شراكة الحكومة والقطاع الخاص .. الإرادة السياسية الغائبة !
منذ يوم
مصطفى نصر – رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصاديعلى مدى سنواتٍ يتردد الشعار الذي أصبح مستهلكًا بأنّ “الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص شرطٌ أساسي للتنمية”، وهي العبارة التي تغنّى بها كثيرًا الرئيس الأسبق علي صالح، وكررها عبدربه منصور هادي، ويُعيدها رئيس مجلس القيادة الرئاسي د
رشاد العليمي كلما سنحت له الفرصة!
ولم يقتصر الحديث عن تلك القضية الهامة على الرؤساء فقط، فرؤساء الحكومات -خلال عقدين وأكثر- ردّدوا العبارات ذاتها وبأساليب متعددةٍ، إلا أنها في المحصلة لم تُترجم إلى إجراءاتٍ عملية من أي نوع؛ ما يعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية لأي شراكةٍ فاعلةٍ بين الحكومة والقطاع الخاص
تُمثل الشراكة بين الطرفين رافعةً للنمو الاقتصادي، ولا يُمكن تحقيق نهوضٍ اقتصادي دون أن يُطلق العنان للقطاع الخاص؛ باعتباره محرك الاقتصاد وصانع الفرص، والمشغل الرئيسي للعمالة، ومصدر الإيرادات الذاتية للحكومة “ضرائب، جمارك، ورسوم متعددة”، ولم يُعد هذا الطرح مجالًا للجدل في ظل التجارب الدولية المختلفة، حيث تشهد الدول التي خلقت بيئةً محفزةً لعمل القطاع الخاص نهضةً على كافة الأصعدة وتحسُنٌ ملحوظٌ في مؤشرات التنمية
تقتصر لقاءات القيادات السياسية مع القطاع الخاص على اجتماعاتٍ محدودةٍ في العادة يلجأ إليها القادة السياسيون عند حاجتهم للقطاع الخاص، حدث ذلك أثناء الأزمات الاقتصادية والحملات الانتخابية خلال حكم الرئيس صالح، وعندما أراد الرئيس هادي أن يُسوّق مشروع الفيدرالية ونجاح الأقاليم، أما رئيس القيادة الرئاسي العليمي فلم يُبدي استعداده للقاءٍ من هذا النوع بعد! لذا فنحن بعيدون كثيرًا عن الإرادة السياسية التي تُؤمن بأنّ القطاع الخاص شريكٌ أساسي وفاعلٌ في التنمية، على الأقل حتى اللحظة الراهنة
لا أعني بالاجتماعات المشتركة اللقاءات الفردية التي تجمع بين رجال الأعمال وبعض مسئولي الدولة في مستوياتهم العليا كرؤساء الحكومات أو غيرهم، بل والتي يغلب عليها الطابع الآني المرتبط بمعالجة مشكلاتٍ آنيةٍ أو الحديث عن قضايا خاصة تتعلق بمصالح هذا المستثمر أو ذاك؛ وإنما أقصد تلك اللقاءات المؤسسية التي ترسم مسار شراكةٍ حقيقي ومُنظَّم ، وتبني مسارًا واضحًا للتنمية يتحمل من خلاله الطرفان المسئولية الكامل عن تحقيق النمو الاقتصادي، بما يعكسه من تحسنٍ في مستوى الدخل للمواطنين وتوفير فرص العمل وتحقيق الانتعاش الاقتصادي
على مدى سنواتٍ كان يُنظر للقطاع الخاص بأنه “انتهازيٌ يعيش على الأزمات”، فالتاجر وَفقًا للصورة التي رسمها الإعلام الحكومي على مدى عقودٍ هو الشخص الجشع الذي لا يهمه سوى الربح، يرفع الأسعار، يتهرب من دفع الضرائب، وكلما حدثت أزمةٌ اقتصاديةٌ تُسارع وسائل إعلام الحكومة بإلقاء التهمة على التاجر المحتكر، بالمقابل ينظر القطاع الخاص للمسؤول الحكومي بأنه كائنٌ فاسد لا يهمه سوى مكسبه الشخصي من الوظيفة، ومهما علت رتبته أو منصبه فإنّ المال قادرٌ على إسكاته، والطرق متعددة لشراء ذمته
” وصل الأمر حد المجاهرة بضرورة وجودة حصةٍ للمسؤول في المشاريع المُنفذة، سواءً كانت تلك المشروعات ناتجةٌ عن عقودٍ حكوميةٍ أو مشروعاتٍ استثمارية خاصة”ورغم أنّ تلك النظرة السلبية المتبادلة أثّرت سلبًا بصورةٍ لافتةٍ على بناء الثقة المطلوبة والمفترضة بين الطرفين إلا أن هناك من عزّزها للأسف من قبل الطرفين
بل إنّ قادة الدولة ومن مستويات قيادةٍ عليا تعاملوا بطريقةٍ أكدت تلك الصورة، ووصل الأمر حد المجاهرة بضرورة وجودة حصةٍ للمسؤول في المشاريع المُنفذة، سواءً كانت تلك المشروعات ناتجةٌ عن عقودٍ حكوميةٍ أو مشروعاتٍ استثمارية خاصة!
تتجلي مظاهر غياب الإرادة السياسية في الضعف الهيكلي الواضح في مؤسسات الدولة، وسيطرة نافذين في مراكز صنع القرار يعتقدون أنّ مصالحهم في استمرار الفوضى والفساد والعبث
وغياب الرؤية الاستراتيجية لدى صناع القرار في أعلى مستوى قيادي
ويعكس هذا خللًا عميقًا في فهم ديناميكيات التنمية وشروط ومتطلبات المسار التنموي الذي يعتمد بدرجةٍ أساسيةٍ على القطاع الخاص
وتكمن المشكلة أيضًا في بعض المحسوبين على القطاع الخاص من تجارٍ أو مستثمرين يعملون -في حقيقة الأمر- كواجهاتٍ لقياداتٍ سياسية أو متنفذين في مفاصل السلطة، ويُديرون مصالحهم الاقتصادية ومشاريعهم القائمة على التلاعب والتهرب من الالتزامات المختلفة التي يؤديها رأس المال الوطني الحقيقي
بناء شراكةٍ فاعلةٍ بين الحكومة والقطاع الخاص لا يمكن أن يتحقق دون أن تتجسد إرادة سياسية حقيقية، تُترجم إلى تشريعاتٍ متقدمة، وهياكل مؤسسية مستقلة، وآليات رقابةٍ ومساءلةيأتي حديثي عن قضيةٍ ربما ليست جديدة، لسببٍ جوهري يتمثل في إحياء الحديث عن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص بين فترةٍ وأخرى، حيث تحول الأمر إلى نزوةٍ موسميةٍ لا أكثر، تنتهي بمجرد انتهاء حماس مسؤول معين في سلطات الدولة، وهو الأمر الذي يعكس غياب البُعد الاستراتيجي للنظر إلى قضيةٍ محورية في التنمية بهذا الحجم
لا شك أنّ إحياء فكرة الشراكة في أي مرحلةٍ من المراحل هي خطوةٌ إيجابيةٌ؛ لكنّ الأمر يتطلب أن تأتي المبادرات من هذا النوع في سياق رؤيةٍ وطنيةٍ مشتركة بين قيادة الدولة بمكوناتها الفاعلة والقطاع الخاص، يسبقها قناعةٌ كاملة وإرادةٌ سياسيةٌ جادة تُمثل الرافعة الأساسية للشراكة والدفع بمتطلباتها على أرض الواقع، لأنّ خطوةٌ من هذا النوع تتطلب منظومةً تشريعية، وهياكل مؤسسيةّ فاعلة، وقناعةً راسخةً بأنّ الجميع شركاء في خدمة هدفٍ واحد، وهو تحقيق التنمية والسعي نحو الرخاء الاقتصادي الذي يخدم الجميع دون استثناء!وفي الختام، فإنّ بناء شراكةٍ فاعلةٍ بين الحكومة والقطاع الخاص لا يمكن أن يتحقق دون أن تتجسد إرادة سياسية حقيقية، تُترجم إلى تشريعاتٍ متقدمة، وهياكل مؤسسية مستقلة، وآليات رقابةٍ ومساءلة
كما أنّ على القطاع الخاص أن يُعيد تشكيل صورته من خلال التزامه بالشفافية والتنمية المسؤولة، فالتنمية المستدامة مسؤوليةٌ مشتركة لا تحتمل المزيد من المماطلة أو الشعارات الموسمية
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير