شراكة “الشرعية والانتقالي”.. تتصدع

منذ 3 ساعات

عدن – بديع سلطان أثار البيان الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي، مساء العاشر من سبتمبر/آيلول الجاري، جدلًا سياسيًا وشعبيًا واسعًا

وأماط اللثام عن التصدع الحاصل في بنيان الشراكة السياسية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، خاصةً على مستوى مجلس القيادة الرئاسي

البيان اتهم فرقاء الانتقالي بـ”تجاهله وإقصائه”، والعمل على تجويع الشعب الجنوبي بـ”حرب الخدمات” في محاولة لـ”تركيع” مشروعه السياسي وقضيته العادلة

لافتًا إلى أن “الأرض أرض الجنوبيين”، في إشارة إلى السيطرة العسكرية للانتقالي على محافظات جنوبية

وكانت الشراكة السياسية جمعت الحكومة اليمنية “المعترف بها دوليًا” بالانتقالي -المطالب بانفصال جنوب اليمن- عقب مشاورات واتفاق الرياض الأول والثاني

وتمخض عن الاتفاق الأول استيعاب المجلس الانتقالي الجنوبي في “حكومة مناصفة” أواخر العام 2020

ونتج عن اتفاق الرياض الثاني تشكيل مجلس رئاسي يمني، أبريل 2022، يضم في عضويته رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي

ومثلت هذه الشراكة، التي رعاها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة توجهًا لاستقرار “المناطق المحررة”

وسعيًا من التحالف لتوحيد “معكسر الشرعية” المشتت؛ لمواجهة “معسكر الحوثي” تمهيدًا لخوض مفاوضات التسوية السياسية التي تعرقلت لاحقًا

بيان الانتقالي يوم الأربعاء الماضي، كشف حجم التصدع الحاصل في معسكر الشرعية ومكوناته ذات المشاريع السياسية المتباينة حد التنافض

وفضح “هشاشة التوافق السياسي” الذي حاولت المكونات المختلفة الترويج لتماسكه خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر المجلس الرئاسي

وتبع بيان الانتقالي قرارات تعيين صادرة عن رئيسه، عيدروس الزُبيدي، شملت وكلاء محافظات ووزارات ونواب وزراء، ومديري ورؤساء مكاتب وهيئات

قال البيان إنها تأخرت كثيرًا ولم تصدر بها قرارات تعزيزًا للشراكة السياسية بين المكونات

ويرى الكاتب السياسي، صالح علي باراس، أن بيان الانتقالي والقرارات الصادرة عنه، جاءت بعد أن أعطت قيادة الانتقالي للصبر مداه

وجاءت بعد أن أصبحت هذه الشراكة “عبئًا” على الانتقالي والجنوب بصورة عامة، في مختلف المجالات، وأهمها الخدمات والملف الاقتصادي

وقال باراس في حديث خاص لـ”المشاهد”: “المجلس الرئاسي نال الفرصة الكاملة ليشكل نموذجًا في التوافق

ويعمل على توحيد الجهود ضد الحوثي وتحسين المستوى المعيشي والخدماتي

لكن للأسف؛ بسبب النظرة القاصرة في تعامل رئيس المجلس الرئاسي و”الساسة الشماليين” تجاه الجنوب؛ اتجهت الأمور إلى منحى سلبي”

وأضاف: “أثّرت هذه النظرة على مجمل الأوضاع داخل الجنوب؛ ما دفع الرئيس عيدروس الزبيدي والمجلس الانتقالي لتحمل المسؤولية

وإنقاذ الجنوب وشعبه من سياسات الهيمنة والتدمير الممنهج”

باراس اعتبر أن البيان والقرارات الصادرة عن عيدروس الزُبيدي “ضرورة ملحة لوضع حد لكل الاختلالات التي عصفت بالجنوب أرضًا وإنسانًا

وأشار إلى أن تلك الاختلالات لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال إعادة صياغة الشراكة بشكل يحفظ للجنوب حقه

بحيث يكون رقمًا أساسيًا في المعادلة، وشريكًا فاعلًا مع المجتمعين الإقليمي والدولي لمجابهة كافة التحديات والتهديدات التي تعصف بالمنطقة

في المقابل، يعتقد المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن بيان المجلس الانتقالي يمثل “حالةً من المراهقة السياسية وغياب الخيال القيادي”

كما يعكس حالة العجز الفاضحة لدى المجلس الانتقالي عن بلوغ السقف الذي حدده لنفسه، بحسب تعبيره

وقال: “لم يكن مجلس القيادة الرئاسي منسجمًا ولا متفقًا على أجندة سياسية موحدة، وهو مجلس فرضه الأشقاء بهذه الصيغة المشوهة”

وأرجع التميمي في تصريحه لـ”المشاهد” أسباب وضع هذه الصيغة المشوهة من الشراكة، إلى “الرغبة” في تعطيل القدرة السيادية للسلطة الشرعية

وتحييدها تمامًا عن القيام بواجباتها، وفي مقدمتها إنهاء الانقلاب

ولفت إلى أن هناك ما هو أهم من الرغبة بتعطيل قدرة الشرعية، وهو التوجه لتمكين الحوثيين

مشيرًا إلى أن ذلك كان قبل أن تطرأ التحولات الأخيرة في المنطقة بعد طوفان الأقصى

يتساءل كثيرون عن الآليات التي يمكن للانتقالي من خلالها فرض نفسه وقضيته رغم مماطلة الشركاء وممارسة الإقصاء والتجاهل بحقه

ويعلِّق الباحث السياسي صالح باراس على ذلك بالقول: “لا شك أن الانتقالي يعمل في ظروف سياسية معينة تمر بها المنطقة

تجعله يراعي التدخلات الإقليمية والدولية”

ويواصل: “ومع ذلك فالانتقالي يمتلك أيضًا أوراقًا عديدة تمكنه من فرض قضيته على كافة الأصعدة والمستويات

لكنه لا يستخدم تلك الأوراق لأنه شريك للتحالف العربي والعالمي في مواجهة مشروع إيران

بالإضافة إلى جهوده في محاربة الإرهاب، وهي ملفات تهم دول التحالف ودول العالم

من جانبه، يتصور المحلل السياسي، ياسين التميمي، أن المجلس الانتقالي لم يفرض نفسه، بل تم فرضه من قبل الداعمين الإقليميين

معتبرًا أن “من وضعوه في سدة السلطة وأنتجوا اتفاقًا عبثيًا اسمه “اتفاق الرياض”، ودعموه عسكريًا؛ أنتجوا انقلابًا جديدًا”، حد وصفه

ويزيد: “لكن الأمر لم يصل بعد إلى حد تقويض الدولة اليمنية وفرض الانفصال، بحسب التميمي

ويصبح هنا الحديث عن الإقصاء والتهميش واستدعاء المظلومية ضربًا من العبث والمراهقة السياسية”

التميمي وصف قرارات عيدروس الزبيدي بأنها “ضرب من العشوائية” و”الجهل بالقواعد الناظمة للدول” و”للماركات السلطوية”

حيث أن الزُبيدي ليس مخولًا دستوريًا وقانونيًا بإصدار هذه القرارات

سط هذه الصراعات والتصدع الحاصل في بنيان الشرعية، يقيّم باراس دور التحالف العربي “السعودية والإمارات” وموقفهما تجاه خلافات “الحكومة والرئاسي”

موضحًا أن دورهما إيجابي وهام منذ انطلاق عاصفة الحزم، ولولا ذلك التدخل لأصبحت معظم الأراضي تحت سيطرة الحوثيين ومن يدعمهم

وبالتالي فدور الأشقاء اليوم يأتي في إطار محاولة توحيد الجهود ضد المخاطر التى تشكل تهديدًا واضحًا وصريحًا لأمن واستقرار المنطقة

بينما يرى التميمي أن أي مراقب يمكن له أن يلمس أثر هاتين الدولتين في تحريك ما أسماها بـ”الدمى”، والإمساك بزمام الأمور

منتقدًا ما وصفه بـ”التعايش العجيب” بين قيادات تتصرف على الضد من الوفاق وتعبث بتقاليد الحكم

واختتم ياسين التميمي حديثه بتوقعاته حول تداعيات بيان الانتقالي وقرارات الزُبيدي

مبيًنًا أن هذه القرارات رغم خطورتها؛ لكنها لن تدفع بالأمور خارج السيطرة

واستدرك: إلا إذا شهدنا انعكاسها في العلاقة بين دولتي التحالف اللتين تضمنان بقاء سلطة بكل هذه التشوهات دون أن تسقط

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير