عمار التام : مزين وقبيلي وهاشمي
منذ 15 أيام
عمار التام ركب صَيّاد إبن خادم القرية سيارة الأجرة للسفر إلى صنعاء مقهوراً ، وذلك بعد أن حصل على منحة دراسية من ضمن الاوائل على محافظته، فاستغل الشيخ نفوذه لكي لا يتعلم صَيّاد ، متعللاً بأنه : ان تعلم ابن خادم القرية فعلى من و بمن سيكون شيخاً
ولإخراج صياد من حالة الإحباط هذه، توسط أبوصيّاد لدى الشيخ للسماح لصياد بالذهاب إلى صنعاء لتعلم العزف على العود و الضرب على المرفع ؛ لأنه لا يوجد من يعمل عليهما في المنطقة فوافق الشيخ بسرعة
ظل صيّاد صامتاً طوال الرحلة، ودمعة القهر تسقط بين الحين و الآخر ، ظل يتأمل الجبال و المزارع ، يفكر كيف سيحتال على فكرة تعلم العزف على العود
حدث نفسه :- هل سأرجع عازف على العود وضارب للطاسة لكي أهان و ينقص من قدري كما يفعلوا مع أبي
- لا والله ما يكون هذا
- لابد من فكرة لكي استطيع التخلص منهم وعدم الرجوع الى البلاد
- الغربة
نعم الغربة و لا شيء غيرها
- لكن كيف الغربة و إلى أين ؟- مابلا هي
غربة في بلاد الكفار، من شأن ما يقدروا حتى يلاقوني
- إذن لابد من تعلم اللغة الإنجليزية حتى أجد مخرج
اقنع صياد أباه بأن مصاريف دراسة العزف على العود وتعلم الضرب على المرافع ستكلف مبلغاً كبيراً ، و هو لا يهم على أبيه، لأن الشيخ سيتكفل بالدفع ، كان يأخذ المال الذي يأتيه من أبيه مع سائق الأجرة و يقسمه ثلاثة أقسام ، ثلث لمصروفة ، ثلث لرسوم دراسة الإنجليزية ، و ثلث يتم توفيرة لمصاريف السفر الذي يعتزمه
درس صيّاد الانجليزية حتى اتقنها، كان أحد اساتذته معجب بذكاءه و اجتهاده ، و يوماً من أيام التدريب على التحدث بالانجليزية حكى أمام استاذه قصته بكل جرأه ، فازداد إعجاب الاستاذ به ، فقرر مساعدته ، و أخبره بأن هناك جامعة أمريكية تعرض منحة دراسية متكاملة و أنه لا ينقصه من شروطها شيء ، قام الأستاذ بمراسلة الجامعة ، وبعد شهر اتصل فريق من الجامعة و أجروا مقابلة تلفونية مع صيّاد و تم قبوله ، ثم ذهب لإكمال إجراءات السفر في السفارة الأمريكية ، و تم إعطاءه وعداً للتأشيرة خلال عشرين يوماً
استغل صياد تلك الفترة للرجوع إلى قريته للاطمئنان على والديه و وداعهما مع صديقيه العزيزين عزي ابن الشيخ و هاشم ابن السيد ، وصل القرية بعد سنة من الغياب للدراسة ، استقبله أباه بحفاوة ، ذهب ليلاً إلى المكان الذي اعتاد السمر فيه مع صاحبيه ، عند '' صخرة الجن حيث كتبوا عليها اسماؤهم بخط كبير ، يسمرون و يتنادمون و الصخرة تحميهم من الريح
وجدهما كما توقع، تحاضنا و كان لقاءاً عاطفياً بامتياز ، وبعد استعادة الذكريات و الضحك
صياد : عزي ، هاشم انا قررت اغترب ، بس لا تكلموا أحد ، وإنما جيت اودعكم
هاشم : و تفلت بلدك ووطنك
صياد : أي وطن ، الوطن وهم كبير ، و الوطنية أكبر كذبة تم استعبادنا بها
حتى أصبح الوطن صنم و سدنته كبارات البلد و نحن نقدم القرابين لهم لا له
عزي : طيب وأهلك و ناسك واحنا
صياد : تشتيني اجلس من شأن لما تقع الشيخ ارجع خادمك - يحتضن عزي و يضحك - اشتي أحس ان أنا إنسان في بلاد ما يعرفوا غير انسانيتي فلا ينتقصوا منها
عزي : ولا عمرنا بننتقص منك يارجال احنا
يقاطعه صياد : إحنا أصحاب وعلى كل حال ، وحتى نظل أصحاب لابد ما أسافر، لأن المجتمع و اعتباراته أقوى من صداقتنا
هاشم : لا تشعر بالنقص يا صياد ، أبي قال لي مرة : ان الذي يشعر بالنقص يظل ناقص
صياد : أنا أشعر بالنقص وغير راضي عن النقص هذا الذي أنتم صنعتوه لي ، و هارب منكم من شأن ارمم هذا النقص ، لكن المشكلة فيكم
هاشم و عزي بدهشة : أيش من مشكلة فينا ؟
صياد : النفخة الكذابة اللي بتنفخوا بها أنفسكم و تضعوا انفسكم فوق ما ربي خلقها ، بيجي عليكم يوم قد تقدروا تملوا الفراغ حولكم ولكن ما بتقدروا تملوا الفراغ داخلكم بسبب نفختكم الكذابة اللي أبسط شئ ممكن يقرحها
انتهت سهرتهم و ذهب كل واحد إلى بيته ، ودخل صياد البيت ليجد أباه ينتظره
أبو صياد : الشيخ قال يشتيك بكرة تسمعه العزف على العود الذي تعلمته
صياد : و هل شي معه عود
؟أبو صياد باستغراب : لا
صياد : وفي أين باعزف له العود ، قله يجيب فلوس امشي اشتري عود و طاسة و نرجع نعزف له
أبو صياد : الآن امشي له في هذا الليل ، من شان أنت تتحرك الصباح و تشتري العود و الطاسة
في الصباح وقف صياد و أباه عند الطريق بانتظار سيارة الأجرة ، أقبل عزي وهاشم فكانوا يعانقوا صياد بحرارة ، يتابعهم أبو صياد باستغراب و يقول : مالكم تتسالموا هكذا ،كلها أسبوع ورجع يأنسنا أنا فداله
عانق صياد أباه بحرارة و بكى ، استغرب أبوه و هو لا يعلم أنه يودعه وداع مفارق سيسافر لفترة طويلة لا يعلم معها هل سيراه مرةً أخرى أم لا؟!
ركب صياد سيارة الأجرة ، يلتفت الى أبيه و يلوح له بيد و الأخرى تمسح الدموع
ما إن وصل إلى صنعاء حتى استقبله أستاذه وفي يده الجواز و التأشيرة جاهزة ، قام باستبدال ما تبقى معه من المال بالدولارات و طار ليلاً إلى اميركا
وصل اميركا، تحط به رحاله في مدينة نيويورك حيث عاش و درس الاقتصاد البحت و أخذ البكالوريوس من جامعتها ، ثم رشحته الجامعة للماجستير و الدكتوراة ، و خلال دراسته الماجستير بدء العمل ، حيث استقطبته إحدى الشركات المالية للعمل لديها كمستشار مالي في وول ستريت
بدء يجني بعدها الكثير و الكثير من المال
أجرى صيّاد أول اتصال بأبيه ، فرح أبوه كثيراً لأنه لايزال على قيد الحياة ، حيث لم تبعد عنهم التكهنات بموته إلا تطمينات هاشم وعزي أنه أخبرهما بعزمه على الاغتراب
أخبر صياد أباه أن لديه الكثير من المال و سيحول له مبلغاً للعيش بكرامة، وأنه عما قريب سيشتري له بيتاً في صنعاء ليعيش فيه
خرج أبو صياد و أخبر الجميع بالخبر ، كان يتباهى بإبنه صياد الذي وعده بأن يبني له بيتاً في صنعاء وكان يزهو بإبنه ونفسه و هو يتحدث عنه بفخر ، ناداه الشيخ : ناهي ناهي ، صلح البوري قد نفسي خارمة لبوري مداعة
أبو صياد : أنا مش فارغ ذلحين ، خليني أروح معي مشوار
الشيخ : اهه اهه اهه
ايش ايش
عشنا وشفنا و يضرب كف على كف
ليلاً يذهب الشيخ إلى أبي هاشم و يخبره الخبر
أبوهاشم : خلاص فلت من أيدينا ، ما ذلحين كل واحد يخدم نفسه
الشيخ : و كيف؟أبوهاشم : ما معنا الا ان نسرح عيالنا يغتربوا و يعملوا لنا مثل ما عمل صيّاد مع والده ، ما احناش أقل منه
يبدء الآباء و الأبناء رحلة البحث عن طريقة للسفر إلى أمريكا ، و يجدوا أحد المغتربين في أمريكا من أبناء القرى المجاورة ، مات اثنين من أولاده بنفس اعمارهما ، و وافق على إدخالهم إلى أمريكا على أنهم أولاده مقابل مبلغ مالي
سافر عزي و هاشم وحطت بهم رحالهم في مدينة نيويورك ، عملا بجهد و كافحا حتى أثمرت جهودهم بتوفير رأس مال جيد ، ثم قاما بفتح مشاريعهما الخاصة ، فتح كل واحد منهما محلاً بجانب بعض
تمر الأيام فيعلم بهما صياد ، يذهب لزيارتهما ، وصل إليهما يرتدي بزةً فخمة و ربطة عنقٍ أنيقة ، آثار الراحة والغنى تتبدى على وجهه
استقبلاه بحفاوة و ترحاب ، استقبله عزي في محل بيع اللحم خاصته ، ثم استقبله هاشم في بقالته التي يبيع فيها الخمر
يضحك حينها صيّاد و ويقهقه ثم يقول : لقد وجدت نفسي حيث فقدتم أنفسكم و أخرجت منكم الأيام نفختكم الكذابة ، فلم يعد عيباً عندكم أن يصبح القبيلي جزار و الهاشمي خمار
- أهلاً بكم