عبدالملك المخلافي : مهزلة في المؤتمر القومي العربي
منذ 3 ساعات
عبدالملك المخلافي في خطوة تمثل مهزلة كبرى، سمح المؤتمر القومي العربي للمدعو عبد الملك الحوثي، زعيم الميليشيا الحوثية السلالية الطائفية الكهنوتية الانقلابية، بإلقاء كلمة أمام المؤتمر، تحت ذريعة دعم غزة والقضية الفلسطينية؛ وهي ذريعة واهية لا تبرر هذا الانحراف الخطير عن مبادئ المؤتمر وأهدافه، إذ إن الرجل يمثل مشروعاً معادياً لكل ما يؤمن به المؤتمر القومي العربي من قيم الوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة والتحديث
لقد دخل المؤتمر القومي العربي منذ عام 2015 مرحلة من التراجع والمهزلة، بعد سلسلة من الأخطاء والانحيازات الخاطئة، حين تخلّى عن الموقف القومي الجامع والمشروع الحضاري العربي، لصالح دعم مواقف ومشاريع تمزيقية للأمة، وساند جماعات وميليشيات طائفية مرتبطة بالمشروع الإيراني الذي مزّق دولاً عربية عديدة، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن؛ حيث أعلنت إيران أنها باتت تسيطر على العواصم العربية الأربع لهذه الدول
وقد أدى هذا الانحراف إلى فقدان المؤتمر أبرز عناصره الفاعلة ومفكريه وقادته التاريخيين، الذين جمدوا عضويتهم من مختلف الساحات العربية، وفي مقدمتها مصر، كما شهد غياباً شبه تام لأعضائه من عدد من البلدان منذ عام 2015، بعد أن تخلّى عن خطابه الجامع المستند إلى مبادئه الأساسية والعناصر الستة للمشروع الحضاري العربي، ليصبح جزءاً من حالة الانقسام والتمزق، ومنحازاً إلى محاور ومشاريع إقليمية معادية للأمة
إن التعبير عن الموقف المبدئي من القضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون مبرراً لهذا الانحراف، ولا غطاءً لتبرير المهزلة التي وصل إليها المؤتمر
فجميع القوميين العرب – ونحن منهم – كانوا وما زالوا يعبرون عن موقفهم الثابت في دعم فلسطين وعدائهم للكيان الصهيوني، دون الحاجة إلى الارتماء في أحضان قوى طائفية ودكتاتورية وغير ديمقراطية أو مشاريع إقليمية معادية
عندما اجتمع خمسون شخصية عربية بارزة من المفكرين والقادة والممارسين في تونس عام 1990 لتأسيس المؤتمر القومي العربي، وكان لي شرف أن أكون أحدهم – وأصغرهم سناً – تحت إشراف مركز دراسات الوحدة العربية بقيادة المفكر والمناضل الكبير الراحل الدكتور خير الدين حسيب، كان الهدف واضحاً:إقامة إطار جامع لكل التيارات العربية الرئيسية – من ناصريين وبعثيين وماركسيين وديمقراطيين وليبراليين وإسلاميين ووطنيين – المؤمنين بالمشروع الحضاري العربي بعناصره الستة، وهي: 1
الوحدة العربية ضد التجزئة، 2
الديمقراطية ضد الاستبداد، 3
التنمية المستقلة ضد التبعية، 4
العدالة الاجتماعية ضد الاستغلال، 5
الاستقلال الوطني والقومي ضد الهيمنة الأجنبية، 6
الأصالة والتجدد الحضاري ضد التغريب والتخلف
بهذه المبادئ، أصبح المؤتمر مرجعية شعبية عربية وبيتاً للقوميين من مختلف المشارب، يتسابقون سنوياً للانضمام إليه والمساهمة في فكره ومسيرته
كان المؤتمر القومي العربي، بسبب مواقفه المبدئية والمستقلة، وعدم تدخّله في الصراعات والانقسامات الداخلية أو المحاور العربية، واستقلال موقفه القومي عن المحاور الإقليمية، وتمسّكه بمبادئه ومرجعيته وأهدافه، وبفضل ثقل قياداته وتنوع أعضائه، يحظى بالترحيب بانعقاده في مختلف العواصم العربية، من عمّان إلى القاهرة، بيروت، الدار البيضاء، طرابلس، بغداد، صنعاء، دمشق، المنامة، تونس، الجزائر، والخرطوم
وفي هذه العواصم عُقد أكثر من مرة، وكانت عواصم أخرى مرحّبة باستضافته أو مرشحة لاستضافته
لكنّه، منذ عام 2015، لم يعد ينعقد إلا في بيروت فقط، ولم يجد من يستقبله من العواصم العربية، بسبب تسخيره لمواقف لا تعبّر إلا عن المتنفذين الذين سيطروا عليه
ما لم يخطر ببال أحد أن يأتي يوم يقف فيه رجل طائفي سلالي عنصري كهنوتي انقلابي – لا شرعية له في وطنه – خطيباً أمام المؤتمر، وهو الذي خاضت ميليشياته منذ عام 2004 حروباً متواصلة ضد الدولة والشعب، وقتلت عشرات الآلاف من أبناء وطنه، ودمّرت مؤسسات الدولة، ومزّقت الوحدة الوطنية، وتسببت في حروب إقليمية، واستجلبت العدوان والدمار، وصادرت المرتبات والمال العام لصالح ميليشياته، وشرّدت الملايين، وسجنت الآلاف، وأخفت المئات قسرياً، وفجّرت المنازل والمساجد، وصادرت الأملاك، واختطفت الرجال والنساء، شيوخاً وشباباً، وصحفيين وسياسيين وناشطين، وعاملين في المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والدولية والأمم المتحدة، بل وأصدر أحكاماً بالإعدام على عدد كبير من أعضاء المؤتمر القومي العربي أنفسهم! لم يبقَ من المؤتمر القومي العربي اليوم إلا الاسم وبعض المتنفذين من قادته وأعضائه السابقين، أما العضوية فقد تغيّرت في معظمها بعد عام 2015
ويمكن لمن يشاء مراجعة قوائم العضوية السابقة ليعرف الفرق بين مرحلتين: مرحلة المبادئ، ومرحلة الانحراف
أنا قومي عربي، ومن مؤسسي المؤتمر القومي العربي، وكنت عضواً في أمانته العامة، ثم نائباً للأمين العام، ثم الأمين العام
وأعتز بذلك، وسأظل حتى آخر حياتي قومياً عربياً مؤمناً بالمشروع الحضاري العربي، وبثوابت الصراع العربي الصهيوني، وداعماً لقضية الشعب الفلسطيني
ولم أتخلَّ يوماً عن هذه المبادئ الجامعة، بغض النظر عن الاختلاف السياسي في التفاصيل
فالاختلافات السياسية اليومية أمر طبيعي في حياة الأمم، وهي ضرورة للتنوع والتدافع، لكن الانحراف عن المبادئ الكبرى لا يمكن تبريره
وأنا وطني يمني منحاز لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وللجمهورية والوحدة والديمقراطية، وضد الإمامة والكهنوت، وضد الميليشيا الحوثية، ومع الدولة والشرعية والقانون والموقف الوطني الجامع لكل المتمسكين بالجمهورية والدولة
وقد عبّرت عن هذا الموقف في كل زمان ومكان، قبل الانقلاب الحوثي وبعده، في كل موقع توليته
واتخذت المواقف الصحيحة للدفاع عن هذه القيم
ومواقفي معلنة ومدونة، وتحملت الكثير من الحملات والاتهامات والتلفيقات التي ما أنزل الله بها من سلطان، من مختلف الأطراف وطنياً وقومياً
وكعادتي، لم أَهتم أو أتراجع عما أؤمن به أو أخاف من نتائج مواقفي
ومن السخف أن يزايد على موقفي أحد أو ينتقص منه
واليوم أؤكد مجدداً انحيازي لموقف القوميين والناصريين اليمنيين، ولأعضاء المؤتمر القومي العربي من اليمن، من مختلف التيارات، الذين عبّروا عن رفضهم لخطاب زعيم الميليشيا في الدورة الـ34 للمؤتمر في بيروت، لما مثّله من إهانة لليمنيين واستهتار بدمائهم، وانحياز فاضح لمجرم لا يمثل إلا مشروع الخراب والانقسام
إن ما جرى يمثل انحرافاً كاملاً عن مبادئ المؤتمر القومي العربي ومرجعيته التاريخية، ومؤشراً على فقدانه دوره الريادي الذي تأسس من أجله قبل أكثر من ثلاثة عقود