عبدالوهاب قطران : التشفّي... عُهرٌ أخلاقي وفضيحة وطن
منذ 3 ساعات
عبدالوهاب قطران ما الذي يدفع إنسانًا لأن يفرح بعذاب الآخرين؟أيّ خللٍ روحي هذا الذي يجعل من الألم الجماعي نصرًا شخصيًا؟أليس التشفي في حدّ ذاته شكلًا آخر من الانحطاط، ووجهًا مبتسمًا للخيانة الوطنية؟منذ أيام، رأينا منشوراتٍ تتراقص على جراح أبناء همدان وبلاد الروس، وتتعالى بنغمةٍ مناطقية بغيضة: هكذا إذلالكم أيها الطوقيون
يتناسى هؤلاء أن الضحايا الذين يسخرون منهم لم يكونوا يومًا أعوانًا للجلاد، بل كانوا أوائل من تمرّد عليه ودفعوا الثمن غاليًا: سجن، تعذيب، مصادرة، وقتل، وإخفاء قسري
الشيخ مختار القشيبي ـ شيخ بلاد الروس ـ لم يكن يومًا تابعًا للحوثي؛ بل كان من أوائل من قاوم مشروعه العنصري، فاختُطف وسُجن ست سنوات، ونهبوا بيوته وسياراته وأثاثه، وقتلوا اثنين من مرافقيه
ومع ذلك، تُستدعى قصته اليوم مادةً للشماتة ومهرجانًا للضحك الرخيص
وليس هو وحده — فأخي الشيخ عارف قطران ونجله عبدالسلام وعدد من أبناء همدان مغيبون حتى الساعة في سجون الجماعة ذاتها، لا يُسمح بزيارتهم ولا يُسمع صوتهم
هل يستحق هؤلاء السخرية؟ أم يستحقون التضامن؟هل النخوة أصبحت تُقاس بمقدار القدرة على إهانة المقهورين؟يا هؤلاء، إنّ التشفّي في الضحايا ليس بطولة، بل سقوط في قاعٍ أخلاقي لا قرار له
التشفّي لا يحرّر وطنًا، بل يدفن ما تبقّى من إنسانيّتنا
ولمصلحة من هذا التشفي المناطقي؟من يستفيد من إذكاء الكراهية بين أبناء اليمن سوى من يريدنا قطعانًا متناحرة يسهل ترويضها وإدامة صراعها؟من يفرح لأن الحوثي أهان طوق صنعاء، إنما يفرح بانتصار الجلاد على الإنسان، لا بانكسار الظالم
ثم تعالوا نتأمل النموذج الذي يرفعونه في وجوهنا كمثالٍ للبطولة والمقاومة — مدينة تعز
تعز التي كانت رمزًا للثقافة والتمدّن والتعليم، تحوّلت في ظل سلطات الفوضى إلى مدينةٍ ممزقة تحكمها عصابات منفلتة وميليشيات مناطقية تتنازع النفوذ تحت عباءة “الشرعية” الإخوانية
تُسيّر شوارعها وجوه صبيانٍ مراهقين وسماسرة حرب من مخلاف شرعب، يتصدّرهم قتلة وقطاع طرق، كثيرٌ منهم صادرة بحقهم أحكام بالإعدام في قضايا قتل، لكنهم يتحصّنون بدولة الحزب لا بدولة القانون
بلغ الانفلات ذروته قبل أسابيع حين أُطلقت رصاصة في وجه افتِهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في تعز، فاختُطفت روحها ظلمًا في مشهدٍ صادمٍ للعقل والضمير
تحولت قضيتها إلى ترندٍ وطني، لكن “العدالة” التي وعدوا بها تلاشت، وتمّ التستر على الجناة، وواصل سالم الدست ومن خلفه منظومة الفساد الإخوانية تمييع القضية، كما ميّعوا كل قضايا القتل والنهب والانفلات في المدينة
اليوم، تغرق تعز في الرعب والفوضى، ويعيش سكانها تحت سطوة الرصاص والعصابات، والخوف من الخطف والابتزاز، والعيش في مدينةٍ بلا كهرباء، بلا أمن، بلا قانون
فهل هذا هو النموذج الذي تلوّحون به في وجوهنا؟هل هذه هي المدينة التي مسحت بالحوثيين الأرض؟أين الدولة؟ أين الحرية التي وعدتم بها؟ما جدوى مقاومةٍ تحرّر المدينة من مستبد لتسلمها إلى فوضى المستبدين الصغار؟وعدن، التي كانت جوهرة اليمن، غارقة اليوم في الظلام والعبث
لا كهرباء، لا أمان، لا كرامة، بل سلطة تابعة للاحتلال الإماراتي – السعودي الذي يقسمها إلى مربعات نفوذ، ويمنع عنها الحياة
هل هذا تحرّر؟ أم احتلالٌ بأدواتٍ محليةٍ ترفع شعارات الوطن لتخنق الوطن؟ما نراه اليوم هو انهيار القيم قبل انهيار الدولة
من يفرح بدماء الآخرين لا يمتلك مشروعًا وطنيًا، بل عقدة كراهيةٍ دفينة
ومن يبرّر الفوضى في تعز وعدن، بحجة أنها مقاومة، لا يدرك أن مقاومة بلا عدالة ولا أخلاق ولا دولة، ليست إلا قناعًا جديدًا للخراب
نحن لا ندافع عن جغرافيا، بل عن قيمة الإنسان
نرفض الحوثي كما نرفض كل سلطةٍ تستعبد الناس باسم الدين أو الثورة أو المقاومة أو الوطن
وإن كان لابد من الاصطفاف، فليكن إلى صفّ المظلوم، لا إلى صفّ الشامت
اليمن لا تُبنى بالشماتة، بل بالتعاطف
ولا تتحرر المدن بالكراهية، بل بالعدالة
إن التشفي في طوق صنعاء أو في عدن أو في تعز ليس وعيًا وطنيًا، بل جهلًا يكرّس أحقاد الأقاليم ويفسح الطريق أمام مزيد من الدم
فلتخجلوا من أنفسكم حين تفرحون بجراح إخوتكم
ولتعلموا أن الكلمة التي تُكتب للتشفّي، تقتل مرتين: تقتل الضحية، ثم تقتل شرف الكاتب