سلمان الحميدي : تضليل الخصم في المعركة

منذ 6 ساعات

سلمان الحميدي  الهجمة الخاطفة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، تكشف عن الدور المهم للإعلام في العمليات القتالية والمواجهات العسكرية

إذا لم تكن قادراً على استخدام الإعلام لتضليل الخصم والتحكم بنفسياته وسلوكه، فستعاني كثيراً في الصراع

تملك أمريكا قوة لا تدانيها قوة: أحدث التكنولوجية القادرة على جمع المعلومات، أذكى البرامج الاصطناعية المستخدمة في تحليل البيانات وتحديد المواقع ـ «تذكر أن الانترنت هذا الذي يستخدمه العالم نشأ في الأساس لتحقيق أغراض استخباراتية عسكرية لأمريكا»ـ  تملك أمريكا أيضاً طائرات الشبح ذات السرعة الفائقة والقدرة الماكرة على التخفي، ولديها أقوى القذائف الخارقة للتحصينات والتي تصل إلى أهداف بعمق يتجاوز 60 متراً تحت الأرض

لم تكتفِ أمريكا بامتلاك العُدة القتالية الخارقة، ولم تجعلها هذه القوة الحديثة والمتطورة تغتر بنفسها وتشن هجمتها بسرعة، ما فعلت ذلك إلا بعدما وظفت في خطتها أسلوباً قتالياً تحدث عن الصينيون قبل ثلاثة آلاف سنة: التضليل

في كتاب فن الحرب، أفرد المفكر الصيني سن تزو قبل ثلاثة آلاف سنة، قسماً خاصاً للهجوم بالخداع، حيث ركز تزو على أساليب الخداع التي ينبغي على قادة المعارك استخدامها لتضليل الخصم قبل أن تفاجئه بهجمة مباغتة:«عندما نكون قادرين على الهجوم، يجب أن نبدو بموقف العاجز،عند استخدام قواتنا، يجب أن نظهر غير نشطين؛عندما نقترب، يجب أن نجعل العدو يعتقد أننا بعيدونعندما نكون بعيدًا، يجب أن نجعله يعتقد أننا قريبون»

ويقول: «يأتي الهجوم في رقة كاملة وسرية تامة، فتعلم منها أن تختفي عن العيون، وألا يصدر عنك أي ضوضاء، بذلك تتحكم في مصير العدو بين يديك»

يحتاج القائد العسكري إلى استراتيجية للتحكم بسلوك الخصم وحصد نتائج المعركة، وهذا يتطلب القدرة على المراوغة والتضليل لخديعة الخصم، لا إعطائه دروساً أخلاقية في التكتيك القتالي يقوم على الصدق والتحدي صدراً بصدر

فكيف خدع ترمب الإيرانيين؟بالأمس قال علي لاريحاني مستشار المرشد الإيراني خامنئي: «ترمب مارس الخداع عندما قال إن إسرائيل قد تهاجم إيران لكن ليس قريباً

أمريكا استخدمت التفاوض خدعة وكان هناك تنسيق بينها وبين إسرائيل لمهاجمتنا»

استخدم الضباط الامريكيون، احتراف ترمب في الكذب، لتضليل الإيرانيين

لم يكن ترمب وحده في الحملة التضليلية المحكمة التي يديرها البنتاغون، ولكن الرئيس الأمريكي كان رأس الحربة في العملية

فعلى مدى أسابيع وهم يضخون التسريبات لوسائل الإعلام والتي ركزت على الآتي:ـ أولاً: تضليل الرأي العام والإيرانيين بوجود خلاف حاد بين ترمب ونتنياهو

الصحف العبرية عززت الموضوع بتسريبات من مقربين نتنياهو يشيرون إلى إحباط النتن من تعامل ترمب معه

ـ ثانياً: كان الأمريكيون يتفاوضون مع الإيرانيين، وتؤكد تصريحات الأمريكيين أنهم متفائلون بتقدم المفاوضات، واستخدام وسائل الإعلام لإظهار ذلك التفاؤل، وهذا ما جعل الإيرانيون يظنون أنهم مفاوضون أذكياء وبعيدين عن تلقي أي ضربة

ـ ثالثاً: مع اقتراب الضربة، أظهر الأمريكيون أن الخلاف بين ترمب ونتنياهو وصل إلى القمة، بسبب معارضة ترمب لتوجيه ضربة إسرائيلية لإيران

ـ رابعاً: حتى مع قصف طيران الاحتلال لإيران، ظهر الموقف الأمريكي في الإعلام على أنه غير راض عن الضربة، ما جعل إيران تظن أنها بمنأى عن أي قصف أمريكي، وعزز ذلك مراوغة الوغد ترمب بتصريحاته: قد ندخل وقد لا ندخل

ومهد للضربة الأمريكية بخدعة قبل يوم من القصف إذ قال بأنه يمهل إيران وإسرائيل أسبوعين لإنهاء الحرب، وهكذا ظلت وسائل الإعلام العالمية تدور حول الخبر وتفرد مساحات من تغطيتها لتحليله، في تلك الأثناء كانت الخديعة العسكرية تعمل، حيث تحركت مجموعة من قاذفات بي-2 من قاعدتها في ميزوري واتجهت نحو جزيرة غوام في المحيط الهادي

لتشتيت انتباه الإيرانيين، ذلك أن المجموعة الحقيقية التي ستقصف إيران قد حلقت باتجاه مغاير دون أن يكتشفها أحد

بحسب وزير الدفاع الأمريكي فقد استغرق التحضير للعملية عدة أشهر لضمان الجاهزية وتحقيق المفاجأة، في حال أمر ترامب بالضربات، وأتت العملية الأمريكية المسماة مطرقة منتصف الليل والتي كانت سرية للغاية، ولم يعلم بها الكثير من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة إلا بعد أول منشور للرئيس ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي وفقاً لتصريح الجنرال الأمريكي، دان كين رئيس هيئة الأركان المشتركة

الاستخدام العسكري لوسائل الإعلام، بما في ذلك مواقع التواصل، سيجعل العسكريين حول العالم يعيدون دراسة الدور الاستراتيجي للإعلام في الجانب العسكري، ترمب وفريقه طوروا آلية متخيلة لخوض المعارك: لا تحارب إذا لم تعرف تستخدم الإعلام لصالح معركتك، ليس في الجانب المعنوي فحسب، بل وفي استخدام الأضاليل الماكرة لخديعة العدو

اعرف كيف تستخدم وسائل الإعلام التابعة لك، اظهر أنت أو أحد أعضاء فريقك للإدلاء بمعلومات غير واضحة تجعلك بعيداً عن المعركة، وسائل الإعلام الأخرى المؤثرة التي لا تتبعك، اغرقها بالتسريبات من مصادر أنت تتحكم بها، بعد ذلك سينتشر الخبر في الإعلام الدولي نقلاً عن الوسيلة المؤثرة نيويورك تايمز مثلاً، أو إكسيوس، ويتحقق الأثر المطلوب

قاعدة الخداع مرتبطة أيضاً بمعرفة تفاصيل العدو، كلما زادت التفاصيل التي تعرفها عن الخصم، عرفت كيف تتحكم بسلوكه من خلال توظيف أدق التفاصيل، وكما يقول سن تزو: «إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك، فلن تخشى نتيجة مائة معركة

وإذا كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك، فسوف تعاني من الهزيمة مع كل انتصار تحققه

وإذا كنت لا تعرف عدوك ولا تعرف نفسك، فسوف تستسلم في كل معركة»

هذه التفاصيل ستجعلك تتلاعب بالخصم ومعرفة ما سيقوم به رداً على نشاط تقوم به أنت

قبل أن يوجه الكيان الصهيوني ضربته الأولى لإيران كان قادة الاحتلال مطلعين على بروتوكولات اجتماعات القادة العسكريين الإيرانيين، وأين، ومتى يجتمعون، وكيف

بحسب ضباط الاحتلال فقد عمل الاسرائيليون على خديعة قادة القوات الجوية الإيرانية وتحكموا بسلوكهم ليجتمعوا في موقع واحد، ثم وقعت الضربة، ونقلت شبكة فوكس نيوز عن مصدر أمني قوله: قمنا بأنشطة محددة ساعدتنا على التعرف عليهم بشكل أفضل، ثم استخدمنا هذه المعلومات للتأثير على سلوكهم، لافتًا إلى أن كنا نعلم أن ذلك سيدفعهم إلى الالتقاء، والأهم من ذلك، أننا عرفنا كيف نبقيهم هناك

استخدم جيش الاحتلال وسائل الإعلام، التكنولوجيا العسكرية، وعلم النفس لصالح المعركة

الاختراق الكبير للجواسيس، الطائرات المسيرة للاحتلال انطلقت من داخل إيران، التفاصيل الدقيقة لحركة القادة العسكريين والعلماء النوويين، هجمات سيبرانية لا تتوقف، تأثيرات نفسية مستمرة رغم الهشاشة النفسية للكيان نفسه

للتأكيد على أن الخطة الصهيونية تعمل، لنسمع تصريحات القادة الإيرانيين مثل تصريحات الرئيس نفسه بالأمس الذي دعا إلى الابتعاد عن الخطابات التي تثير الانقسام، مشددا على أهمية أن تعكس المنابر الرسمية وخطب الجمعة والإعلام الرسمي صوت الوحدة والتضامن، بينما قال رئيس البرلمان الإيراني: «العدو يشن حرب نفسية على الإيرانيين ويسعى إلى إثارة حالة قلق لدى المواطنين، ومن يريدون سوءا لبلادنا يسعون إلى إكمال مخططاتهم عبر إثارة الفوضى في البلاد»

الحرب ليست بالقوة ولا بالذخيرة

لا تدخل الحرب إذا لم تكن تعرف كيف تستخدم عقلك

جماعة من المقاتلين الحفاة أو من الذين يرتدون الشباشب البالية، وببنادق عادية، تمكنوا من تضليل هذه القوة الهائلة وخديعة الكيان رقمياً ونفسياً وعسكرياً

ولولم يكونوا يعرفون كيف يفكر العدو لما استطاعوا ان يبقوا لأكثر من ستمائة يوم تحت القصف الشامل

أوف لو أنهم امتلكوا قليلاً من العتاد

معظم الخدع في الحرب تقوم على القدرة بتلاعبك في العدو

وفي عصرنا الراهن، يعمق ترمب والاحتلال الإسرائيلي بأن الإعلام هو الوسيلة الأبرز لتوصيل الإشارات المضللة للعدو، ولا يقتصر التضليل على ميعاد الهجمة المباغتة بل  ينصح سن تزو في استخدام الخدع في المعارك طويلة الأمد: «عزز الفخاخ لتغري العدو

اختلق الفوضى، وقم بسحقه

إذا كان عدوك آمناً في كل النقاط، كن مستعداً له

إذا كان متفوقاً بالقوة، تحاشاه

إذا كان عدوك ذا طبع حانق، قم بالسعي لإغضابه

ادّع الضعف، حتى تزداد غطرسته

إذا كان مرتاحاً، لا تعطه الفرصة للراحة

إذا كانت قواته متحدة، حاول تفرقتها

قم بالهجوم عليه حينما لا يكون جاهزاً، واظهر حيثما لا يتوقعك»