عدن: واقع الصحافة في ظل القمع والاعتقالات

منذ 8 أشهر

عدن – خليل مراد خرج الصحفي فهمي العليمي من منزله في مدينة عدن (جنوب اليمن) صباح الخميس الـ(18 يوليو 2024) كعادته اليومية قبل أن يعود إلى أسرته ظهرًا

لكن خروجه هذه المرة كان بلا عودة، بحسب أحد أقارب الصحفي فهمي -فضل عدم ذكر اسمه- الذي أضاف: “حاولت الاتصال على هاتفه مرارًا لكنه كان مغلقًا”

ويواصل: “بدأنا بالبحث عنه في كل مكان، حتى أقسام الشرطة، لكم دون جدوى، ما أقلق اسرته واصدقاءه”

وفي صباح اليوم التالي، تواصل فهمي مع زوجته وأخبرها أنه محتجز لدى الحزام الأمني، محاولًا طمأنتها، لكن سرعان ما انقطع الاتصال؛ ليبدأ فصل جديد من البحث والمتابعة لدى قوات الحزام الأمني بعدن

ومع مرور الأيام، لم تتمكن أسرة فهمي من زيارته، في ظل تعنت القوات الأمنية ورفضها للإفراج عنه أو تحويله إلى النيابة، رغم عدم ثبوت أي تهمة عليه

وفهمي العليمي واحد من الصحفيين الذين تعرضوا لمثل هذه الممارسات التعسفية، حيث تم اعتقال العديد منهم، وإخفاؤهم قسراً، وتعذيبهم

كما تم محاكمة الكثيرين منهم في محاكم غير مختصة بقضايا الصحافة والنشر، وهو ما يتعارض مع القوانين المحلية والدولية

ظل الصحفي فهمي معتقلًا خمسة أيام قبل أن يُفرج عنه بعد كتابته لتعهد خطي بعدم العمل لأي وسيلة إعلامية بدون تصريح مسبق من قبل الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي

والهيئة هي جهة غير مختصة وتقوم بمهام وزارة الإعلام في عدن، وهو ما يعكس حالة القمع والرقابة على حرية التعبير وحرية الصحافة في عدن، بحسب صحفيين

اتهامات بدون أدلةلم تكتفِ السلطات في عدن بحملات التضييق والرقابة على الصحفيين، بل توجه اتهامات جسيمة وخطيرة لكل من يخالفها، حسب مرصد الحريات الإعلامية دون تقديم أي دليل

ومؤخرًا تعرض المصور الإعلامي صالح العبيدي للاعتداء والاعتقال، حيث وُجهت إليه اتهامات بزعزعة الأمن والمشاركة في تشكيل عصابة مسلحة اتهامات خطيرة

وكاد المصور العبيدي أن يدفع حياته ثمنًا لتلك الاتهامات حسب ما ذكرته منظمة سام لحقوق الانسان؛ لولا الضغط الإعلامي والمجتمعي وتدخل قيادات ومسؤولين في المحافظة ساعدت بشكل كبير في الإفراج عنه

ورغم إطلاق سراحه، إلا أن آثار هذه التهم مازالت تلازم العبيدي في حياته وتؤثر على عمله، وهو المعروف عنه نشاطه الإنساني الواسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذه الاتهامات جعلت بعض التجار والمستثمرين يقومون بإلغاء التعاقد معه في نشر إعلاناتهم التجارية، حسب ما ذكره الصحفي عبدالرحمن أنيس

الإفلات من العقاب أدى الإفلات من العقاب إلى انتشار وتفاقم الجريمة، خاصة بحق الصحفيين وخلق بيئة غير آمنة؛ مما أدى إلى إجبار عدد من الصحفيين على مغادرة اليمن، والبعض توقف عن الكتابة أو الاستمرار بأسماء مستعارة خوفًاومن تعرضه لأي أذى

وهذا ما أكده محمد الوتيري، مسؤول في منظمة هيومن رايتس ووتش، معتبرًا استهداف الصحفيين بمثابة جريمة مركبة

وأشار الوتيري بـ«المشاهد» إلى أهمية عدم استمرار الإفلات من العقاب، داعيًا إلى تكثيف الجهود للضغط على أطراف النزاع في اليمن

وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لإنهاء الإفلات من العقاب في جميع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، ومحاسبة الجناة المتورطين في هذه الجرائم ومساءلتهم

داعيًا إلى ضرورة وقف دوامة العنف التي تهدد سلامة الصحفيين في البلاد، لتمكينهم من القيام بمهامهم بحرية وأمان

أحكام قاسيةأمثلة كثيرة تتعلق بالتضيق على عمل الصحفيين في محافظة عدن ولعل من أبرزها قضية الصحفي أحمد ماهر واحدة من أبرز الأمثلة على الاستغلال للسلطات الأمنية والقضائية في اليمن، حسب بيان مشترك لتحالف العدالة لليمن بالتزامن مع مرور عام على اعتقال الصحفي ماهر

ويُجسد ماهر ما تعانيه الصحافة من انتهاكات جسيمة في ظل غياب العدالة وسيادة القانون، فاعتقاله وشقيقه بطريقة غير قانونية والاعتداء على والده بالضرب واحتجاز سيارته من قبل شرطة دار سعد يعكس أنماطًا من القمع الممنهج الذي يستهدف حرية الرأي والتعبير

بعد ما يقارب من عامين على اعتقال الصحفي ماهر أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في عدن حكمًا بسجنه أربع سنوات بتهمة تشكيل جماعات مسلحة، وهي التهمة التي لم تتمكن المحكمة اثباتها بالدليل حتى الآن

وهو ما أفاد به مسؤول الرصد بمرصد الحريات الإعلامية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن قضية ماهر اتسمت بالتأخير والتأجيل، وشهدت العديد من المخالفات القانونية

وأضاف: من خلال متابعة المرصد للقضية يتضح أن الصحفي قد حرم من حقوقه الإنسانية والقانونية، حيث تم تأجيل 17 جلسة محاكمة من أصل 30

ولم يتم السماح له بتعيين محامٍ للدفاع عنه إلا بعد مرور تقريبًا عام كامل من اعتقاله

استغلال القضاءالمحامية والحقوقية هبة عيدروس ترى أن هذه التهم المُلفقة ضد الصحفيين هي في جوهرها ذات طابع سياسي، ولا تحقق العدالة نظرًا لما يشوب إجراءاتها من تجاوزات قانونية، وانتقاص من حق المتهم في الدفاع

وتضيف لـ«المشاهد»: الإجراءات السابقة للتحقيق تشهد عديد انتهاكات ومخالفات صريحة للقانون؛ ولأن أطراف الصراع يدركون خطورة ذلك، فإنها تسعى لإنهاء هذه القضايا عبر الاستفادة السياسية من خلال صفقات تبادل

واستدلت المحامية هبة بما حدث في صنعاء مع قضايا عبدالخالق عمران وحارث حميد وتوفيق المنصوري وأكرم الوليدي وأحمد حوذان وغيرهم الكثير

وتابعت: “السلطات التنفيذية تمتلك تأثيرًا قويًا على السلطة القضائية، ويظهر ذلك من خلال المحاصصة السياسية والاختيارات التي تتم دون مراعاة للنظام والمعايير القانونية، إلا في حالات نادرة”

في الوقت نفسه، يتحمل الصحفيون جزءًا من المسؤولية، إذ إن جهلهم بالقوانين المنظمة للعمل الإعلامي وتجاوزهم للمساحة الآمنة التي كفلها لهم الدستور يسهل إيقاعهم تحت طائلة القانون، بحسب المحامية

قيود على الحريات تستمر الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي ومقرها عدن، بممارسة عملها الرقابي بحق الصحفيين -وهي جهة غير مختصة وتقوم بمهام وزارة الإعلام- وتفرض كثير من الاشتراطات والقيود بحق العمل الصحفي

كأن آخر تلك الاشتراطات حصول موقع المشاهد على مذكرة رسمية تلزم فيها الهيئة جميع ملاك القاعات والفنادق بعدم السماح بإقامة أي فعاليات إعلامية لا تملك ترخيص من قبل الهيئة الجنوبية

هذا وكانت الهيئة قد أصدرت خلال الفترة الماضية الكثير من التعاميم، من بينها، إلزام مكاتب البث الخارجي المتعاقدة مع قنوات إعلامية عربية ودولية بإرسال اسم الشخص المطلوب للظهور في تلك المكاتب والقنوات للهيئة للموافقة عليه قبل البث بفترة كافية

كما أنها هي من ستقرر بالموافقة أو الرفض على من يظهر عبر القنوات، ومنعها من القيام بإعداد تغطيات صحفية وإعداد تقارير في الجوانب السياسية والاقتصادية والإنسانية إلا بعد الحصول على تصريح مسبق من الهيئة

وتواصل معد التقرير برئيس الهيئة سالم ثابت ونائبه مختار اليافعي لطلب توضيحات بشأن القرارات والإجراءات المتخذة من قبل الهيئة

وقد استجاب اليافعي وأشار لـ«المشاهد» إلى أن المحافظة تعيش حالة جيدة من الحرية

ودعا معد التقرير لزيارة عدن لجمع المعلومات من الميدان، إلا أن معد التقرير لم يتمكن من القيام بذلك لوجوده في محافظة أخرى

وسبق للهيئة أم منعت مراسلي قناة بلقيس ويمن شباب وسهيل الفضائية من العمل وتغطية أي فعالية في عدن وأغلقت مكاتبها

كما حصرت الهيئة العمل أو التصوير في أي مكان بالمدينة على الصحفيين الذين حصلوا على البطائق الصحفية من الهيئة فقط، وفي الوقت نفسه هي لا تمنح جميع الصحفيين العضوية خصوصًا للصحفيين الذين يخالفونهم الرأي

حيث تعمل على التعامل مع الصحفيين بمناطقية لاسيما من هم من خارج المناطق الجنوبية، من خلال الكتابة على البطاقة لغير الجنوبيين، بعكس الصحفيين من داخل المناطق الجنوبية الذي يتم كتابة للجنوبيين، وهو ما يجعل حياة الصحفيين في خطر في ظل الخلافات السياسية ومطالبة الجنوبيين بالانفصال

مدير قناة بلقيس الفضائية أحمد زرقة قال لـ«المشاهد»: “تم إغلاق مكتب القناة بعدن بشكل كامل في عام 2018، بعد أن كان لدينا 30 موظفًا، معظمهم من مدينة عدن والمحافظات الجنوبية”

ولفت إلى أنه في عام 2019، تفاقم الوضع حيث تم منع أي شخص أو محلل من الظهور على قناة بلقيس عبر خدمة الـ”دي تي إل” من عدن، واستمرت الملاحقات والتشهير بالقناة من خلال تصريحات شخصيات جنوبية وقنواتها

القيود التي تسعى الهيئة لفرضها على مراسلي القنوات المختلفة، تعكس محاولات واضحة لإسكات الأصوات المستقلة وتقييد التغطية الفعلية للأحداث

كما أن التمييز في منح التصاريح بناءً على انتماءات مناطقية أو سياسية يتنافى مع مبادئ العدالة والمساواة ويؤدي إلى تهميش الصحفيين الذين يحملون آراء مضادة

”الأرقام التي أشار إليها مرصد الحريات الإعلامية، كشفت أكثر من الفين وخمسمائة انتهاك، تشمل 54 حالة قتل، تُلقي الضوء على خطورة الوضع الراهن وتؤكد أن الصحفيين يواجهون خطرًا مستمرًا في سبيل ممارسة حقوقهم الأساسية

وفي ظل هذه الظروف يصبح من الضروري على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تكثيف جهودهم لدعم حرية الصحافة وتوثيق الانتهاكات والعمل على محاسبة المتسببين فيها

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير