فائد دحان : عن مجموعة هائل سعيد وأبوظبي.. حين يحكم المال ويرتجف التجار.!
منذ 3 ساعات
فائد دحان لا يمكن الجزم بأن قرارات التخفيض التي يعلنها التجار على خلفية تعافي الريال اليمني أمام العملات الأجنبية تعكس نوايا حقيقية أو التزاماً أخلاقياً تجاه المواطن
فما من جهة يمكنها أن تزايد على الأخرى في مزاعم النزاهة، لا سيما التجار الذين أفرزت فيهم الشراهة نوعاً من الجُبن المركّب، فلا يقدمون على خفض الأسعار إلا حين تشتد وطأة الغضب الشعبي
حتى كبار الفاعلين الاقتصاديين، وفي طليعتهم مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه، لم يكن تفاعلهم الأخير نابعاً من استقرار السوق بقدر ما كان محاولة ذكية لامتصاص الغضب العام، وهو ما أراه من زاويتي موقفاً متقدماً مقارنة ببقية التجار
لقد قدّمت المجموعة موقفاً أقرب ما يكون إلى الضغط على الحكومة، لا على الشعب، للإسراع في اتخاذ إجراءات حقيقية تضمن استقراراً دائماً يعيد للريال قيمته الطبيعية، فتنخفض الأسعار تلقائياً دون الحاجة إلى ضغوط أو مزايدات
وأحب أن أضيف هنا ملاحظة لافتة
حتى الجنيه المصري يعيش هذه الأيام حالة تعافٍ نسبي، في مشهد يبدو أنه يتجاوز حدود الاقتصاد المحلي إلى خارطة إقليمية تشهد إعادة ترتيب كبرى
ما يحدث ليس منعزلاً عن التدخلات الدولية، فالأثر الشعبي في المنطقة بلغ صداه أبواب البيت الأبيض، وفرض على صناع القرار في واشنطن إعادة النظر في كُلفة الانهيار الاقتصادي المتسارع في الشرق الأوسط
ذلك الانهيار الذي لو استمر، فإنه لن يُفجّر الأوضاع فحسب، بل قد يُعيد رسم خرائط النفوذ في الإقليم بما لا تشتهيه السفن الأميركية، أو في أدنى الأحوال، سيُعقّد مسارات التغيير، ويجعل فاتورة التحول أعلى من الحسابات المرسومة في غرف التخطيط
وإذا أردنا الغوص أعمق في أسباب التعافي الجزئي للعملات في المنطقة، وعلى رأسها الجنيه المصري والريال اليمني، فإننا لا نستطيع تجاهل الدور المتصاعد الذي تلعبه أبوظبي كمركز مالي إقليمي، باتت بوصلته تتقاطع مع اقتصادات متعثرة في الإقليم
فقد شهدت الأشهر الأخيرة رقابةً مشددةً على تدفق الأموال الخارجة والمهربة من وإلى الإمارات، وخاصة تلك التي كانت تُستخدم كأدوات ضغط أو تمويل سياسي خارج الأطر النظامية
هذا التقييد لم يُسهم فقط في إعادة ضبط ميزان النقد داخل أبوظبي، بل انعكس على شكل توازن نقدي جزئي في أسواق هشة مثل مصر واليمن، حيث بدأت الكتل المالية المنفلتة تنكمش، وأُعيد توجيه جزء منها عبر قنوات رسمية واستثمارات مباشرة، لا سيما من قبل الصناديق السيادية الإماراتية
ولأن أبوظبي تحولت إلى رئة مالية مفتوحة لكثير من اقتصادات الشرق الأوسط، فإن أي اختناق أو انضباط فيها يُسجِّل تأثيراً فورياً في أكثر من عاصمة عربية
لذلك، فإن تعافي الجنيه المصري، وإن كان محلياً في مظهره، فهو إقليمي في جوهره، تشكلت ملامحه تحت هندسة مالية مدروسة تُديرها أبوظبي بصفتها مركز القرار الاقتصادي الإقليمي الجديد، حيث تتقاطع السياسة بالمال، وتتشكل التوازنات من خلف المكاتب لا من فوضى الأسواق