سلمان الحميدي : "بايقع لكم تصفية بالبطاقة الشخصية"

منذ 2 ساعات

سلمان الحميدي سمعت هذا التعليق من أكاديمي قبل فترة، وسخرت منه

على فكرة، هو محسوب على الإصلاح ربما

وأنا أقرأ عن تجارب العدالة الانتقالية، لأعد مادة لصالح منظمة سام، عرّجت على مجزرة رواندا في التسعينيات

أسفرت المواجهات عن مقتل ما بين ثمانمائة ألف ـ ومليون، رواندي، أغلبهم من قبيلة التوتسي

لم يكن سبب الإبادة مناطقي ولا سياسي، كان اجتماعي معمد بالأوراق الرسمية/البطائق الشخصية

في البدء كان الروانديون عائلة واحدة، مع تكاثر الناس انقسموا إلى عدة أصناف، أكبر طائفة هي الهوتو وهم المزراعين، ثم التوتسي وهم الذين يملكون الأبقار ويربون الحيوانات

تلقائياً كان من يربي بقرة أو ذود غنم يعتبرونه توتسي، ومن يحمل شريمه ومحفره فهو من الهوتو

كان الحكم عند التوتسيين، بدأت النعرات العرقية تنمو بين الجماعتين شيئاً فشيئاً

لما جاء الاستعمار الأوروبي إلى إفريقيا، بدأ الألمان يؤكدون للتوتسي أنهم أفضل من الهوتو، خدعوهم بدراسات وهمية متعلقة بطول النخرة وحجم الرأس

استأثر التوتسيون بالوظائف وفرص الحياة، وبدؤوا يضطهدون الهوتو بالفعل

غادرت ألمانيا من رواندا وسلمتها للاستعمار البلجيكي

بلجيكا أكدت الأفضلية للتوتسيين، وأكدت هذا التصنيف ببطائق رسمية

بعد مواجهات ومعارك، وشد وجذب، وحشد وتعبئة، غادر الاستعمار وبقيت أدواته

كان الهوتو قد أسقطوا التوتسيين من الحكم وبعض التوتسيين اللي فروا عسكروا بأوغندا وكانوا يشنوا هجمات متقطعة

في إبريل 1994، سقطت طائرة الرئيس بصاروخين، وقُتل على الفور

الرئيس كان من الهوتو، وبيدهم كل شيء

حينها مارس الإعلام دوراً تحريضياً مازال يدرس حتى اليوم: نشرت الصحف، وبثت الإذاعات ما يشبه وثيقة الاصطفاء الطبقي للهوتو، واسمها الوصايا العشر اعتبروها بمثابة مرجع رئيسي للناس، وفيها: لا تتزوج من التوتسي، ولا تعاشر التوتسي، ولا تتاجر مع التوتسي ولا تثق بالتوتسي

في كتاب «الإعلام وجرائم الإبادة الجماعية» تأليف الصحفي «آلان تومسون»، الذي كان يعمل مراسلاً لصحيفة كندية في رواندا أثناء الحرب، أفاد دالير، وهو ضابط كندي كان قائدًا لقوات حفظ السلام الدولية هناك حينها، بأنه طلب أجهزة إلكترونية للتشويش على الإذاعات ومحطات التلفزيون التي تحرض على القتل وتؤدي دورا خطيرا في تأجيج الصراع، تواضعوا وردوا عليه أخيراً، وكان الرد: «لا نستطيع التدخل في أمور داخلية للدول لأننا نحترم سيادة واستقلال الدول»

كان أبناء الهوتو يمشون وهم يحملون الأسلحة بيد بما في ذلك المناجل، وأجهزة الراديو بالأخرى

ساعدت البطائق الشخصية بارتكاب الإبادة الجماعية والاغتصاب

أطيب المجرمين الذين اشتركوا في الجريمة كان يمسك الرواندي وينظر في بطاقته، إن كان من التوتسي يخيره: الموت بالرصاص وإلا بالشريم (المناجل اللي تستخدم لتقطيع الزرع) وإذا اختار الرصاص عليه أن يدفع المال كي يموت بطريقة سهلة

توحش الناس فجأة نتيجة هذا التصنيف العرقي والشحن الخطير

حتى الجار انقلب على جاره

قُتل مليون إنسان نتيجة التعبئة على الألقاب

أشعر بالرعب من كمية الشحن المناطقي أو السياسي منذ جريمة القتل المروعة بحق الأستاذة افتهان المشهري، إلى درجة أني قررت عدم حمل بطاقتي الشخصية من يوم غد، احتياطاً من بعض الأصدقاء المتشنجين، خوفاً أن يفتشوني عند أقرب فرصة ويجدون شرعب السلام في خانة محل الميلاد

الأمر نفسه ينطبق على التحريض السياسي، إذ يمكن أن يكون خطاب البعض، المليء بالكراهية والحقد، بذرةً لإبادة جماعية، وهي في كل الأحوال تكشف عن توحش مرعب بداخلك، قيدته القدرات فارتديت القناع الإنساني أو

مؤقتاً

أنت لا تنصف ضحية، حين تدفع الناس للدفاع عن أنفسهم من المخاطر التي يكشفها خطابك الحقود

إن كنت لا تبيت نية الإبادة لطرف ما، فلماذا تنظر إلى منطقة كاملة على أنها القاتل، أو تطلق حكمك المسبق على حزب بداخله مئات الآلاف من الأعضاء، كلهم يدينون الجريمة

كي تبدو صادقاً في قضية مثل قضية الشهيدة افتهان المشهري، عليك أن تطالب بضبط القتلة المباشرين، وتتبع خيوط الجريمة، والمطالبة بمحاسبة المخططين أياً كانوا، والمقصرين أيضاً

أن تصرخ مشيراً نحو شخص أو جهة، من اللحظة الأولى، يظهر وكأنك بمهمة توفير غطاء مواطئة مع الجاني، والمساهمة في تشتيت العدالة

لنطالب بالقبض على القتلة، واجراء التحقيقات والكشف عنها، ومحاسبة المخططين والمقصرين

إن كنا صادقين بمشاعرنا الإنسانية، لندفن الأهواء والأحقاد والأحكام المسبقة، ونفتش عن حياة الضحايا وسنعرف كل شيء

هل أنت مهتم بهذا المنشور؟