صخر العرامي : سقوط الطاغية: كيف دفعت عزلة يحيى وجموده اليمن إلى الانفجار في 1948

منذ 4 ساعات

صخر العرامي سقط يحيى قتيلا في سنة 1948 لحقيقة بسيطة مفادها أنه رفض الإرتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في تحديث الإمامة، ولإعاقته تنمية اليمن، ولكونه نخبويا وطاغية، كان دافعه هو التقييد والسيطرة حيث كان يعتقد أنه أحد أبناء فاطمة بن النبي محمد، وأنه يفعل إرادة الله في الأرض

أغلق يحيى اليمن وكان يحاول إدارتها وكأنها بيته، كان يحب تكديس الدولارات الفضية البريطانية بجشع غير مبرر ويمنعها عن الأطفال والمتسولين، ويظهر بمظهر التقي والمتواضع وصاحب المعجزات العلاجية، كل شيء كان يتعلق بمن هم تحت سلطته من تعليم وصحة وحتى زواج وخلافات الأراضي والسفر إلى موافقته، ولم يكن يقبل النصح، يشهد أحد زوار قصره وهو العربي السوري أمين الريحاني أن حكومة يحيى كانت مكونه من رجل واحد هو يحيى نفسه، ووثق الريحاني أنه شاهد في فناء قصر يحيى نمر وضبع في قفص وهو منظر غير باعث على الإعجاب والإرتياح

كان يحيى يتجول حول صنعاء بعربة تجرها الخيول أو بسيارة فورد سوداء أمريكية أهداها له البريطانيين، كانت صنعاء مكان كريه الرائحة وكانت تظهر آثار مياه الصرف الصحي على جدران البيوت وأكتشف أحد الزوار بأن براز البشر كان يُباع ويحمل على الحمير لتسخين الماء في حمامات المدينة، وكانت تلك الرائحة مسؤولة عن أن نساء صنعاء كُن يضعن الورد وغصون الريحان خلف آذانهن حيث تتدلى إلى امام الحجاب الذي يرتدينه

بعد رحيل العثمانيين تركوا في صنعاء مدرسة للبنات قام يحيى بإغلاقها فورا، وطلب من الأتراك أن يتركوا بعض الطباخين والموسيقيين المدربين في ألمانيا

كان يحيى في حرب مُعلنة مع الأدارسة في عسير وحرب سرية مع الشافعيين في تهامة، وفي حرب موسمية مع حاشد وبكيل ومع قبائل محيط عدن، وفي حرب أخرى مع أولاد عمه من الهاشميين الطامحين للكرسي، مما يوضح أن الأريكة الملكية لليمن غير ناعمة إطلاقاً

لم يستطيع يحيى تحييد أكثر خصومة حرب له وهم أهل تهامة (الزرانيق) مما حدا به إلى استعمال القوة الغاشمة والذبح ضدهم حتى عام 1925

أما اتحاد قبائل حاشد وبكيل فكانت تتمرد بشكل متقطع حتى أنها تحالفت مع حاكم عسير الإدريسي، وكان يحيى يخاف قوتهم فلم يفرض عليهم الضرائب تارة، وتارة أخرى كان يأخذ أبنائهم كرهائن حتى أنه أخذ منهم 4000 الف رهينة بعضهم في سجونه وعدد قليل منهم أحتفظ بهم كخدم في قصره

عرضت شركة فورد الأمريكية بناء شبكة طرق كاملة في اليمن مقابل استيراد سيارات فورد فقط وهو العرض الذي قوبل بالرفض من طرف يحيى، كما رفض تنقيب الشركات عن النفط في اليمن، ورفض عروض الشركات الفرنسية لإحياء ميناء المخا، وشراء كميات كبيرة من القهوة

كان وزير خارجية يحيى هو الدبلوماسي التركي راغب بك، لقد أدرك راغب بك أن أفضل السبل لوضع اليمن على المسرح العالمي وكل ما يمكن لدولة فقيرة وغير مهمة مثل اليمن أن تفعله هو التحالف مع اي دولة مستعدة لتقديم المساعدات المادية دون شروط

ولم يكن يحيى يقدر جهوده، وفي أحد المرات خلال مفاوضات مع مبعوث أمريكي دفع يحيى راغب الى الاستقالة، حيث يشهد المبعوث الأمريكي ذلك المشهد، وصلت المفاوضات مع يحيى إلى طريق مسدود بعد 17 يوم من التفاوض لأن يحيى رأى أنه من الأفضل استبدال راغب بك بأحد أولاده الذي لا يعرف اي شيء عن الدبلوماسية، وكان راغب يبكي ووبخ يحيى بألفاظ غير محترمة لأنه دمر التحفة الدولية للدبلوماسية اليمنية التي عمل بجهد من أجلها، فتسلل أحد حراس يحيى الى خلف راغب وأستل جنبيته منتظرا إشارة من يحيى لقطع حلق راغب بك، لكن يحيى لم يعطي تلك الإشارة

تأسف التركي بشدة على قراره بالبقاء في اليمن وأشتكى إلى زائر أجنبي أنه يشعر أنه محاط بأشخاص أشرار في القصر لا يتبادلون الحديث ويملؤون ساعات كسلهم بمضغ القات

مع خروج امريكا وبريطانيا من قائمة تحالفات المملكة لم يكن امام وزير الخارجية راغب بك سوى توجيه يحيى تجاه القوى الاستبدادية الصاعدة ممثلة بإيطاليا الفاشية وألمانيا النازية

‏في 1927 سافر أحد أبناء يحيى وراغب إلى روما لمقابلة موسوليني، بعد ذلك وصلت بضع طائرات إيطالية إلى صنعاء وبعد ذلك وصلت طائرتين ألمانيتين، وحدث أن اصطدمت الطائرتين ببعضهما البعض مما أسفر عن مقتل الطيارين وأثنين من الهاشميين، ووصل بعد ذلك مجموعة من الأطباء كانوا حكرا على القصر

ووصلت بعثة سوفيتية كبيرة من الأطباء وخبراء الطيران إلى صنعاء واعترف الاتحاد السوفيتي باليمن كمملكة مستقلة بموجب اتفاقية عام 1928، وبدأت تتدفق المنتجات الروسية إلى اليمن، وبعد تولى ستالين للحكم أستدعى البعثة وأعدمهم جميعا ما عدا أثنين

وفي 1937 زار مبعوث موسوليني صنعاء ووقع معاهدة صداقة، وأرسل هتلر 50 الف بندقية إلى يحيى مقابل الذهب

كانت اليمن تدار بواسطة عائلة يحيى المكونة من أولاده، وتمرد على التقاليد الزيدية من خلال اعلان ابنه احمد وليت للعهد وخليفة له، وأنشاء جيشه الخاص بدون الإعتماد على الدعم القبلي لحكمه، وقد أساء بهذا إلى ركنين اساسيين من أركان الزيدية:1- الأسر الهاشمية التي كانت تحلم باستبداله

2- قبائل المرتفعات الشمالية التي جعلها زائدة عن الحاجة

كانت عقول وعضلات اليمن الزيدية مضطربة بسبب تصرف يحيى هذا

وكان هناك شابين بدأوا في اتخاذ خطوات عملية لإحباط خطة يحيى لتوريث حكمه لولده احمد، وهما الشاعر والقاضي الزبيري الزيدي من خلال محاولة إقناع الإمام بالحجة الفكرية، ولكن محاولاته هذه أدت إلى سجنه لمدة 9 أشهر ،والثاني احمد نعمان، أدت محاولاتهم إلى نتائج محبطة مما جعلهم يغيرون استراتيجيتهم من النصح إلى الهجوم وهاجروا إلى عدن مما جعلهم يحصلون على التمويل والدعم من 25 ألف مهاجر سني من أهل تعز وإب والإستفادة من الصحافة في مستعمرة عدن

وفي عام 1943 ولد حزب الاحرار اليمني برئاسة نعمان والزبيري، فقام يحيى بشن عملية انتقام مروعة وزج بمئات أهل المرتفعات الجنوبية السنة في السجون، ومن ناحية أخرى لم يدعم البريطانيين الحركة لأن عدن كانت تعتمد على الغذاء المستورد ‏من الشمال لإطعام الأعداد الهائلة من القوات العابرة من والى المستعمرة إلى مختلف المسارح العالمية المختلفة للحرب العالمية الثانية

بدأت الحركة الثورية تكتسب زخما حقيقي مع تأسيس صحيفة صوت اليمن في 1945 لدرجة أنه عندما زار ولي العهد أحمد عدن في 1946 تعهد بقتل نعمان والزبيري، أتى توعد احمد بقتلهما بنتائج عكسية حيث أكسبتهما دعاية ممتازة، وهربا من المدينة خلال زيارة احمد، ولكن سرعان ما اتخذت الأمور منعطفا مهما حيث تظاهر الأبن التاسع ليحيى، ابراهيم البالغ 30 عام(والذي كان يشرب الويسكي وقضى سنوات في أحد سجون أبيه) بأنه في حاجة إلى خبرة طبية من أجل الإنشقاق عن والده إلى عدن والإنضمام للحركة، وفي الوقت نفسه تشكلت حركة معارضة سرية في صنعاء وكانت تتألف من السنة الجنوبيين من اب الذين كانوا قضاة وإداريين، كما كانت مجموعة من العلماء والعسكريين الذين ارسلهم يحيى الى العراق للتدريب وبعض مشايخ القبائل البارزين متعاطفين مع حركة الأحرار اليمنيين

كان حفيد الأمام الذي سبق يحيى وهو من بيت الوزير وهو مستشار مقرب سابق ليحيى وصديق مقرب لنعمان يدعى عبدالله الوزير، ظهر كبديل مناسب ليحيى، ليكون أماما دستوريا وقد خطط مع آخرين لإغتيال يحيى

في صباح يوم 17 فبراير 1948 كان يحيى مسافر مسافة قصيرة بسيارته مع اثنين من وزرائه وأثنين من الجنود وأربعه من أحفاده، وظف الثوار على يحيى رجل قبلي فقد أحد عينيه ومعظم أنفه وسجنه يحيى قبل عشرين عاما لقيادة الهجوم وهو الشيخ علي ناصر القردعي

وفي نقطة ضيقة من الطريق تعرض موكب يحيى لوابل من إطلاق النار، وأصيب بخمسين رصاصة وجدت آثارها في جسده

وهكذا انتهت فترة يحيى الذي تولى السلطة عقب تهديد أحد مشايخ حاشد في أحد الإجتماعات أن من لم يبايع يحيى سيقوم بذبحه بيده