ضحايا الألغام.. إعاقات دائمة وتهميش
منذ شهر
تعز – ياسمين الصلوي فقدَ الطفل علي عبدالله (9 أعوام)، والديه بانفجار لغمٍ، أثناء توجههما -بدراجتهما النارية- إلى عزاء أحد الأقارب، في قريةٍ مجاورة
الطفل علي من مزارع الكدحة، مديرية ذوباب، تعز، غرب اليمن
وانفجر اللغم الذي أودى بحياة والديه في سبتمبر 2018، في منطقة المحوت، مديرية موزع، غربي البلاد
ويعيش علي اليوم مع جدته مريم في قرية بئر عقيل بمديرية ذو باب، التابعة إداريًا لمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)
تروي الجدة مريم لـ”المشاهد”: “أصرتْ ابنتي فاطمة وزوجها عبدالله على الذهاب للعزاء، بعد وفاة والد عبدالله “جد علي” بالقرية المجاورة
وأضافت: تركا علي معي وانطلقا في السابعة صباحًا، وعندما انفجر بهما اللغم لم يكن هناك أحد في موقع الانفجار
لكن مواطنين في منطقةٍ قريبة سمعوا الانفجار، وهرعوا لجمع أشلائهما”
ما تزال الألغام تحصد الأرواح في اليمن، أو تترك مصابين بعاهاتٍ دائمة، ويجد ضحايا الألغام -بينهم أطفال ونساء- أنفسهم محاصرين بالفقر والعجز، في ظل معاناة مستمرة لا تلتئم تبعاتهابعد رحيل والديه، بات علي يواجه حياة قاسيةً مع جدته التي تعمل في المزارع القريبة مقابل أجر زهيد
يكفي بالكاد لصناعة خبز الموقد التقليدي، وهو طعامهما الوحيد
يقول علي لـ”المشاهد”: “لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأن جدتي لا تملك المال، ولا أملك ألعابًا مثل بقية الأطفال
ويواصل بغصة: لو كان والدي على قيد الحياة، لكان وفّر لي كل ما أحتاجه”
وما تزال الألغام تحصد الأرواح في اليمن، أو تترك مصابين بعاهاتٍ دائمة
يجد ضحايا الألغام أنفسهم محاصرين بالفقر والعجز، في ظل معاناة مستمرة لا تلتئم تبعاتها
في ذات القرية، يروي العم عايش عبد الله، سبعيني العمر، قصته مع لغم آخر
حيث كان متوجهًا لشراء السمك من ساحل قريب والمرور بسوق واحجة، التي تبعد خمسة كيلومترات عن المخا
انفجر به لغم أرضي في 2023، فعاد إلى منزله الطيني الصغير وقد فقدَ ساقيه
كان العم عايش يعمل صيادا لكنه الآن عاجزًا عن العمل
ينتظر من يساعده على دفع كرسيه المتحرك البدائي ليتنقل بين غرف المنزل
ويعاني من آلام شديدة في بقايا ساقيه المبتورتين، في ظل غياب الأطراف الصناعية أو حتى الرعاية الطبية البسيطة
كثير من ضحايا الألغام باتوا عاجزين عن العمل، بعد أن فقدوا أعمالهم، وبالتالي أصبحت أسرهم وعائلاتهم بلا معيل، كما يفتقرون للرعايا الطبية اللازمة، حتى في حدها الأدنى والبسيط، بالإضافة إلى انعدام الأطراف الصناعية التي تعينهم على ممارسة حياة طبيعيةتقول شقيقته سلمى لـ”المشاهد”: “يمر أخي بأيام عصيبة، يبكي من شدة الألم، ونضطر لشراء إبرة مهدئة تخلصه من الألم اليومي
لكنه بحاجةٍ لرعايةٍ دائمة ونحن لا نملك المال لتوفير ما يحتاج”
يشير الباحث الاقتصادي، نبيل الشرعبي، إلى أن ضحايا الحرب من المدنيين يدفعون ثمنًا باهظًا، لا يقتصر على الإصابات أو الوفيات
بل يمتد الثمن إلى أسر الضحايا، خاصة الأطفال والنساء، الذين يجدون أنفسهم بلا معيل
ويضيف لـ”المشاهد” أن هذا الواقع يهدد مستقبل الأطفال بحرمانهم من حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم والغذاء والسكن
ويجعلهم عرضة للتشرد والفقر المزمن، فالألغام تشكل أحد أكبر الأخطار التي تحصد الأرواح حتى بعد انتهاء المعارك
الشرعبي: يدفع ضحايا الحرب من المدنيين ثمنًا باهظًا، لا يقتصر على الإصابات أو الوفيات، بل يمتد الثمن إلى أسر الضحايا، خاصة الأطفال والنساء، الذين يجدون أنفسهم بلا معيلمن جانبه، يوضح استشاري جراحة العظام والأطراف العلوية، الدكتور ناصر الأحمدي، أن إصابات الألغام تختلف عن بقية إصابات الحرب
وتصيب غالبًا أكثر من عضو في جسد المصاب، لا سيما الأطراف السفلية والعلوية؛ ويؤدي هذا في أغلب الحالات إلى بترها
ويتابع: “الانفجارات تدخل إلى الجسم شظايا وأتربة وتسبب التهابات وتعفنات تزيد من سوء الحالة الصحية
ويفقد كثير من المصابين حياتهم،؛ نتيجة لذلك، ومن ينجو منهم يعيش في إعاقةٍ دائمة
لافتًا إلى أن “الإعاقة لا تؤثر فقط على المصاب، بل تضغط على الأسرة أيضًا
فمع فقدان المعيل، تحتاج الأسرة إلى دعم مادي وخدمات طبية ونفسية لا تتوفر غالبًا في اليمن”
الأحمدي: الإعاقة لا تؤثر فقط على المصاب، بل تضغط على الأسرة أيضًا، فمع فقدان المعيل، تحتاج الأسرة إلى دعم مادي وخدمات طبية ونفسية لا تتوفر غالبًا في اليمنيشير الأخصائي النفسي صالح باشامخة، إلى أن الإعاقة الناتجة عن الألغام تؤدي إلى أزمات نفسية عميقة، كالقلق والاكتئاب والعزلة
ويضيف: “عجز المصاب عن العمل يجعله يشعر بعدم القيمة، ويدفعه ذلك إلى الإدمان على مواد كالتدخين والقات، وأحيانًا المخدرات
محاولًا الهروب من الواقع؛ ما ينعكس سلبًا على علاقته بأسرته وتعامله مع أطفاله، بحسب حديث باشامخة لـ”المشاهد”
ويوضح الناشط الحقوقي محمد الغليسي أن اليمن وقعت على اتفاقية حظر الألغام في 1997، التي تحظر استخدام وتخزين وزراعة الألغام الفردية
كما أقرت الانضمام إليها رسميًا عام 2005
ويبيّن الغليسي لـ”المشاهد” أنه رغم أن الاتفاقية تجرم زراعة الألغام، إلا أن القانون اليمني يفرض عقوبة لا تتجاوز ثلاث سنوات لمن يزرعها أو يصنعها
معتبرًا أنها عقوبة لا تتناسب مع حجم الجريمة والضحايا
مطالبًا الدولة بتقديم العون وتعويض المتضررين، والتعاون مع برامج الأمم المتحدة لتأهيلهم، كون هذا الدور شبه غائب حاليًا
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير