سمير رشاد اليوسفي : الشيخ الذي عضّ أذنه؟!

منذ 2 ساعات

سمير رشاد اليوسفي في عالم السياسة، هناك من يصنع التاريخ، وآخرون يصنعون الفضائح

وفئة ثالثة، نادرة ومميزة، تصنع فضائحها بنفسها، ثم تدافع عنها بشراسة

وفي هذه الفئة يقف حميد الأحمر اليوم، شامخًا كالديك في قن الدجاج، لا يدرك أن الفجر قد انقضى، والشمس غربت، والليل حل

 مساء أمس، وبينما كان أهالي تعز ينتظرون العدالة لشهيدتهم افتهان المشهري، فوجئوا بمنشور ناري من إسطنبول يحمل توقيع هذا “الديك السياسي”

المنشور لم يتحدث عن العدالة أو القصاص، بل كان هجومًا على كل من يحاول تطهير المدينة من العصابات المسلحة

والأدهى أن الرجل الذي فرّ من صنعاء تاركًا قبيلته وعاصمته للحوثيين، يتحدث اليوم وكأنه المدافع الأول عن تعز! المنشور يكشف أزمة الأحمر النفسية والسياسية بوضوح

كان يومًا “الملك غير المتوّج” في صنعاء، لكنه يعيش اليوم أزمة هوية حقيقية: لا يستطيع العودة إلى صنعاء، ولا يجد موطئ قدم في المناطق المحررة، خاصة بعد وضعه على قائمة العقوبات الأمريكية

في مثل هذا الموقف، يبحث الرجل عن عدو يحاربه، حتى لو كان هذا العدو من المفترض أن يكون حليفه

 المتأمل في المنشور يرى أن الأحمر لم يترك أحدًا إلا وهاجمه من قيادات تعز في مجلس القيادة الرئاسي ومجلسي النواب والوزراء، إلى العميد طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية المتواجدة في المخا؛ بالنصيب الأوفر من الغمز واللمز

بدا بذلك كمن يضرب يمينًا وشمالًا بلا هدف، حتى لم يتبق له سوى أن يهاجم نفسه ويعض أذنيه

 السؤال المهم: بأي منطق يهاجم قيادات الدولة التي تحارب الحوثي ويدافع عن القتلة والبلاطجة؟ الإجابة تكمن في طبيعة صراعه الحالي: الأحمر لا يحارب الحوثي، بل يحارب من أجل البقاء السياسي، محاولًا إثبات وجوده، حتى لو خدم هذا الرأي أعداءه أكثر مما يخدمه

 الأكثر دهشة في المنشور هو الدفاع المستميت عن بلاطجة وقتلة في “اللواء 170 دفاع جوي”، المعروف شعبيًا باسم “اللواء المخلافي”، نسبةً إلى مؤسسه الشيخ حمود المخلافي، والذي تحول مع الوقت إلى ما يشبه الإقطاعية الخاصة به أكثر من كونه مؤسسة عسكرية

قائد اللواء وأركان حربه وكتائبه جميعهم من أقاربه وحاشيته

 المشكلة ليست في التركيبة العائلية فقط، بل في السجل الأسود للواء: من قتل المدنيين ونهب الأراضي، إلى تهديد القضاة والاعتداء على المستشفيات، وآخرها اغتيال الشهيدة افتهان المشهري

 هنا نفهم سبب دفاع الأحمر عن هذا اللواء: إنه آخر معاقل نفوذه في اليمن، يدافع عن أدواته وليس عن مبادئه

والدليل أن مؤسس اللواء، حمود المخلافي، يعيش اليوم في تركيا ويملك مركزًا للدراسات باسم “المخا”، في إشارة واضحة إلى مدينة المخا، معقل قوات المقاومة الوطنية التي ينأى بها قائدها عن أي صراعات بينية، محددًا بوصلتها نحو صنعاء

لكن اختيار المخا كاسم للمركز يرسل رسالة لكل من يريد أن يفهم من أعداء الشرعية: “نراقب المخا ومستعدون لخدمة من يدفع أكثر”

 موقف الأحمر هذا يضعه في تناقض صارخ مع حزبه، حزب الإصلاح، الذي يؤمن ببناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون

حتى تجمع الإصلاح في تعز أعلن دعم الحملة الأمنية لتطهير المدينة من العصابات المسلحة وتقديمها للعدالة

كيف يأتي الأحمر ليقف دفاعًا عن هذه العصابات؟ إنه يخالف خط الدولة وخط حزبه في آن واحد

 ولابد من التفريق بين أبناء المخلاف الوطنيين الشرفاء، من مواطنين وأساتذة ومثقفين وإعلاميين، وبين قيادة اللواء التي أساءت للمنطقة قبل أن تسيء لغيرها

وحتى مع ذلك، فهم على الأقل حاربوا الحوثي رغم بلطجتهم

أما الأحمر، فهو يجمع بين البلطجة والجبن وعدمية الموقف

 السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا يريد الأحمر؟ هل يسعى لبقاء تعز على حالها، تحت سيطرة العصابات التي يدافع عنها؟ الحقيقة أن تطهير المدينة شرط أساسي لعودة الحياة الطبيعية، وهو مطلب كل مواطن شريف فيها

 في النهاية، ما يفعله الأحمر ليس سياسة، بل صراخ في البرية

رجل فقد ملكه ونفوذه، ويضرب في كل الاتجاهات أملاً في إصابة هدف يعيده إلى دائرة الضوء، بينما الزمن تجاوزه

 تعز، المدينة الحالمة، قلعة الجمهورية، ستنفي البلاطجة والقتلة كما ينفي الكير خبث الحديد

ستطهر نفسها من كل من يحاول تحويلها إلى إقطاعية شخصية أو عائلية، وستظل شامخة بأبنائها الشرفاء، بعيدًا عن هذيان من لم يتبق له من مجده الغابر سوى أن يعض أذنه أمام مرآة منفاه، بينما الوطن الذي يدّعي حبه يواصل طريقه نحو التحرير والبناء، بعيدًا عن الأوهام والأحقاد