكم داخل سلالة محددة دون سواها من الأمة، وتعتمد على تفسير خاص للمذهب الهادوي الزيدي يجعل الولاية شرطا للإيمان
وتقصي كل من يرفض الخضوع لزعيم الجماعة الذي يزعم امتلاك حق ديني في الحكم
* رغم اختلاف كل هذه السياقات، تتقاطع النماذج الشمولية الأربع في بنية واحدة للهيمنة، وتشترك جميعها في خمسة عناصر رئيسية:1
ترتكز على فكرة مطلقة لا تسمح بالتعدد
2
تقدم قائدا مقدسا يتماهى مع العقيدة أو الأيدلوجية
3
تكرس كل سلطة شمولية وجود عدو داخلي دائم تخترعه وتضخمه
4
تخضع المؤسسات لمنطق التعبئة والسيطرة
5
تحول الخلاف السياسي إلى تهديد وجودي
* تستند النازية إلى شوفينية عرقية، وتقوم الستالينية على شوفينية طبقية تحولت إلى قومية، وتعتمد الصهيونية على شوفينية دينية- قومية، فيما تتبنى الحوثية شوفينية سُلالية تربط الحكم بنسب ديني
ورغم اختلاف الجذور، ينتهي كل نموذج إلى نظام مغلق يحتكر السلطة ويقصي من لا ينتمي إلى الجماعة المختارة
* تمارس هذه الأنظمة التمييز باستخدام أدوات فكرية ودعائية وأمنية مدروسة، وتعيد تشكيل الوعي لخدمة مشروع واحد وتفرض مشروعها بقوة الفكرة التي تدعي احتكارها قبل استخدام السلاح، وحين ترفع هذه السلطة عقيدة فوق المجتمع فإنها تجرد الأفراد من حقهم في الاختلاف حماية لروايتها وأيدلوجيتها التي تختزل الوطن في نخبة او شخص تدعي الامتياز باسم العرق أو الطبقة أو النسب
* لا يمكن هزيمة الجماعات الشمولية بمجرد القوة إذا لم يواجهها الناس من داخل المجتمع نفسه
تبدأ المواجهة الحقيقية عندما يرفض الناس فكرة أن جماعة بعينها تملك حقا خاصا في الحكم، وحين يدركون زيف الشعارات التي تستخدم لتبرير الإقصاء والظلم وتكريس الهيمنة
* يحتاج المجتمع إلى رفض أي أيديولوجية أو فكرة أو عقيدة تروّج لحق حصري في الحكم لجماعة أو طبقة بعينها، واستعادة الحكم باعتباره حقا مشتركا لجميع المواطنين، لا إرثا مذهبيا أو طبقيا أو سلاليا محجوزا لفئة دون سواها
* وعندما يدرك الناس أن السلطة ليست حقا موروثا، وتفقد الجماعات احتكارها للحكم تستعيد الدولة وظيفتها في خدمة الجميع، وتسقط الذرائع المذهبية والطبقية والسلالية التي تبرر احتكار السلطة وتنفي المساواة بين المواطنين
نقلاً عن: (المصدر أونلاين)