عصام شريم : بين قداسة الشرعية وفجور الخصومة: حين يتحول الدفاع عن الوطن إلى أداة للصراع
منذ 8 ساعات
عصام شريم في خضم اللحظة اليمنية الملبدة بالتناقضات، حيث تتقاطع الحرب مع السياسة، وتتشابك المشاريع المحلية بالإقليمية، برز خطابٌ يتبناه بعض نشطاء وكتّاب وكوادر جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، يرفع راية “الدفاع عن الشرعية” بوصفه دفاعًا عن اليمن والجمهورية والوحدة
غير أن هذا الخطاب، عند تفكيكه وتحليله بعمق، يكشف عن إشكاليات جوهرية تتجاوز حسن النوايا المعلنة، وتمس جوهر العمل الوطني الجامع
لا خلاف بين العقلاء على أن الشرعية اليمنية، بوصفها الإطار المعترف به داخليًا وخارجيًا، تمر بأزمة حقيقية، بل إن اليمن برمّته يعيش منعطفًا تاريخيًا بالغ الخطورة، خصوصًا في الجنوب
لكن الإشكال لا يكمن في مبدأ الدفاع عن الشرعية، بل في الكيفية التي يُوظَّف بها هذا الدفاع، وفي الأهداف المضمرة التي تُدسّ داخله، حتى يتحول من موقف وطني إلى أداة صراع حزبي وتصفية حسابات سياسية
لقد دأب بعض إعلاميي ومسؤولي التيار الإخواني على تقديم أنفسهم أوصياء حصريين على الشرعية، وكأنها منجز خاص بهم، أو ملكية فكرية وتنظيمية لا يحق لغيرهم الاقتراب منها أو الدفاع عنها إلا بإذن
هذا التصور لم يولد مع الأزمة الأخيرة، بل ترسّخ لسنوات، حتى بات في المخيال العام أن الشرعية “إخوانية الهوى”، وأن كل من ينتقد أداءها أو يختلف مع بعض مكوناتها يُصنَّف تلقائيًا في خانة الأعداء أو المتآمرين
الأخطر من ذلك هو استغلال الأزمات، لا سيما أحداث الجنوب، لـ“الصيد في الماء العكر”، عبر زج قضايا وخطابات لا تخدم إلا تعميق الانقسام
ففي سياق الادعاء بالدفاع عن الوطن، يتم استدعاء خصومات قديمة، وعلى رأسها الخصومة مع ما يُعرف بـ“العفافيش”، ومن ينتسبون إليهم أو يتعاطفون معهم، وعلى وجه الخصوص الفريق طارق صالح وقواته
ومن باب الإنصاف والوضوح، فإن موقف طارق صالح ومؤيديه من الإمارات، وارتباط قواته بها تمويلاً وإشرافًا، ليس سرًا ولا أمرًا خافيًا، وهو معلوم كذلك لدى المملكة العربية السعودية
هذا واقع سياسي وعسكري يمكن نقده، ويمكن التحفظ عليه، ويمكن مناقشته بموضوعية
لكن ما لا يمكن قبوله هو القفز من هذا الواقع إلى إطلاق اتهامات خطيرة بلا براهين، كالدعاء بمشاركته بقوات في هجوم على حضرموت، دون دليل أو قرينة
مثل هذا الطرح غير المسؤول لا يخدم الشرعية، ولا يحمي الجمهورية، ولا يصون الوحدة، بل يشتت الصف، ويغذي الشكوك، ويفتح أبوابًا جديدة للفتنة في وقت أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة والعقلانية
فالفجور في الخصومة، والبهتان السياسي، وتحويل الخلافات إلى حملات تشويه، ممارسات مرفوضة أخلاقيًا ووطنيًا، أيًا كان مصدرها
إن النقد الموضوعي حق، بل واجب، سواء تعلق بطارق صالح أو بغيره
ويمكن أن نختلف معه في ملفات، وأن نتحفظ على تحالفاته، وفي الوقت ذاته نحفظ ما بيننا وبينه من علاقات أخوة واحترام، ونزن المواقف بميزان العدل لا بميزان الكراهية
أما الانزلاق إلى الشتائم واللغة الفجة، سواء عند الحديث عن الشرعية أو عن خصومها، فلا يليق بخطاب يدّعي الوطنية ولا بخطاب يتصدر المشهد العام
المؤسف أن بعض من تصدوا للدفاع عن الشرعية أسهموا، عن قصد أو غير قصد، في تشويه صورتها، حين اختزلوها في حزب، أو جعلوها سلاحًا يُشهر في وجه الخصوم
وكأن الشرعية، قبل بروز المجلس الانتقالي الجنوبي، كانت “حقًا خالصًا” لا شريك فيه، لا تمثيلًا ولا قرارًا
ثم جاءت التحولات الإقليمية، وهندسة الإمارات لمشهد جديد، لتقلب الطاولة، فتُصاب هذه الذهنية بالارتباك، وتبدأ لغة الصراخ والتخوين: “لا لي ولا لش”، و”شل يا غراب”
إن اليمن اليوم لا يحتمل مزيدًا من العبث الخطابي، ولا مزيدًا من الاستثمار الحزبي في آلامه
الدفاع الحقيقي عن الشرعية لا يكون بتأجيج الخصومات، ولا بتوسيع دوائر العداء، ولا بادعاء احتكار الوطنية، بل بإعادة تعريفها كمشروع جامع، يتسع للاختلاف، ويضبط الخلاف، ويقدّم مصلحة اليمن على مصلحة التنظيم، والوطن على الحزب، والعقل على الغريزة
وسلامٌ على من قدّم النقد بإنصاف، والاختلاف بوعي، والوطن على ما سواه