سلمان الحميدي : لماذا انسحبنا؟!

منذ 17 ساعات

سلمان الحميدي ‫الأسبوع الماضي، استشهد أربعة مقاتلين في تعز وأصيب قيادي كبير

الشهيدان الأول والثاني، هما خليل داوود ومحمد سلام القميشي، من ضباط اللواء الخامس حرس رئاسي، وكانا يرافقان قائد اللواء عدنان رزيق، وهو القيادي الكبير، الذي جُرح في عملية الاستهداف الجبانة

بيننا نحن أبناء تعز، وربما اليمن، لا يحتاج رزيق إلى تعريف، هو البطل الأصيل ابن محافظة شبوة العريقة، الشاعر الشبواني الذي سطر بطولاته وقصائده على أرض تعز منذ اندلاع الحرب

الاستهداف، وإن كان في وسط المدينة، إلا أنه حوثيٌّ محض؛ إذ تكررت محاولات الاغتيال ضد عدد من المقاتلين والقادة الميدانيين بالطريقة ذاتها

وقد أثبتت التحقيقات، والمتهمون الذين قبضت عليهم الأجهزة الأمنية، أن مليشيا الحوثي هي من تقف وراء تلك الجرائم

أما الشهيد الثالث فهو مرسل علي الصبري، من الكتيبة السابعة باللواء 22 ميكا، وقد استشهد في خطوط النار، تحديدًا في الجبهة الشمالية، حيث يواجه الجيش اليمني مليشيا الحوثي

دخلتُ معظم صفحات أصدقائي المعروفين بحثًا عن صورة الشهيد مرسل الصبري، ولم أجدها إلا بعد نصف ساعة تقريباً

أما صور الشهيدين داوود والقميشي، فكانت متداولة إلى حدِ ما، لأن من نشرها، في الغالب، فعل ذلك في سياق الحديث عن القائد عدنان رزيق أو لمواساته

تزامن الاستهدافان مع استمرار الاشتباكات المتقطعة خلال الأيام الماضية

والمؤسف، وقد أكون مخطئاً، أننا لم نتفاعل مع الحدثين كما ينبغي، ولم نحتشد حول تضحيات الأبطال كما كنا نفعل في بدايات الحرب

لم نتزود من عطائهم المبذول من أجل أن نحيا بحرية وكرامة، ولم نفعل ما يكفي، على الأقل لمقارعة العدو ولو بالكلمة في مواقع التواصل الاجتماعي

أعرف أن الشهداء لا يحتاجون مديحنا

نحن من نحتاج إلى حضورهم في ذاكرتنا وأحاديثنا لنواصل المواجهة ضد الأعداء

التغافل عن هذه التضحيات مؤشر خطير على خلل ما، أزاح اهتمامنا بالمعركة الوطنية ودفعها إلى هامش الأولويات

تراجع الحضور الشعبي في الفضاء الافتراضي تجاه قضايا مصيرية، يبدو أنه ترافق مع ضعف الإحساس بالمسؤولية، وتناقص وعي المدنيين بدورهم في المعركة الوطنية عبر الكلمة، ما ننشر ومالا ننشر من منطلق الحفاظ على مصائر الناس من المخاطر التي تهدد حياتهم وحرياتهم

تراجع الإحساس من هذا الناحية، يشملنا جميعاً، وما تغطية الشاب لإسعاف رزيق، من مكان الحادث إلى المستشفى، إلا صورة مصغرة عن أحوال الجميع

لم نعد نهتم بحماية الأبطال الصامدين في الجبهات، الذين يهبّون أرواحهم دفاعًا عن الجمهورية

قبل شهر تقريباً، سمعت من أحد القادة الميدانيين في الجبهة يتحدث عن فقدان جبهة الإعلام في تعز، قال كلاماً مؤلمًا:«في بداية المعركة، تشكلت قوة تعز من ثلاث ركائز أساسية:1ـ المقاتلون من الجيش والمقاومة

2 ـ الإسناد الشعبي والمجتمعي

3ـ الجبهة الإعلامية

انسحبت الجبهة الإعلامية، وفقدنا الإسناد الشعبي، والأسوأ أننا بدأنا نشعر كما لو أن هناك من يستغل هاتين الجبهتين لتوظيفها ضدنا أحياناً»

قلت في نفسي: ربما الرجل يعطي الجبهة الإعلامية دوراً أكبر من حجمها

ربما القائد العسكري الميداني يريد أن يتهكم من جبهتنا المتناحرة، لا يعرف أننا نعود من قلب اللغب، إذا سمعنا صوت المعركة

في الأيام الماضية التي ارتقى فيها أربعة شهداء، أدركت أن القيادي الميداني، كان على حق ويعي كل كلمة يقولها

تجلى الأمر، بالحضور الافتراضي في مواقع التواصل لشهداء تعز الأربعة

كان الحضور الكثيف، أكثر، حول الشهيد الرابع، الشهيد الشاب عبدالرحمن النجاشي، الذي قُتل في التربة إثر خلاف بين قاضيين، على قصبة ماء

لا يعني ذلك أن التفاعل مع هذه الحادثة خطأ، هو عين الصواب من حيث المبدأ، لوضع حد لجرائم إزهاق الأرواح

لكن اللافت أن التفاعل الواسع مع مقتل النجاشي، يقابله تفاعل نسبي مع تضحيات الأبطال داوود والقميشي والصبري، وهو ما يكشف أننا صرنا نهتم بالحضور في القضايا من أجل الجدل والتراشق البيني، بينما ننسحب من قضيتنا الكبرى ومن أمام عدونا الحقيقي

الحضور لدفع الظلم عن أي إنسان، ضروري

ولكن المخيف هو انسحاب الجمهور الافتراضي من المعركة الوطنية أو تراجعه عن الاهتمام بها، هذه النقطة تستحق الوقوف عندها

لمعرفة ماذا حدث وماذا يحدث؟ربما توقفت الحرب عند حدٍّ معين فتسرب الملل إلى الناس، فتركوا المعركة الكبيرة وانغمسوا باليوميات

ربما أن تدهور الوضع الاقتصادي المتواصل، وتنامي المسؤوليات المعيشية على كواهل الكثيرين، دفع بعضهم إلى البحث عن سُبل حياة بعيدة عن جبهات المعركة

ربما أن ارتباط أوضاعنا الداخلية بـ المتغيرات الخارجية والعلاقات الدولية، عمل على تنشيط استقطاب الأصوات التي كانت تخدم المعركة وصنع أصواتاً أخرى جوارها، استغلالاً لحالة السخط الصادق والتذمر الطبيعي من معيشتنا المتردية

ربما أن ضعف الإعلام الرسمي في أداء دوره التعبوي والتذكيري بأهمية المعركة، إلى جانب سوء الإدارة المحلية وعدم معالجة الاختلالات بشكل عاجل، ساهم بتراجع اهتمام الناس بالمعركة الوطنية

في كل الأحوال، علينا أن نواجه هذا كله، دون أن ننسى، ولو لحظة، من نقاتل ولماذا نقاتل

لتبقى المعركة الوطنية حاضرة في وعي وضمائر الناس، لا يليق بنا أن ننسحب ونتخلى عن الدور المساند للأبطال، مهما كان بسيطاً؛ وإن كانت كلمة، أو صورة، أو ذكرى

نقلا عن يمن شباب نت