سمير رشاد اليوسفي : هي فوضى؟!

منذ 2 ساعات

سمير رشاد اليوسفي عندما نريد أن نفهم حقيقة المشروع الذي يستهدف المنطقة، لا نحتاج إلى التنظير طويلاً؛ يكفي أن ننظر إلى صنعاء

فالمدينة التي كانت يوماً قلب “اليمن السعيد”، أصبحت اليوم مختبراً حياً لمشروع الفوضى، ودليلاً دامغاً على الأهداف الحقيقية لجماعات الإسلام السياسي وميليشياتها

ما حدث في اليمن لم يكن ثورة شعبية كما سوّق لها الحوثيون في البداية

لقد كانت عملية اختطاف ممنهجة للدولة، بدأت تحت غطاء شعارات شعبوية براقة كـ”محاربة الفساد” ورفع “المظلومية”

ثم ما لبثت هذه الذرائع أن استُنفدت، فتكشّف وجههم الحقيقي، وانتقلوا لاستخدام الورقة الأكثر رواجاً في المنطقة: القضية الفلسطينية

الهدف لم يكن أبداً إصلاح الدولة، بل القضاء عليها واستبدالها بنظام حكم الميليشيا العقائدية

وهنا تتكشف اللعبة بأكملها

المشروع الذي تقوده إيران عبر وكلائها، سواء الحوثي في اليمن أو “حزب الله” في لبنان، لا يهدف إلى بناء دول قوية أو مجتمعات مزدهرة؛ بل على العكس تماماً، إنه يزدهر على أنقاض الدول

فهو يحتاج إلى الفوضى ليستمر، وإلى الفقر ليُجنّد، وإلى الحروب ليعزز سلطته

انظر إلى واقع المناطق التي يسيطرون عليها: انهيار اقتصادي، قمع للحريات، تجنيد للأطفال، وتدمير للنسيج الاجتماعي

هل هذا هو النموذج الذي يريدونه للمنطقة؟والأمر الأكثر مدعاة للسخرية هو استخدامهم للقضية الفلسطينية

الحوثي، الذي تسبب في أكبر كارثة إنسانية في العالم ضد شعبه، يرفع اليوم شعار “نصرة غزة”

يهاجم الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لا حباً في غزة، بل لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً، لتلميع صورته البشعة في الداخل والخارج

ثانياً، لابتزاز المجتمع الدولي وفرض نفسه كأمر واقع لا يمكن تجاوزه

وثالثاً، لخدمة الأجندة الإيرانية في الضغط على خصومها

القضية الفلسطينية هنا مجرد أداة رخيصة في مشروع سياسي أكبر وأخطر

وهذا يقودنا إلى سؤال جوهري: لماذا تتعرض دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين، ومعها حلفاؤها المحوريون كمصر والأردن، لهذه الحملات الشرسة والممنهجة؟ الإجابة بسيطة: لأن هذا المحور يمثل النقيض التام لمشروع الميليشيا

إنها دول وطنية تؤمن بالاستقرار والتنمية والسيادة، وتسعى للاندماج في العالم الحديث

نجاح هذا النموذج هو أكبر تهديد لرواية الفوضى التي تروج لها جماعات الإسلام السياسي، ولهذا يصبون جام حقدهم عليها، ويهاجمونها بلا هوادة، لأنها تمثل فكرة “الدولة” التي يسعون لتدميرها

المعركة إذن ليست على أرض اليمن فقط، بل على العقل العربي

إنها مواجهة بين روايتين: رواية الدولة التي تبني المستقبل، ورواية الميليشيا التي تستدعي أمجاد الماضي لتبرير خراب الحاضر

والنتائج ماثلة أمامنا في صنعاء وبيروت ودمشق وبغداد وطرابلس، واليوم في الخرطوم

والرسالة التي يجب أن تصل للجميع، من المواطن البسيط إلى صانع القرار، هي أن أي صوت، سواء كان شعبوياً متحمساً أو إعلامياً موجهاً، يهاجم تحالف الدول الوطنية المعتدلة ويشكك فيه، هو في الحقيقة – بوعي أو بغير وعي – يخدم مشروع الفوضى

إن الدفاع عن هذا التحالف ليس دفاعاً عن أنظمة، بل هو دفاع عن آخر ما تبقى من فكرة “الوطن” في وجه طوفان الميليشيات

فإما أن ننتصر للدولة، أو نغرق جميعاً في مستنقع اللا-دولة

والخيار لنا