صراع على مياه كبريتية للسياحة العلاجية في الضالع
منذ 13 ساعات
الضالع- ماجد عليأثارت أعمال الحفر التي تنفذها السلطات التابعة لجماعة الحوثي، منذ بداية يوليو الجاري، بالقرب من موقعٍ للسياحة العلاجية غني بالمياه الكبريتية الساخنة، في مديرية دمت، بمحافظة الضالع (جنوب اليمن)، غضب وقلق السكان المحليين
ويتم تنفيذ الأعمال الجارية هناك باستخدام معداتٍ ثقيلةٍ في الطبقات الرسوبية المحيطة بالفوهة البركانية، التي تعرف محليًا باسم “حرضة دمت”
حيث اعتبر السكان هذه الأعمال انتهاكًا لأحد أبرز المعالم السياحية في اليمن
ووَفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (135) لسنة 2004، فقد نصّ في المادة (2) على تحديد نطاق منطقة التنمية السياحية العلاجية في مدينة دمت بدائرة نصف قطرها 10 كيلومترات مركزها “حرضة الشولة”
كما نصّت المادة (6) من القرار ذاته على أنّ الأراضي الواقعة ضمن هذا النطاق مخصصة فقط للاستثمارات السياحية العلاجية
ويمنع استخدامها لأي أغراضٍ تتعارض مع هذا التوجه
ويعزز هذا تعميمٌ صادر عن حكومة جماعة الحوثي بصنعاء عام 2023 ينصّ بعدم السماح لأي أعمالٍ في المنطقة ذاتها، بما في ذلك تنفيذ أي أعمالٍ إنشائية أو استحداثات من شأنها تشويه المنظر الطبيعي والسياحي للموقع
وبحسب حلم أخضر، موقع يمني مهتم بتغطية قضايا البيئة في اليمن، فإنّ الفوهة البركانية في دمت، والمعروفة محليًا بـ”حرضة دمت”، هي ظاهرة جيولوجية نادرة ومميزة جدًا، إذ تختلف عن الفوهات البركانية التقليدية في العالم
عادةً ما تكون الفوهات البركانية مخروطية الشكل، تتسع قاعدتها وتضيق من الأعلى، أما فوهة دمت فتتسع من الأعلى وتضيق كلما اتجهنا إلى الأسفل، وهو ما يجعلها “فوهة بركان نشأت بالمقلوب” وتعتبر إعجازًا جيولوجيًا، وَفقًا للمصدر نفسه
ويبلغ قُطر “حرضة دمت” حوالي 50 مترًا، وعمقها يصل إلى نحو 120 مترًا، مع ارتفاع يصل إلى حوالي 100 متر، ومساحة قاعدة تقدر بمائتي متر مربع
وهي أكبر فوهة من بين سبع فوهات بركانية، تسمى محليًا “حرضات”، منتشرة في المنطقة، والتي تشكل هضابًا كلسية مخروطية مجوفة تحتوي على مياهٍ كبريتية ساخنة تغلي بشكل دائم، وَفقًا لموقع حلم أخضر
إلا أنّ تجاوزاتٍ عديدة طالت هذه المنطقة المحمية، وبلغت ذروتها مع مشروع هيئة المساحة الجيولوجية التابعة لوزارة النفط والمعادن في صنعاء
وحسب مذكرة صادرة عن الهيئة نشرها المحامي عبد الجليل الغرباني، مؤرخة بتاريخ 16 يونيو 2025، تخاطب الهيئة الجهات المعنية المحلية بالتعاون معها لتنفيذ “بدراسة جيولوجية لمعرفة تركيب الصخور ومحتواها من الكبريت المؤثرة على المياه الحارة في الصخور المحيطة بالفوهات البركانية، لا سيما الفوهة الرئيسية (الحرضة) الواقعة في مدينة دمت
”إلا أن الغرباني كتب منشورا على صفحته في الفيسبوك في 8 يوليو 2025، يقول أن العمل الجاري هو لحفر بئر ارتوازية لمد أحد الفنادق في مدينة دمت بالمياه الكبريتية
ويقول سكان دمت إنّ ما تقوم به السلطات اليوم يعد من أخطر الانتهاكات بحق الموقع، نظرًا لحجم الضرر الذي يلحق الطبقات الرسوبية الفريدة وقربها من مركز الفوهة؛ الأمر الذي اعتبروه عبثًا يهدد أحد كنوز المدينة السياحية
تتميز مدينة دمت، الواقعة شمال محافظة الضالع بوجود ينابيع مياه كبريتية حارة تنبع من فوهات بركانية خامدة تعرف محليًا بـ”الحرضة”
تعد هذه الينابيع واحدة من أبرز الوجهات السياحية العلاجية في اليمن
ويعتقد السكان أنّ هذه المياه تشكل علاجًا من أمراض المفاصل والجلد والجهاز التنفسي، ويقصدها الزوار من مختلف المناطق للاستجمام والتداوي
رصد معد التقرير لمنصة “المشاهد”، هذا الأسبوع منشوراتٍ غاضبة للعديد من النشطاء المحليين ضد الأعمال الجارية بالقرب من الفوهات البركانية
نجيب الغرباني، ناشط محلي، عبّر في منشوراته، عن رفضه القاطع لأعمال الحفر التي تنفذها السلطة المحلية بمعداتٍ ثقيلة في فوهة “حرضة دمت” البركانية، والتي تعد من أبرز المعالم الطبيعية في اليمن
وحمّل الغرباني محافظ محافظة الضالع التابع لحكومة جماعة الحوثي في صنعاء المسؤولية المباشرة عما وصفه بـ”العبث” الذي يطال المعلم السياحي لمديرية دمت، داعيًا إياه إلى تقديم تفسيرٍ علني وواضح للمشروع الجاري تنفيذه، والذي لم تكشف تفاصيله حتى الآن، وسط تكتّمٍ رسمي
وفي منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، وجّه الغرباني نداءً إلى أبناء المنطقة، لا سيما المثقفين منهم، بعدم التزام الصمت إزاء ما يجري، مؤكدًا أنّ “ما يحدث لا يجب السكوت عنه، بل ينبغي للجميع أن يكتبوا عنه ويطالبوا بتفسير منطقي لما يجري”، حد وصفه
وأضاف: “الصمت عمّا يجري في الحرضة يعد تخليًا عن المسؤولية، وتمكينًا لتماسيح المال العام من التهام هذا المعلم الطبيعي، في وقتٍ يتصرف فيه البعض وكأنّ الأمر لا يعنيه؛ ليعود لاحقًا ويُجسد دور الضحية”، بحسب تعبيره
نجيب الغرباني، ناشط محلي: “الصمت عمّا يجري في الحرضة يعد تخليًا عن المسؤولية، وتمكينًا لتماسيح المال العام من التهام هذا المعلم الطبيعي، في وقتٍ يتصرف فيه البعض وكأنّ الأمر لا يعنيه؛ ليعود لاحقًا ويُجسد دور الضحية”، وطالب الغرباني كافة أبناء دمت بالوقوف صفًا واحدًا لمطالبة المحافظ بالكشف عن طبيعة المشروع الذي يجري تنفيذه في الحرضة، والذي وصفه بـ”اللغز الغامض” في ظل غياب الشفافية والمساءلة
لا يتوقف العبث عند فوهة دمت البركانية في جرف الطبقات الرسوبية، بل يمتد إلى أعماق الأرض، حيث تواجه المدينة تهديدًا جديدًا يتمثل في توسع أعمال حفر الآبار بشكل عشوائي؛ ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الكبريتية في “الحرضة” التي تشتهر بها المدينة
وقد أثار منح ترخيصٍ جديد في مايو الماضي، لحفر بئرٍ ارتوازية على مقربة من الفوهة البركانية موجة استياءٍ واسعة في أوساط المجتمع المحلي، خاصةً أنّ القرار الصادر عن مجلس الوزراء يحظر مثل هذه الأعمال في المناطق البركانية الحساسة، نظرًا لتأثيرها المباشر على التوازن الحراري والمائي في باطن الأرض
يقضي قرار مجلس الوزراء رقم (135) لسنة 2004، بمنع أي أعمال حفرٍ في المنطقة السياحية العلاجية المحيطة بحرضة دمت، ضمن نطاقٍ قُطره عشرة كيلومترات، مركزه حرضة الشولة أي “حرضة دمت”
إلا أنّ هذا التعميم تم تجاهله مؤخرًا، حيث تم منح تصاريح للحفر في المنطقة بالرغم من الحظر
في هذا السياق، علّق الناشط زمام الجبلي في “ملتقى أبناء دمت” على الـ”فيسبوك”، واصفًا الترخيص الجديد بأنه “كارثة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي طالت الحرضة”، مشيرًا إلى أنّ البئر المرخّصة التي يتم حفرها تقع في موقعٍ حساس أسفل جسر عامر بن عبدالوهاب بمدينة دمت
الدكتور محمد متاش، مستشار القائم بأعمال رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اليمنية، في حكومة عدن: “مشكلتنا الدائمة في هذا البلد ليست في غياب القوانين، بل في وجود المتنفذين، والجهل القاتل، والهمجية التي تعبث بكل ما هو ثمينٍ دون وعي أو محاسبة”
الدكتور محمد متاش، مستشار القائم بأعمال رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اليمنية، في حكومة مجلس القيادة الرئاسي بعدن، قال في حديث خاص لـ “المشاهد” إن أي أعمال حفرٍ بالقرب من الحرضة من شأنها التأثير المباشر على منسوب المياه في الحوض الحراري، موضحًا أنّ غاز ثاني أكسيد الكربون المصاحب لهذه المياه يلعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على ضغط الطبقة الأرضية، وأنّ تسرّب هذا الغاز بفعل الحفر سيؤدي تدريجيًا إلى فقدان الضغط، وبالتالي جفاف العيون واختفاء المياه مع مرور الوقت
وأضاف: “قدّمنا عشرات النصائح والبلاغات أمام مسؤولين محليين، وكنّا دائمًا نوصي بضرورة الحفاظ على الموقع كاملًا، ومنع البناء أو الاقتراب من أذرع الحرضة، سواءً الكبيرة أو الصغيرة؛ لما لها من أهميةٍ علمية وسياحية، فهي تحفة ربانية ومورد طبيعي نادر”
وختم حديثه بالقول: “مشكلتنا الدائمة في هذا البلد ليست في غياب القوانين، بل في وجود المتنفذين، والجهل القاتل، والهمجية التي تعبث بكل ما هو ثمينٍ دون وعي أو محاسبة”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير