سلمان الحميدي : واقع الماء من تعز إلى غزة

منذ 2 ساعات

سلمان الحميدي  من عجائب الأحداث في تعز: ضُبط أحد المسؤولين السابقين في مؤسسة «المياه» ولديه قوارير «خمر»!نحن نبحث عن شربة ماء والمسؤول عن المياه يشرب الخمر

هل ندينه؟ لا نعرف الظروف التي تجعله يحمل القوارير معه من مكان إلى آخر

في تلك الفترة، كان لدينا أزمة في المياه المالحة، المياه التي نغتسل بها، وربما كان مسؤول المياه، لديه بُعد نظر لما سنصل إليه بخصوص مياه الشرب، فاقتنى بضعة قوارير من النبيذ الاسكتلندي أو الفرنسي أو تشكيلة متنوعة من البلدان المختلفة، وذلك بغرض اختبار جودتها وإخضاعها للمعايير العالمية، وهذا هو المسؤول الذي يحترم وظيفته ويتفانى ببذل كل جهده ويضحي بروحه في سبيل اختبار الحلول والمعالجات منذ وقت مبكر

ربما كان مسؤول مؤسسة المياه مضطراً، لم يجد شربة ماء في أي بقالة، فاضطر لاقتناء شراب الخمر

هناك ألف ربما التي تشفع للمسؤول، وتدين قرار إقالته إن كان على صلة بالقوارير

غير أن المؤكد أن مسؤولي المياه في تعز، مساكين، لا سلطة لهم على الكبار، وبحكم عملهم لا شك أنهم يدركون حجم مشكلة المياه في المحافظة، وحين يرون جميع مسؤولي الدولة، في الصف الأول والثاني، كلٌ منشغل بحراسة منصبه والذود عنه، وتسخير كل أنشطته الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لحماية المنصب، وبالتالي حياكة المواقف والردود والبيانات، وإدارة الحملات المدروسة وغير المدروسة للبقاء في المشهد، وعدم النظر إلى الواقع المائي للمحافظة، تنهار نفسيات مسؤولي مؤسسة المياه

وحين يستقرئون أيضاً بأن المسؤولين الكبار لا يُقدِّرون جهدهم في تشخيص المشكلة ولا يلتفون إلى مقترحات الحلول؛ يُحبطون، فيهربون إلى الشراب!

وأنا أقرأ التقارير التي توثق جانباً من استخدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي، المياه كسلاح، للمساهمة في الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، أدركت أهمية الماء وسلطته للمؤسسات المحترمة التي تسعى إلى تأمين احتياجات الشعوب والمجتمعات، وعرفت معنى الأمن المائي والفقر المائي

وعندما تفحصت بيانات المياه في قطاع غزة، أدركت حجم الكارثة التي نعيشها في تعز والتي وصلت إلى درجة نضوب ماء الحياء من وجوه المسؤولين اليمنيين دون أن يعلنوا الجفاف!

 كانت الآبار الجوفية في قطاع غزة تنتج قبل الحرب قرابة 262 ألف متر مكعب في اليوم الواحد، بينما كانت الآبار الجوفية في تعز تنتج قبل الحرب ما بين 18 إلى 20 ألف متر مكعب في اليوم الواحد

نتيجة الاستهداف المتعمد لمصادر المياه الرئيسية، دمرت إسرائيل أكثر من 80% من آبار المياه العامة، وأخرجتها عن الخدمة الكلية والجزئية، ومع ذلك تكافح السلطات في قطاع غزة لإصلاحها وتشغيلها ولو بالحد الأدنى، وتمكنت  من إنتاج قرابة 78 ألف متر مكعب من المياه، صحيح أنه رقم ضئيل مقارنة بالكمية قبل الحرب، لكنه ومقارنة بواقع المياه في تعز، رقم كبير، يجعلك ترى عدو اليمنيين ألعن من عدو أبناء غزة، والسلطات المحلية في تعز أعجز وأضعف من السلطات في قطاع غزة التي تعيش وسط جحيم الإبادة

في تعز، تسيطر مليشيا الحوثي على مصادر المياه الجوفية، ما يقارب من 15 ألف متر مكعب من إجمالي 18 ألف، وبحسب تقارير السلطة المحلية فإنها تنتج من الآبار الواقعة تحت سيطرتها 3 آلاف متر مكعب كأقصى حد، وعاده تسرق نصه

صحيح أن 97% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب، وذلك نتيجة ارتفاع معدلات التلوث والملوحة فيها نتيجة إنشاء سلطات الاحتلال السدود والمصائد المائية على طول الحدود لمنع تغذية خزانات المياه الجوفية حسب الدراسات التي أُجريت قبل الحرب؛ لكنها مجدية للمضطر وتنفع للزراعة ويمكن تنقيتها

علماً أننا في تعز لم نحصل على ماء لا حالي ولا مالح، لا نشرب ولا نأكل، لا نغسل ولا نسبح

الكارثة الكبرى ليست في مأساتنا المائية وعجز السلطات المحلية في التعامل معها فقط، عندما تقارنها بغزة

الكارثة أيضاً في تفكير حكوماتنا المتعاقبة والرؤساء أيضاً، حيث لم يدركوا دور الماء في نهضة البلاد، ولم يقرؤوا تجربة الدولة الرسولية التي لم تكتف بوضع نظام مالي دقيق لتنظيم إيرادات بيت المال ونموها بنمو محاصيل المزارعين ـ النظام موجود ويفصل طرق تحصيل الإيرادات من المناطق المختلفة في تعز والمناطق الأخرى ـ  لم تكتف الدولة الرسولية بذلك، بل قام الملك العظيم عمر بن علي رسول بتعليم الناس كيف ينمون محاصيلهم وألف كتاباً اسمه مُلح الملاحة في معرفة الفلاحة يفصل فيه المواسم الزراعية وأنواع الحبوب والفواكه والخضروات وكيف تزرع ومتى وبأي المناطق ووسط أي طقس، وطرق تقليب التربة وتسميدها

وما كان ذلك لو لم يكن الماء

على مدى عقود تزداد احتياجات تعز للمياه، تضعف الموارد المائية، تقل نسبة الأمطار يتقلص مخزون المحافظة من المياه الجوفية، وتزداد الكثافة السكانية، تتقلص المساحة الزراعية

لا ماء ولا اقتصاد ولا من يفكر بمشكلة المياه تفكيراً جدياً

لكي تتخيل حجم المصيبة التي حلت علينا تأمل هذه الملخص:إنتاج المياه في غزة من الآبار الجوفية 262 ألف متر مكعب في اليوم، بينما إنتاج تعز بكامل طاقتها 18 ألف متر مكعب في اليوم

عدد السكان في تعز أعلى، ورغم ذلك، لا تعتمد السلطات في غزة على المياه الجوفية فقط، بل هناك مصادر أخرى

في غزة قبل الحرب يوجد ما يقارب من 85 محطة لتحلية المياه، خاصة وعامة متفاوتة الحجم، من بينها محطات مركزية تنتج عشرات الآلاف من المكعبات المائية المترية في اليوم الواحد، وإضافة إلى ذلك، هناك مصدر مائي ثالث في غزة بموجب اتفاقية أوسلو، التي تلزم سلطات الاحتلال بتزويد غزة بمياه الشرب، وبالفعل تزود سلطات الاحتلال عبر شركة مياه اسمها ميكوروت، القطاع بـ 21مليون متر مكعب من المياه سنوياً عبر ثلاثة خطوط في شمال ووسط وجنوب غزة

في تعز لا يوجد غير 18 ألف متر مكعب، وراكنين نشرب ونغسل ونزرع!

نقلا عن يمن شباب نت