عادل الأحمدي : كلنا جنوب.. كلنا يمن

منذ 3 ساعات

عادل الأحمدي بناء على الجذر اللغوي الذي اشتقت منه الهوية الجامعة للشعب القاطن جنوب غرب الجزيرة العربية والمنحدر من سلالة قحطان بن هود وأنشأ حضارات معين وسبأ وأوسان وقتبان وحمير، فإن تسمية اليمن تنطبق على المحافظات الجنوبية اكثر، انطلاقا من الشرق فإن الجنوب يمان والشمال شآم، ومن هنا كان الركن اليماني في الكعبة المشرفة دالّاً إلى جهة الجنوب، وهكذا استعمالات اللغة حتى داخل المناطق اليمنية ففي مدينة صعدة القديمة يسمى الباب المتجه جنوبا باب اليمن، وكذلك عمران وصنعاء، وفي حجة مديريتا أفلح الشام وأفلح اليمن بناء على إحداثيات الموقع

بينما يصف أحد الشعراء مدينة إب محاطة بالجبال والقلاع بقوله: خَدِدٌ لها شامٌ وحَبٌّ مشرقٌوالتعكرُ العالي المنيف يماني وبالتالي فإن المحافظات الجنوبية هي يمن اليمن، والشمالية شام اليمن

والى وقت قريب في السبعينات كانت محافظة صعدة تسمى لواء الشام

 ومن باب التذكير فإن كل محاولة لقصر مسمى اليمن على جزء من البلد، يقف لها التاريخ بالمرصاد وكذلك الشعراء وعلى رأسهم امرؤ القيس الكندي الذي أنشد لبلدته دمّون في دوعن حضرموت: تطاولَ الليلُ علينا دَمُّوندمّون إنّا معشرٌ يمانون  وقول عمرو بن أبي ربيعة: تقول عِيْسِي وقد وافيْتُ مبتهلاًلَحْجاًوبانت ذُرَى الأعلام من عدنِ أَمُنْتَهى الأَرض يا هذا تريد بِنَا؟فَقُلتُ كَلَّا، ولكنْ مُنْتَهَى اليَمَنِ وقبله أنشد عبد يغوث الحارثي في معلقته: فيا راكباً إمّا عرضتَ فبلغنْنداماي من نجرانَ ألا تلاقيا أبا كرَبٍ والإيهمين كليهماوقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا ومنذ ما قبل لسان اليمن أبي محمد الحسن الهمداني، إلى ما بعد المؤرخ الراحل محمد عبد القادر بامطرف، ظلت الهوية الجامعة نشيد الأرواح وبوصلة الأجيال، وتغنت بها حناجر الفنانين العمالقة بأكثر من أهزوجة عابرة للقرون وفي مقدمتهم كرامة مرسال

بينما موْسقها الراحل الكبير عبدالله البردوني في ثنايا شعره ونثره ومنها رائعته غريبان وكانا هما البلد: عرفتُه يمنيًّا في تلفّتهخوفٌ وعيناه تاريخٌ من الرَّمَدِ رأيتُ نخل (المكلا) في ملامحه  شمّيتُ عنب (الحشا) في جيده الغيدِ (شمسانُ) تنسى الثريا فوق لحيتهفاها، وينسى ضحى رجليه في الزبدِ (بينونُ) عريانُ يمشي ما عليه سوىقميصه المرمري البارد الأبدي ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه من بعده يعينون على اليمن والياً تتبعه مخاليف ثلاثة، صنعاء وحضرموت والجند، وكانت عدن وزبيد ضمن مخلاف الجند

 ومأثور عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت

، فتم إيرادهما كمخلافين في إطار واحد، ولم يقل من صنعاء الى سيئون ولا من اليمن إلى حضرموت

 الهوية هي بصمة الأحداق وإمضاء الوجود

واليمن هو المعنى الكبير الذي ينبغي العثور عليه في زحمة كل هذا اللغط

 اليمن ليس مجرد مسمى سياسي، بل وجدان له معالم وتضاريس، شخصية لها خصائص وتاريخ

وحينما نصير بحجم اليمن ونكبر على المنطقة والحزب والمذهب والقبيلة والسلالة، ستمتلئ قلوبنا بقوة الحب وعقولنا بضوء الكينونة

ستتضاءل المصاعب الكبيرة ونغادر مربع العدامة ويحوز هذا الشعب العريق المكان اللائق به بعد طول غياب