عزالدين سعيد الاصبحي : جائزة للقتل المسالم!

منذ 33 دقائق

عزالدين سعيد الاصبحي أى سخرية مُرّة هذه؟

نعم، نيتانياهو، المتهم بجرائم حرب، يرشح ترامب، لنيل جائزة نوبل للسلام

فى اللحظة التى لا تزال فيها رائحة البارود تتصاعد من جثث الأطفال فى غزة

وطائرات المدد الأمريكية لا تتوقف عن دعم الكيان الصهيوني

ربما هى لحظة مثالية لـ«نكهة الشرق الأوسط الجديد»، حيث تقام صفقات السلام على أنقاض البيوت، وتُمنح الجوائز لمن يضغط الزناد أولا ثم يعرض الهدنة على الطاولة المحطّمة

قرابة ثمانية وخمسين ألف شهيد فى غزة وحدها دون بقية فلسطين، بينهم ثمانية عشر ألف طفل لم يصلوا سن البلوغ، لكنهم بلغوا القبر فى توقيت واحد، بدقة قصف الطائرات الذكية

والجائزة؟ تُمنح للرجل الذى فتح النار ثم كتب على حسابه الإلكترونى «سوف نعمل هدنة»

ما هذا العالم؟ هل السلام أصبح ماركة مسجلة على يد من يشعلون الحروب ثم يُشاد بهم لأنهم أوقفوا رصاصهم عشر دقائق قبل صلاة الجمعة؟ ومنحوا الأهالى قبورا جماعية حتى لا يحرموهم من روح الاُلفة

هل نوبل فقدت بوصلتها؟ وهل كان لها بوصلة أصلا؟أم أن البوصلة الآن تُدار علنا باتجاه البيت الأبيض، حيث يتداولون الجوائز كما يتداولون تغريدات ترامب؟ هل كُتب علينا أن نرى من يصنعون من دم الضحايا قلادة تكريم توضع على أعناقهم؟ وهل السلام الآن يُقاس بعدد القتلى؟ كلما زادوا، اقتربنا من «جائزة»؟كأنك ترشّح الحطب لنيل جائزة مكافحة الحرائق

كان من الأولى بهذا الشكل أن تُمنح الجائزة وتسمى نوبل لـ«القصف الإنسانى»، أو لـ»القتل الرحيم بالصواريخ»، أو لـ«الاحتلال الدامى»، أو لمبتكر عبارة: «نأسف لسقوط ضحايا مدنيين»

والخشية أن نجد خطاب اللجنة الدولية إلى نيتانياهو يقول شكرا لك لأنك لم تقتل الجميع بعد!

جائزة نوبل، التى وُلدت من رماد الديناميت، تعود اليوم إلى أصلها،لكنها لم تعد تُمنح لصاحب الاختراع، بل لمن يجيد استخدامه بنجاح أمام الكاميرات

الجائزة التى لن يرحمنا صاحبها لا من باروده ولا من نار جائزته

هل مات ألف طفل؟ لا بأس، لدينا بيان جاهز عن «الأسف»، ومؤتمر صحفى عن «التهدئة»، وتوقيع «اتفاق»… ثم صورة بابتسامة واسعة مع الكوفية والشماغ، وبينهما ترامب بـربطة عنق حمراء، يرفع الجائزة

ولأن العالم لم يعد يفرّق بين مهرجان ساخر وجنازة حقيقية، فإن كل شيء بات قابلا للتصفيق، حتى الموت الجماعي

فلنمنح ترامب الجائزة إذن

ولنمنح نيتانياهو جائزة «أفضل مخرج لحرب معاصرة»

أما غزة، فليس لها إلا ترشيح واحد، ترشيح جماعى:لجائزة الصبر التاريخى

فليأخذ ترامب جائزة نوبل، وليأخذ نيتانياهو مقعده فى الصفوف الأمامية، أما الصغار، فسيحفرون أسماء الشهداء على جدران البيوت المهدّمة، وسيكتبون على أنقاض غزة: هنا مرّ السلام، لكنّه لم يتوقف

وغزة لا تحتاج إلى جائزة، يكفيها شرف أنها لم تفُز ، ففى هذا الزمن، الجائزة الحقيقية هى ألا تكون على قائمة المرشحين!وسلامٌ يُقاس بعدد القتلى ليس سلاما

بل توقيعٌ مؤقت على جريمة مستمرة

فى زمنٍ تُقاس فيه الإنسانية بوزن المصالح، ليُصبح الدم خفيفا ما لم يُلطِّخ شاشة بث مباشر

سيمضى مهرجان الترشيح للجائزة حتى منتهاه

لكن من سيوقف هذه النار التى أُشعلت فى قلب أم، حملت ابنها تسعة أشهر، ثم سلّمته للتراب فى تسع دقائق؟من سيعيد لفتاة صغيرة ساقها التى مزقها القصف؟من سيشرح لطفلٍ نجا أن ترامب هو «رجل سلام» وأن نيتانياهو «صانع تهدئة»؟من سيكتب شهادة وفاة للعدالة التى لفظت أنفاسها بصمت فى مجلس الأمن؟من يعيد غزة إلى الخريطة، لا كجبهة نار، بل كمدينة تسكنها أرواح؟فقط نريد لضبط معايير الصورة أن تُستبدل الحمامة البيضاء فى شعار الجائزة بطائرة درون

فالعصر تغير، والسلام اليوم يُحلِّق على ارتفاع منخفض ويُقصف بدقة!ليس أمامنا إلا أن نسخر من هذا الألم

إن ما يجرى ليس نكتة، بل كارثة على هيئة خبر عاجل

فالسخرية فى زمن المجازر ليست ترفا، بل فضيحة للمنطق!

*الأهرام