عمالة الأطفال باليمن.. حين يدفع الصغار ثمن الحرب

منذ 6 أشهر

صنعاء – محمد المخلافي يوميًا، وقبل أن ترسل الشمس أشعتها إلى الأرض يصحو الطفلان أسامة وعبدالله الوصابي في السادسة صباحًا وعلى عاتقهما مهمة تفوق عمرهما بحثًا عن ما يسدان به الرمق

لا يعود الطفلان الوصابي إلى منزلهما إلا في الثامنة مساءً محملين كمًا من التعب والقليل من المال، بعد أن أجبرتهم ظروف الحياة على ذلك

ففي وسط السوق المركزي لبيع الخضروات بالجملة، في صنعاء، يعمل الطفلان أسامة وعبدالله الوصابي بجمع الخضروات المتساقطة على الأرض ونقلها من داخل السوق إلى بوابته الرئيسية لبيعها

يسعى الطفلان الوصابي إلى توفير الاحتياجات الضرورية لأسرتهما المكونة من 9 أفراد، بعد عجز والدهما عن الحصول على عمل يساعده في تلبية متطلبات أسرته

رحلة ضياع يعيشها الطفلان توضح حجم المعاناة التي وصل إليها أطفال اليمن، في ظل استمرار الصراع، وغياب مؤشرات إنهاء الحرب التي خلفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم

يقول أسامة الوصابي (14 عامًا) لـ«المشاهد»: أحصل على 1500 ريال يمني (ما يقارب 3 دولارات أمريكية حسب سعر الصرف بصنعاء)، وأحيانًا أكثر أو أقل، وأعطيها لوالدتي لتشتري بها احتياجات البيت

ويضيف: لا أستطيع التوقف عن العمل يومًا واحدًا، فإذا لم نعمل، لن نجد ما نأكله، فلا يوجد لدينا ريال واحد في البيت، وليس هناك من “يسلفنا”، حتى والدي لن يقبل أحدً تسليفه، كونه عاطل عن العمل، وعليه ديون لم يستطع قضاءها منذ سنوات

صراع من أجل الرزقعلى مقربة من الطفل أسامة يعمل شقيقه عبدالله الوصابي (15 عامًا) على (عَرَّبة دفع) ينقل البضائع للزبائن من داخل السوق إلى بوابته الرئيسية

يقطع عبدالله المسافة التي تصل إلى حوالي 100 متر تقريبًا مقابل مبلغ ضئيل لا يتجاوز مائتي ريال يمني (نصف دولار تقريبًا)

يتحدث عبدالله لـ«المشاهد» وفي ملامحه آثار الإرهاق والتعب: “هذه الأيام السوق راقد والعمل ضعيف بسبب كثرة العاملين في نقل البضائع وقلة المتسوقين”

ويواصل: “كان من قبل العمل متوفر بكثرة، أما الآن، فنجري خلف الزبون وبالكاد يقبل أن ننقل له بضاعته نتيجة الصراع والمنافسة الموجودة بيني وبين زملائي”

يشير عبدالله إلى أن عربته سُرقت قبل شهرين ويستأجر حاليًا واحدة أخرى بـ500 ريال يمني يوميًا، ولا يزال يجمع قيمة عربة أخرى

معاملة سيئة أما إلياس الريمي (13 عامًا)، يعمل أيضًا في نقل البضائع، فيقول لـ«المشاهد»: “رغم ضعف العمل هذه الفترة ما نزال ندفع ضريبة لمالك السوق بشكل يومي، وإذا لم ندفع نُمنع من العمل بداخل السوق

الريمي يستذكر جزءًا من المعاملة التي يتلقاها خلال عمله: “تعرضت أكثر من مرة للضرب من أصحاب الخضروات بتهمة السرقة رغم أني أجمع الخضروات المتساقطة على الأرض فقط”

ثمن الحرب أسامة وعبدالله وإلياس ليسوا وحدهم من يعمل في مهن صعبة كهذه، فهناك عشرات الأطفال في السوق المركزي بصنعاء من يعملون في سن مبكر

كما أن آلاف الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 عامًا يلجأؤون للعمل في أعمال شاقة لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة وأجسادهم النحيلة

بل إنهم يكابدون مرارة الواقع، ومغيبون عن المدارس، ومشردون في الأسواق والشوارع، يواجهون قسوة الحياة، بحسب مختصين في مجال الطفولة

تقول رئيسة منصة أكسير للطفولة، آية خالد لـ«المشاهد»: كانت عمالة الأطفال قبل اندلاع الحرب قضية، لكنها تحولت الآن إلى ظاهرة، وأصبحت منتشرة بشكل كبير

وتضيف: كان من الممكن السيطرة على عمالة الأطفال قبل الحرب، حين كانت محدودة، كالبيع في الجولات وأسلوب الشحاتة التي يتخذه البعض مهنة، وعدة أعمال أخرى في الورش والمحال التجارية، وغيرها، أما الآن فالوضع أصبح أكثر سوءًا

“فالحرب تسببت في ظهور مهن جديدة لا تناسب الأطفال، كالعمل في المقابر وجبهات القتال، وبعضهم ينجرون للسرقة كنوع من أنواع المهن بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبدون أي رقابة أبوية أو قانونية”

تشير آية خالد

وضع كارثي تفاقمت عمالة الأطفال بسبب الوضع الاقتصادي باليمن وتوقف الرواتب، وقلة فرص العمل ومصادر الدخل، وأصبحت أسر اليمنية عديدة تعتمد على أطفالها في توفير متطلبات الحياة

في هذا السياق تقول آية: هناك تعايش كبير مع  عمالة الأطفال في اليمن، وأصبح الكثير يلجؤون لسوق العمل لتوفير لقمة العيش ومساعدة أهاليهم

وتستطرد: وضع كارثي، له أثر سلبي على مستقبل الأطفال، خصوصًا أن كثير من صغار السن تسربوا من التعليم وذهبوا إلى جبهات القتال كوسيلة للعمل وكسب المال

وتزيد: “كما أن عدد كبير منهم تم استغلالهم نفسيًا وجسديًا بغرض توفير لقمة عيش في ظل الحرب التي فاقمت واقع الطفولة”

المشقة بدلًا من الموت جوعًا من جهته، يعتبر المحلل الإقتصادي نبيل الشرعبي، أن عمالة الأطفال باليمن، قبل وأثناء الحرب، من القضايا المعقدة التي فشل الجميع في إيجاد حلول جذرية لها

ويقول الشرعبي لـ«المشاهد»: رغم أن الجميع يرفع عمالة الأطفال لافتة، ويتحدث عنها ويحذر من تبعاتها، لكن لم نلمس أي توجه جاد لمعالجتها؛ لأنها لم تطفُ للسطح بفعل فاعل، وإنما قضية مرتبطة بواقع بلد

وأضاف: بقدر ما حدث من انهيار في منظومة البلد جراء الحرب، حدث في المقابل تنامي لعمالة الأطفال، فانقطاع الرواتب وشحة وانعدام فرص العمل، وانهيار مؤشرات تعافي الحياة بشكل عام، ألقى بظلاله على شريحة الأطفال

ونتيجة لذلك، يرى الشرعبي أن أسرًا كثيرة وجدت نفسها مكرهة على الزج بأطفالها في سباق البحث عن فرصة عمل مهما كانت شاقة وتبعاتها كارثية على مستقبل الطفل والأسرة؛ لأنه يمكن تحمل الألم والعمل الشاق، ولا يمكن تحمل الموت جوعًا

ويختم الشرعبي حديثه بالقول: الحلول لا يمكن أن تتم إلا بعودة الحياة إلى طبيعتها، فعمالة الأطفال ستتفاقم أكثر طالما والبلد يتهاوى أكثر فأكثر، وإذا تعافى الوطن مما يعيشه، فستنخفض هذه الظاهرة تدريجيًا بما يتناسب مع واقع دخل الأسر

قوانين متعثرةأقرّت الحكومة اليمنية عام 2002 قانون حقوق الطفل، الذي حدد سن العمل القانوني بـ14 عامًا، ولكن هذا القانون الذي يحظر تشغيل الأطفال دون سن 15 عامًا في العمل الصناعي، لم يضع أية قيود على عمل الأطفال في الأعمال والأنشطة والمشاريع الأخرى الخاصة، بحسب آية خالد

كما تشير إلى “الطبيعة المجتمعية والعادات والتقاليد التي تقضي بأن الطفل العامل أصبح رجلًا يُعتمد عليه”

واصفةً التقاليد بأنها “كارثة وجريمة إنسانية واجتماعية وتعليمية” تُرتكب بحق الأطفال؛ لأنهم في هذه المرحلة بحاجة إلى معيل لكي يُكملوا دراستهم وتعليمهم

آثار نفسيةمن أبرز المشكلات التي يواجهها الأطفال العاملون، مشاكل نفسية بالدرجة الأولى، ثم مشكلات جسدية وتعليمية وإجتماعية

وبحسب آية خالد، يكون لدى الطفل حسرة وقهر في الوقت الذي يعمل فيه ويرى أقرانه ذاهبون إلى المدارس، بينما يُحرم هو من تعليمه

وتواصل: من المشاكل أيضًا أن الطفل يتربى بطريقة غير سوية، ويُحرم من حقوقه في الرفاهية والتعليم والبقاء مع أسرته

كما تحدث مشكلات جسدية في المستقبل للأطفال، فالكثير منهم يتعرضون للضرب، ويعملون في حمل الأحجار والبناء ومهنٍ تؤثر عليهم جسديًا وصحيًا مع الوقت، وتسبب لهم إعاقات مستقبلية، وفقًا لآية خالد

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير