صعود إلى القمة

منذ 2 سنوات

من يعرف اليمن بطبيعتها وتضاريسها الجبلية يدرك حجم المعاناة التي يعيشها سكان المناطق الريفية في الوصول الى منازلهم سيرا على الأقدام لسوء الطرق وصعوبة سير المركبات عليها في كثير من القرى الجبلية والنائية

بداية العام ٢٠٢٢ عُقد اجتماع قروي للشباب في قرية شعب الأغبر بمنطقة وادي الماء بمديرية شرعب الرونة، شمال محافظة تعز لبحث حلول لتعديل الطريق المتجه صوب القرية الواقعة في اعلى الجبل بسبب مخاطرها على سلامة السكان

يقول شهاب  أحد السكان في قرية شعب الأغبر شاهدنا الكثير من المناطق في مديرية الرونة قامت بتعبيد الطرقات الفرعية الواصلة الى القرى الجبلية ونحن مازلنا من زمن بعيد نحمل المواد التي تلزمنا على ظهورنا لإيصالها لمنازلنا،  وقد حان الوقت لانهاء تلك المعاناة شبه اليومية، فالحلول باتت حاضرة في الجوار ويمكننا تكرارها في القرية

ويضيف ” خلال اجتماع مقيل ابناء القرية المعتاد في المناسبات ناقشنا معا بشكل تفصيلي الاحتياجات والتكاليف لتنفيذ المهمة “

في اليوم التالي قُدم كشف للتبرعات الى منازل القرية المستفيدة والتي يبلغ عدد سكانها اكثر من 200 نسمة لدفع مبالغ تعاونية من كل منزل  تستخدم لغرض تنفيذ مشروع تعبيد الطريق الفرعي فتفاعل الناس بعد طول انتظار

ويضيف تم تشكيل لجنة لادارة واخرى لادارة وتنفيذ العمل  وتم شراء مواد الأسمنت والنيس و ايصالهم على أكتاف الشباب والشروع في العمل من قبل جماعة من شباب وشيوخ من ابناء القرية توفرت خلالها الخبرات والجهود

الشاب الأربعيني “محمد سيف” واحد من فريق توفير الأحجار من الجبل وجمعها ونقلها بعربة يدوية الى مكان قريب يتم بعدها بمساعدة فريق اخر حملها على الأكتاف وايصالها الى منطقة العمل في كل جزء من الطريق

يقول: “نحو 30 شخصا شكلوا فريق العمل الطوعي وتوزعوا مهام الانجاز ومراحله”

لم يكن العاملون من أبناء القرية يجهدون أنفسهم طوال النهار بل اقتصر العمل خلال  الفترة بين الثامنة صباحا والثانية عشرة ظهرا ليعود كل الى منزله  لتناول وجبة الغداء والاستراحة ومن ثم العودة للعمل صبيحة اليوم التالي وهكذا دواليك

مرت افكار فردية كثيرة فاشلة خلال مراحل سابقة قبل التوصل الى رؤية جماعية واضحة وخطة عمل محددة، الامر الذي تسبب في ظهور معارضين للفكرة مخافة ان تلحق بسابقاتها لكن وجود الرؤية والخطة ساهم في الخروج من امنيات الحلول الى تنفيذها

 ظل البعض على موقفه المعارض بداية حتى بدأ تنفيذ العمل رابع أيام عيد الفطر الفائت الذي مثل فرصة مناسبة لتواجد الشباب في القرية فبدأ العمل بوتيرة متتالية ليتم رصف مايزيد عن خمسمائة متر مربع صعوداً عبر الجبل في ٢١ يوماً

يقول حمود 50 عاما “كنت معارضا للفكرة بناء على فشل محاولات سابقة لكن عشرة ايام كانت كافية لاقناعي بالانضمام للعمل والمساهمة بخبرتي في دعم استمراره لقد كان الانجاز ظاهرا وملموسا هذه المرة”

مصطفى احد أبناء القرية يقول لم تسر الأمور في البداية وفق الخطة التي تم إعدادها حيث واجهنا بعض العقبات والصعوبات

موضحا: ” أثناء العمل في بناء الجدران الساندة للطريق في بعض المناطق المنحدرة خرج بعض أبناء القرية  مطالبين بايقاف العمل في ذلك المنحدر كونه يعد “ساقية ماء” للأراضي الزراعية التابعة لهم فتوقفنا عن العمل مدة يوم واحد حرصنا خلاله على تفهم شكواهم وعمل بدائل مرضية لهم تمثلت في اجراء تحويل سلس لممر المياه يضمن التدفق الى مزارعهم فقبلوا بتلك الحلول وعاود الفريق العمل”

حاجة القرية الى تعبيد الطريق وضمان وصول وسائل النقل الى المنازل الواقعة في قمة الجبل مطلب جماعي من قبل اهالي القرية وهو ما حقق دعما جيدا لتخطي الصعوبات وانجاز العمل يقول بعض الاهالي

ويضيف احدهم” لانريد ان تتكرر معاناتنا مع ابنائنا” ابراهيم سيف احد المستفيدين يقول: “كان حلما أن أصل بدراجتي النارية الى أمام منزلي في اعلى الجبل في وقت يصعب حتى وصول الحمير المستخدمة في نقل الاغراض الى هناك بسبب ضيق ورداءة وصعوبة الطريق

 ويضيف “لم أعد اخشى كيفية ايصال كيس الدقيق او اسطوانة الغاز التي كانت تتطلب جهدا ووقتاً لإيصالها الى منزلي حيث باتت دراجتي قادرة على تحقيق ذلك”

الفكرة ليست مفردة غريبة فهناك مشروع مجتمعي آخر نفذه أبناء عزلة حلية بمديرية الرونة من خلال رصف وتعبيد الطريق الواصل الى قرية الخربة وهو مشروع استمر قرابة اعوام ثلاثة وانتهى بايجاد طريق فرعي سالك بطول يزيد على واحد كيلومتر في منطقة بالغة الصعوبة

أبو محمد احد أبناء المنطقة قال اقتصر عملي على نقل المياه لامتلاكي سيارة دفع رباعي “شاص” تناسب الممرات الاكثر وعورة”

ويوضح ابو محمد ” الى جانبي عمل آخرون كثر توزعت مهامهم بين استخراج الاحجار بواسطة ماكينات الكمبريشن التي يمتلكها البعض ومن ثم نقلها وتشذيبها في حين عمل اخرون ايضا في نقل الاسمنت والنيس ومجموعة ثالثة في الحفر والتسوية والرصف والبناء والاشراف والملاحظة”

وبحسب العاملين فقد استفاد فريق العمل من اموال التبرعات المحلية وتلك القادمة من ابناء القرية المغتربين في توفير المواد وتغطية وقود النقل في حين تكفلت الايدي العاملة بنفسها مقابل مبالغ رمزية مما امكن توفيره من التكلفة الاجمالية

تبلغ عدد القرى المستفيدة من هذا المشروع نحو 4,858  فرداً  في عزلة حلية بمديرية شرعب الرونة

وتعد مديرية شرعب الرونة احدى المديريات التابعة لمحافظة تعز وتقع  شمال المحافظة بمساحة تقدر بـ ٤١٧كم٢ وتبلغ عدد العزل فيها 21 عزلة تحوي  112 قرية  يقطنها  ١٤٦،٦٥٠ نسمة  بحسب إحصائية السكان للعام 2004تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصاديليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير