عمال اليمن يكابدون لتوفير الغذاء وسط تدهور قطاعات التشغيل

منذ 2 ساعات

يعاني عمّال اليمن من صعوبة توفير طعام أسرهم واحتياجاتهم الغذائية الضرورية اليومية؛ في ظل انهيار قيمة العملة المحلية والتشغيل ومحدودية فرص العمل بالذات للعمالة المتوسطة غير الماهرة

يأتي ذلك بالتزامن مع بروز مشكلة أخرى تتمثل في توجّه مختلف قطاعات العمل والتشغيل لتقليص ساعات العمل الإضافي الذي لم يعد متاحاً بنسبة لا تقل عن 90% في معظم الأنشطة والأعمال، يشمل ذلك عمال الأجر اليومي في الجهات التي تتبع نظام المناوبات اليومية، وتقسم أداءها لفترات وتحتاج لعمال قادرين على مضاعفة الجهد البدني لتغطية فترات المناوبة اليومية

 تضاعفت تكلفة المعيشةفي الوقت الذي يستورد اليمن 90% من احتياجاته الغذائية الأساسية، التي ارتفع سعرها بحدّة مع انخفاض متواصل في قيمة العملة المحلية خلال الفترة الماضية، تضاعفت تكلفة المعيشة المتأثرة بتبعات انهيار التشغيل وتقلص مستويات التوظيف إلى أدنى مستوى في معظم محافظات البلاد المقسّمة بين سلطات متعدّدة، إذ زادت مدة التشغيل لإطعام أسرة لضعف عدد ساعات العمل الطبيعية تقريباً، في حين انخفضت مستويات التوظيف بنسبة لا تقل عن 70%، حسب تقارير غير رسمية

ويلاحظ مَن يرصد أحوال عمّال من مدن ومناطق متنوعة موزعة على سلطات متعدّدة ومستويات وظيفية مختلفة، تفاوتاً كبيراً بين ساعات العمل والأجر اليومي، فمثلاً لكي تحصل على مبلغ نحو 5 آلاف ريال بوظيفة خبّاز في فرن يومياً، يتطلب العمل في مناوبة بين 6 و7 ساعات متواصلة

أما المشرف على مطعم فيتقاضى نفس مبلغ الخباز لكن بساعات أقل تصل إلى النصف نتيجة اختلاف طبيعة العمل بينهما

ويبلغ سعر الدولار نحو 535 ريالاً في العاصمة اليمنية صنعاء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، في حين يبلغ نحو 1625 ريالاً في العاصمة المؤقتة عدن التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً

فترات العمل الإضافيةفي السياق، يعاني منير الشماري، الطاهي في مطعم بصنعاء، من مشكلة في التعامل مع الاحتياجات الغذائية الضرورية اليومية لأسرته وفق حديثه لـالعربي الجديد، لذا يضطر إلى تمديد عمله ليشمل مناوبة أخرى لا تقلّ عن ثلاث ساعات للحصول على ألفَي ريال تضاف إلى مبلغ المناوبة الأولى، لكنّه في العديد من الأوقات لا يحصل عليها بسبب رفض الجهة التي يعمل فيها بحجة عدم القدرة على تغطية نفقات العمل الإضافي

والمعاناة اليومية الشاقة تشمل عمالاً في مجالات أخرى مثل العامل في مشغل متخصّص في إنتاج أدوات البناء، وائل إبراهيم، إذ يقول لـالعربي الجديد، إنه يبدأ عمله اليوميّ مبكراً بنحو ساعتين، ومثلها زيادة نهاية وقت الدوام الرسمي، والسبب وفق حديثه، ويتفق معه الخياط عارف أمين، الاضطرار للعمل المتواصل من الساعة 3 عصراً إلى 3 صباحاً اليوم التالي؛ لتغطية تكاليف المعيشة المرتفعة التي تفوق قدراتهم ودخلهم اليومي

في المصانع والمشاغل والمعامل يختلف الأمر، فالأجر يقل إلى النصف للعمالة المتوسطة غير الماهرة، ليبلغ حوالى ألفَي أو ثلاثة آلاف ريال وبساعات عمل تصل إلى 8 ساعات

ويؤكّد عمال وموظفون في القطاع الخاص لـالعربي الجديد أن الحوافز توقفت، والعمل الإضافي لم يعد متاحاً في الجهات والمؤسّسات التي يعملون فيها، إذ تقوم بعض جهات العمل بتضمين ذلك في عقد العمل بين الطرفين

 أولوية البقاء والاستمراروفق أرباب عمل، فإنّ قطاعات التشغيل والعمل في ظل الظروف الراهنة تركّز كلياً على البقاء والاستمرار في تقديم خدماتها وأنشطتها، ومنها التشغيل وتوفير فرص عمل قد تفوق أحياناً قدراتها وحاجتها لذلك

لذا تلجأ لتطبيق نظام عمل لا يسبب لها مشكلة في زيادة تكاليف الإنفاق والصرفيات، يشمل ذلك مستوى التوظيف وبرمجة الدوام ليقتصر على ساعات العمل اليومي فقط

 من جانبه، يؤكد التاجر عادل عبده، لـالعربي الجديد، أن الأهم بالنسبة لقطاعات الأعمال إتاحة فرص التوظيف ولو بالحد الأدنى، مع تكوين فريق يستطيع تأدية المطلوب منه طوال ساعات العمل ولو تطلب الأمر ساعات إضافية، وفي بعض الأحيان تكون هناك حركة تجارية تستطيع منح الموظف مكافأة نظير جهده الإضافي، وفي أيام أخرى على الموظف أن يراعي الوضعية التي يمرّ بها العمل

 بينما يلفت أحد أرباب العمل، إلى أن السلطات في اليمن تفرض سلسلة متعددة من الإتاوات والجبايات الضريبية وغيرها ما أثر على قطاعات الأعمال وانعكس على عملية التشغيل ونظام العمل اليومي

لكن في المقابل، تضاعفت خلال السنوات العشرة الأخيرة من عمر الصراع في اليمن ساعات العمل التي تحتاجها العمالة غير الماهرة من أجل دفع ثمن الغذاء والمعيشة، مع تراجع فرص العمل وتضخم المشاكل الاقتصادية الناتجة عن انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية

 توسع رقعة البطالةيرى الخبير الاقتصادي محمد علي قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز اليمنية، في حديثه لـالعربي الجديد، أن توسع رقعة البطالة لتشمل العمالة غير الماهرة، منها عمال فئة الأجر اليومي، يعني توسيع المعاناة لمعظم الأسر اليمنية، ويؤكد قحطان أن مؤشر البطالة مرتفع جداً حسب تقديرات مصادر المعلومات المحلية والدولية، التي تشير إلى أنّ النسبة تتجاوز 70% من إجمالي القوى العاملة اليمنية، إذ تشكّل العمالة غير الماهرة معظم هذه النسبة

وبالتالي فإنّ انعدام فرص العمل لهذه الفئة العمالية يعني انعدام دخل معظم الأسر اليمنية، ويشير ذلك إلى توسّع رقعة المجاعة وتعميق مستوى انهيار الوضع الإنساني، حسب قحطان

منذ عام 2023، تدهورت الظروف المعيشية لغالبية اليمنيين كثيراً، ففي منتصف العام 2024، أشارت مسوحات استقصائية، أجراها البنك الدولي، إلى أن الحرمان الشديد من الغذاء، زاد بأكثر من الضعف في بعض المحافظات

ويستمر تفاقم التشرذم الاقتصادي بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، إذ يؤدي التفاوت في معدلات التضخم وأسعار الصرف إلى تقويض أسس الاستقرار وجهود التعافي في المستقبل

وفي الوقت نفسه، أدت التوترات الإقليمية، وبخاصة في البحر الأحمر، إلى انخفاض حركة الملاحة بأكثر من 60% عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي وقناة السويس، غير أن هذه الاضطرابات لم تسفر بعد عن زيادة قياسية في أسعار المستهلكين

وحسب تقرير من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، صدر في شهر فبراير/ شباط 2024، فإن 82

7% من السكان يعانون من الفقر متعدّد الأبعاد

ويعد اليمن من بين أفقر دول العالم

ويعود تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن إلى عوامل متعدّدة، أبرزها الحرب المستمرة وتدمير البنية التحتية وانهيار مؤسسات الدولة

وبعد سنوات الحرب، ما زال أكثر من 18 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى الدعم، حسب تقارير أممية

وحسب المسوحات التي أجراها برنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي، فإن حوالى نصف الأسر اليمنية كانت تعاني من عدم كفاية استهلاك الغذاء في العام الماضي 2023