عصام شريم : حين زارني الزعيم علي عبد الله صالح في المنام… اليمن كما يراه من خلف الغياب
منذ 2 ساعات
عصام شريم في تلك الليلة، حين كان اليمن يئنّ في صدري قبل أن يئنّ على خارطة العالم، رأيته
جاءني في المنام بلا حرسٍ ولا أوسمة، بملامحه التي تعرف دهاليز السياسة كما تعرف تضاريس الجبال
كان الزعيم علي عبد الله صالح جالسًا على صخرةٍ تشبه صخور صنعاء، يحدّق بعيدًا، كأنه يرى البلاد دفعةً واحدة: شمالها وجنوبها، سهلها وبحرها، جراحها القديمة والجديدة
لم يسلّم، ولم أبدأ بالكلام
في الأحلام، الكلمات تأتي متأخرة دائمًا
قال لي أخيرًا بصوتٍ يشبه صوت الريح حين تمرّ على أبواب القلاع«اليمن يا ولدي لا يُقرأ من صفحةٍ واحدة، ومن حاول أن يفعل، ضاع وضَيّع»سألته عن الجنوب عن الوحدة التي تتآكل في الخطب والبيانات، وعن المجلس الانتقالي الذي يرفع راية الانفصال كأنها خلاص
ابتسم ابتسامة من يعرف ثمن الشعارات حين تتحول إلى بنادق
قال:«الوحدة لم تكن يومًا عقد زواجٍ رومانسي، كانت ضرورة تاريخ
أخطأنا كثيرًا في إدارتها، نعم، لكن تمزيقها ليس اعترافًا بالخطأ، بل هروبٌ منه
الجنوب ليس حقيبة تُسلَّم من يدٍ إلى يد، ولا قضية تُدار من غرف الخارج»
ثم صمت قليلًا، كأنه يستمع إلى ضجيج الموانئ وعدن والمهرة، قبل أن يضيف:«من يريد الجنوب، فليحمله وطنًا لا غنيمة»
سألته عن المؤتمر، عن قياداته التي تفرّقت كما تتفرّق القبائل بعد الهزيمةهذا مع الحوثي ملكيًا، وذاك مع الإمارات انفصاليًا، وآخر ينتظر على الرصيف
تنهد، وكانت تنهيدته أثقل من سنوات حكمه
قال:«المؤتمر لم يُهزم حين سقطت صنعاء، هُزم حين فقد بوصلته
الحزب الذي لا يعرف أين يقف، سيقف دائمًا تحت أقدام الآخرين»
ثم ذكرت له طارق، وذكرت أحمد علي، وذكرت الأسماء التي يتداولها الناس كأنها أوراق على مائدة إقليمية
لم يغضب، لكنه بدا متعبًا
قال:«الرهان على الخارج لا يصنع زعامة، بل وظيفة
ومن ظنّ أن اليمن يُحكم بالوكالة، فسيُكتشف عاجلًا أو آجلًا أن الوكالة انتهت»
سألته عن الحوثي، عن الملكية الجديدة التي لبست عباءة الثورة
قطّب جبينه، وقال:«من يعيد الإمامة باسم الحق الإلهي، سيعيد معها كل أسباب السقوط
اليمن لا يحكمه سلالة، ولا يحميه شعار، بل توازنٌ دقيق بين القوة والعقل»
وقبل أن أستزيد، نهض
نظَر إليّ نظرة أخيرة، وقال جملةً بدت كوصية أكثر منها رأيًا:«اليمن لا يحتاج زعيمًا جديدًا بقدر ما يحتاج فكرة وطنية جديدة… فكرة لا تُقصي الجنوب، ولا تُقدّس الشمال، ولا تُؤجّر القرار»
ثم تلاشى، كما يتلاشى كل من ظنّ يومًا أنه أكبر من البلاد
استيقظت، واليمن ما زال كما هو: متعبًا، منقسمًا، لكنه – رغم كل شيء – لم يقل كلمته الأخيرة بعد