صحفي رياضي ينتقل للعمل في “تشطيب” البناء
منذ 2 سنوات
هيثم طالب الحيدري، شاب عشريني، لطالما كانت الصحافة الرياضية هوسه وعشقه وطموحه، تعلق بها من باب حبه للرياضة ولكرة القدم منذ طفولته، ليعمل بكل الوسائل على تعلم أبجدياتها ومداخلها ومبادئها، لكن الواقع الصعب للصحافة في اليمن أجبره على الإنتقال إلى مهنة أخرى لتأمين مصدر معيشته
سار هيثم بخطوات متسارعة من أجل تحقيق حلمه بالعمل كصحفي رياضي، حيث استغل مواقع التواصل الاجتماعي ليشبع رغبته ونهمه بها، وشارك في العديد من الدورات التأهيلية الإلكترونية
استطاع كذلك تكوين علاقات متينة مع صحفيين رياضيين محليين وعرب، فضلًا عن تربيطه بشكل جيد مع وكلاء لاعبين محترفين، ومدربين، في العراق والأردن ومصر والمغرب وليبيا وعمان
وبسرعة الصاروخ تعلم هيثم كافة أشكال الفنون الصحفية، وعمل بتفانٍ وإخلاص على مواكبة كل الأحداث المتعلقة بكرة القدم في اليمن والوطن العربي، وكان مراسلًا فذًا للعديد من الصحف والمواقع المحلية والعربية، ومحررًا في لجان إعلامية خاصة بتغطية الأحداث الكروية المحلية
لم يكن هيثم المولود عام 1998 في مديرية فرع العدين بمحافظة إب، يتوقع أن يصطدم بالواقع المرير والبائس للصحافة الرياضية، والوضع الرياضي في اليمن، ليقرر تركها بعد ثلاث سنوات، في تجربة لم يقدر لها النجاح
ليس هيثم وحده من ترك الصحافة في اليمن، فقد وثق مركز الخليج لحقوق الإنسان أربع حالات لصحفيين يمنيين اضطروا للإنتقال إلى مهن أخرى
اتجه هيثم تاركًا الصحافة الرياضة وأحلامًا وأمنيات لم تتحقق، ليعمل في مهنة تشطيب الجدران “التلييس”، وفي قلبه ألف غصة من الواقع الذي اصطدم به
تحدث هيثم لـ”المشاهد”، بحرقة وألم، قائلًا: تركت الصحافة، واتجهت للعمل في “التلييس”، لأني لم أجد في الصحافة الرياضية ووكالة أعمال اللاعبين، غير الضياع وإهدار الوقت دون فائدة”
واعترف بأنه يجد في العمل بالتلييس راحة نفسية أنسته سنوات الضياع واليأس والإحباط، التي شاهدها في الصحافة الرياضية، قائلًا: وجدت في العمل بالأجر اليومي، راحة نفسية كبيرة”
وأضاف: “الصحافة لا تؤكّل عيشًا، وجميع الزملاء يعرفون ذلك، لذلك كان لزامًا عليَّ تركها ومغادرة صنعاء للعمل في المكلا”
وتابع: عندما تركت قريتي قبل سنوات، قصدت صنعاء من أجل تكوين علاقات مهنية، مع الإعلامين واللاعبين والمدربين في أندية صنعاء، حصلت على فرصة للعمل كمتعاون في إعلام نادي وحدة صنعاء، وشاركت في مواكبة البطولات التي ينظمها النادي سنويًا، وكنت أعتقد أني حققت بعض طموحاتي، لكني اكتشفت بعد ذلك وقوفي عند النقطة صفر”
يتحسر هيثم على الأيام التي قضاها بالعمل الصحفي قائلًا: في سنوات عملي كصحفي رياضي ووسيط انتقالات لاعبين، لم أحصل على مقابل مادي يغطي مصاريفي الشخصية، فقررت دون تردد السفر إلى المكلا، والتحقت بأشقائي، حتى أكون بجانبهم لمساعدتهم في العمل وتوفير مصاريف شخصية لي ولأسرتي”
على غير المتوقع، تعرض هيثم للتنمر من المجتمع في قريته، حيث كانوا يسخرون من عمله في الصحافة الرياضية، ويطلبون منه الاتجاه للعمل مع إخوانه، في مهنة التشطيبات المنزلية
يقول هيثم: مسألة عدم تقبل المجتمع الذي أعيش فيه للعمل كصحفي رياضي، ليست غريبة
المجتمع الريفي لا يفرق بين الصحافة أو أي عمل آخر، كل ما يهمهم أن تكون في عمل تحصل على عائد مادي يمكِّنك من الزواج ومساعدة والدك في تحمل نفقات الأسرة، وعلى هذا الأساس تعرضت للتنمر من قبلهم”
يقول هيثم: “السواد الأعظم في قريتي وصفوا عملي الصحفي بـ… والضياع”
وفي هذا الصدد يقول مركز الخليج لحقوق الإنسان أن الصحفي في اليمن أصبح هدفا لجميع الأطراف العسكرية والمدنية حتى ولو كان يغطي الأنشطة الرياضية فقط
“حتى لو كان صحفيا رياضيا، فإنه سيكون حتما هدفا للاتهامات وربما المضايقات الأمنية والممارسات المؤذية، سواء بشكل رسمي أو تعسفي من قبل أفراد المجتمع
”مضيفا “وبعبارة أخرى، يمكن للمدنيين أو العسكريين ارتكاب انتهاكات ضد الصحفيين دون سبب، سوى قيامهم بالعمل الميداني، وغالبا دون محاسبة
”منوها “بمجرد أن يعرف نفسه/نفسها بأنه صحفي/صحفية، عليه أن يخشى رد فعل الشخص الآخر، الذي سيبدأ في إلقاء اللوم على الصحفي لكونه سبب ما يحدث بسبب الصحافة الناقدة لفساد السلطات وأدائها
”وأبدى هيثم راحة نفسية كبيرة عند حديثه عن العمل في “التشطيب” يقول: على الرغم من عملي لوقت يصل إلى 12 ساعة يوميًا، أعيش هادئ البال، نفسيتي طيبة، أتقاضى 12000 ريال يوميًا، أي ما يعادل 5 دولارات، أستهلك منها صرفتي اليومية، أوفر ما تبقى منها، وهذا لا يهمني، الابتسامة لا تفارقني، أقضي يومي بكل سعادة وأريحية رفقة أشقائي وأبناء قريتي، الأجواء في هذا العمل عائلية، وأنا مغرم بها”
واستثنى هيثم بعض الجوانب المشرقة من حالة البؤس التي واجهها في العمل الرياضي، وذكر منها العلاقات الواسعة التي كوَّنها على المستويين المحلي والعربي، قائلًا: في الحقيقة لم تقتصر علاقاتي على المستوى المحلي، وساعدني شغفي وحبي بكرة القدم، في تشبيك علاقات مع زملاء صحفيين ووسطاء لاعبين ومدربي فرق كروية ونجوم كبار في العراق وعمان وسوريا وتونس والأردن
وواصل حديثه: نجاح علاقاتي في تلك الدول، كان عبر التواصل الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي، قدمت نفسي لهم بأفضل طريقة، بدأت بالصحفيين، وعندما توطدت علاقتي بهم، مهدوا لي الطريق للتعرف على المدربين والنجوم والوسطاء، الأمور تمت بهدوء وسلاسة
وبين هيثم أن علاقاته الوطيدة مع كل تلك الجهات جعلته يستخدمها في التسويق للاعبين يمنيين مميزين، للأندية والمدربين والوسطاء، مؤكدًا أن ثقتهم الكبيرة أسهمت باحتراف نجوم يمنيين في عدة دوريات عربية
وقال: حرصت على كل فرصة ومناسبة لتسويق أبناء بلدي في العراق ومصر والمغرب وليبيا، لم أنظر للجانب المادي مطلقًا، ما كان يهمني هو مساعدة بعض اللاعبين المميزين على خوض تجارب احترافية يستفيدون منها فنيًا وماديًا”
وأضاف: “أسهمت بنسبة 90% من احتراف نجم المنتخب اليمني أحمد السروري في المغرب، وفرشت طريق احتراف عمر الداحي للمغرب بالورود، لكنه فضل اللعب في أسوان المصري، وكان هذا بمساعدة صديق لي في المغرب، ووضعت لجهاد عبدالرب ومحمد الداحي اسمًا في العراق، حيث خاضا أول تجربة ناجحة مع نادي سامراء، كما قدمت جلال الجلال لنادي القاسم ولعب لهم الموسم السابق، وكانت تجربة احتراف حمزة الريمي في الدوري الليبي هي آخر أعمالي التسويقية
”رغم انقطاع هيثم عن العمل الرياضي، إلا أن استضافة العراق لبطولة خليجي 25، أعادت ذاكرته قليلًا إلى الوراء، لاسيما مع تواصل أصدقائه العراقيين معه، وطلبهم سفره إلى البصرة، حيث يعتبرونه واجهة مشرقة لكرة القدم اليمنية هناك
وبنبرة تملؤها الحسرة قال هيثم: منذ أيام تلقيت وابلًا من الرسائل من أصدقائي في العراق، طلبوا مني السفر إلى البصرة، وحضور بطولة الخليج، البعض قال لي إن بطولة الخليج ستفتح لي آفاقًا جديدة، وعلاقات واسعة، هم لا يعرفون أن الصحفي الرياضي في اليمن لا يملك عملًا وراتبًا، وغير قادر على شراء تذاكر السفر وتأمين نفقات الإقامة هناك
وأضاف: بعض منهم قال لي وفر تذاكر السفر، نحن هنا سنتكفل بالسكن والتغذية، اعتذرت لهم مجبرًا، لا أستطيع توفير تذاكر السفر، قيمة التذكرة الواحدة تتعدى 1000 دولار، ودخلي 5 دولارات في اليوم، حضور خليجي البصرة كان حلمًا لي، وعدم السفر قتل آمالًا كبيرة بداخلي، نهاية كنت أتوقعها”
ليصلك كل جديد