عزل المرأة في صنعاء

منذ 2 سنوات

الخروج من صنعاء لم يعد سلسًا للمرأة اليمنية؛ هناك إجراءات عليها الالتزام بها، قبل أن تجد نفسها في طريق العودة من حيث أتت عند أقرب نقطة عسكرية في مدخل المدينة

مساء السبت، 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أكملت “هناء” تحضير مستلزماتها للسفر من صنعاء (شمالًا)؛ لتلحق برحلتها الجوية المقررة بعد يوم من وصولها إلى عدن (380 كم جنوب صنعاء)، وهي تعرف أن عليها تعبئة نموذج يوافق فيه ولي أمرها “المَحْرَم” على سفرها وحدها، مع إقراره بذلك، وقد بات هذا ممكنًا؛ لما دأب عليه الوضع في العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، منذ أيلول/ سبتمبر 2014

كعادتها تحجز هناء في شركة نقل المسافرين عبر حافلات النقل الجماعي، قبل سفرها بساعات، هذه المرة صدمها موظف الاستقبال بطلب غريب، أخبرها بأنها “لن تستطيع السفر وحدها، هناك تعميم جديد من سلطات جماعة الحوثي، يلزم المرأة بالسفر مع ولي أمرها، ويلغي التعميم السابق الذي يطلب موافقة مسبقة مشروطة بخط ولي الأمر”

“لا أفهم طريقة تفكيرهم، وكيف أنهم تركوا كل شيء، واتجهوا نحو المرأة، ومحاولة تقييد حرياتها بشكل مستمر”، تقول هناء، بنبرة حزينة، وتضيف لـ”المشاهد”: “اضطررت للاستعانة بخالي، الذي رافقني إلى عدن، وطول الطريق توقفنا نقاط التفتيش العسكرية، وتسألنا أسئلة غريبة للتأكد من صلة القرابة بيننا، ما الذي يريدون فعله بالضبط؟”

يلغي التعميم الجديد الذي اكتفت هيئة النقل البري في صنعاء، بإبلاغ شركات النقل الجماعي والسيارات الخاصة بشركات النقل، بالاتصال الهاتفي، دون إرسال أي مؤيد رسمي مخافة تسريبه لوسائل الإعلام، بحسب ما قاله مدير إحدى الشركات، يلغي تعميمًا سابقًا تحت مسمّى “موافقة وإذن سفر”، يلزم المرأة بموافقة خطية من قبل ولي أمرها، أيًا كان، وبأي عمر، شريطة أن يكتمل الإجراء وفق ما تم تحديده

حدث ذلك مع وداد البدوي، صحفية متخصصة في دعم ومساندة قضايا المرأة، التي لجأت إلى أخيها الأصغر ليوافق على سفرها، “تلقيتُ اتصالًا من مدير شركة النقل، يشعرني بضرورة الالتزام بالإجراء الخارج عن إرادته، ودون ذلك لن تستطيعي السفر، سيعيدونك من منتصف الطريق، هكذا أخبرني”، تقول وداد

في الـ15 من آب/ أغسطس 2022، أغلق نادي ” Rebel & Ashyريبل أند أشي” النسائي في العاصمة صنعاء، من قبل مديرية السبعين، دون أسباب واضحة، وفقًا لمنشور على الصفحة الرسمية للنادي في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، فإن كل محاولات إقناع السلطات باستئناف العمل بالطريقة التي تراها، باءت بالفشل، وبعد شد وجذب ووساطات وصل الأمر إلى طريق مسدود، وكان رد المديرية: “لا يوجد بيدنا شيء، والمشكلة ليست تصاريح، هناك توجيه من جهات عليا في سلطات (أمانة العاصمة) بإغلاق جميع المراكز والنوادي النسائية، فلا تعرقلوا عملنا”، وبنفس الأسلوب تم التعامل من قبل أمانة العاصمة عند الذهاب إليهم لمحاولة إقناعهم بعودة افتتاح النادي، كما جاء في المنشور، لكن المركز عاود العمل في الـ29 من تشرين الأول/ أكتوبر، بعد توجيهات من أمانة العاصمة، أسوة ببقية المراكز المماثلة في العاصمة

لم يتوقف الوضع عند هذا الحد، ففي الـ17 من أيلول/ سبتمبر أعلنت حديقة الأمازون المائية في صنعاء، إلغاء الفترات التي أعلنت عنها بشأن تخصيص أوقات للنساء، دون ذكر أسباب الإلغاء، لكن “هناء”، شابة من صنعاء، اتهمت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) بوقوفهم وراء ذلك: “هذا شغلهم الشاغل، يقدمون أنفسهم كحراس للفضيلة”، واصفة ما يجري بأنه “محاولة فرض النموذج الإيراني على العاصمة صنعاء، ومنها إلى بقية مناطق سيطرتهم، وتتخذ من المرأة وتقييد حريتها منطلقًا لذلك”، داعيةً الجماعة وقيادتها “للاستفادة من التطورات التي تشهدها إيران” منذ مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، في الـ16 من أيلول/ سبتمبر 2022، بسبب عدم ارتدائها الحجاب بطريقة سليمة، طبقًا لرواية أسرتها

تنتهج جماعة “أنصار الله” هذا الأسلوب للتعامل مع النساء في مناطق سيطرتها، دون مسوغ قانوني يتيح لها ذلك، حتى إن المعارضين لها ينظرون إلى الإجراءات المتتابعة من الجماعة بمثابة قيود تضع العراقيل أمام النساء، وتقف عائقًا أمام حقهن الإنساني المكفول في المواثيق الدولية التي التزمت بها اليمن، وكذا الدستور والقوانين النافذة في البلاد، جاء ذلك في بيان تبنته عدد من الشخصيات اليمنية، بعد التضييق الذي حدث للنساء من قبل السلطات في صنعاء، وتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي

تنص المادة 57 من الدستور اليمني على أن “حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنيـة مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين”، بينما تنص الفقرة الأولى من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أن “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته”، وتؤيده الفقرة الأولى من المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة”

تقول رغدة المقطري، محامية وعضوة في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون “مؤشر خطير لتراجع حقوق النساء في اليمن”، وتربط المقطري ذلك بالإنجازات التي حققتها النساء اليمنيات منذ سنوات طويلة؛ إذ ناضلن لتغيير عدد من التشريعات اليمنية المتعلقة بالحقوق والحريات العامة، وتطبيق العديد من التشريعات النافذة، ووقف الممارسات الخاطئة

تنظر المقطري إلى ما تتخذه جماعة الحوثي إنما هو “بهدف التنغيص على حريات النساء نتيجة حملة تحريض واسعة تستهدفهن، وتدعو إلى تقييد الحقوق التي ناضلن من أجل اكتسابها”

تحت وسم #لا_للمحرم نشرت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في 24 أكتوبر 2022، على صفحتها في “فيسبوك”: “بعد فتح مطار صنعاء كحق طبيعي للناس جميعًا في اليمن، تحول المطار تحت سلطة ‫جماعة “أنصار الله” للرجال فقط، أو للنساء الحائزات على موافقة الرجال مع اشتراط مرافقتهم لهن بالسفر”، وأضافت المتوكل التي تتخذ من صنعاء مقرًا لمنظمتها: “تطالب الجماعة العالم بالحق في حرية التنقل، وهي تحرم نصف المجتمع منه جوًا وبرًا”، في إشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها جماعة الحوثي لتقييد سفر النساء وتنقلهن في البلاد

يبقى الوضع في صنعاء بالنسبة للمرأة رهين إجراءاتٍ تتوالى، تعوق تنقلها للسفر الاضطراري من أجل الحصول على رعاية صحية خارج البلاد، أو للدراسة، أو لحضور مؤتمراتٍ وفعاليات دولية وإقليمية، وحتى لزيارة أقاربها في دول أخرى

وليس على من لا “مَحْرَمَ” لها إلا أن تبحث عن قريبٍ يمنحها بطاقة العبور، أو أن تستسلم للواقع الذي ليس بيدها أن تفعل لتغييره شيئًا

ليصلك كل جديد