فارس الحميري : هل سقطت "الحصانة الأممية" في صنعاء ؟!
منذ 3 ساعات
فارس الحميري في اجتماع جمع سفراء ممثلين عن عدة بعثات دبلوماسية غربية مع المنسق الأممي إلى اليمن، جوليان هارنيس، حاول الأخير التخفيف من حجم ما يحدث في صنعاء من اعتقالات ومضايقات للموظفين الأمميين، وخاصة الموظفين المحليين اليمنيين، لافتا إلى أن من تم اعتقالهم لا يمثلون حتى 5% من إجمالي عدد الموظفين البالغ نحو 1200 موظف
قبل أسابيع، كان هارنيس، قد أبلغ الأمم المتحدة وبعض البعثات الدبلوماسية الأجنبية لدى اليمن بأن جهوده وتواصله مع جماعة الحوثي أثمرت عن اتفاق مبدئي يلتزم الحوثيون بموجبه بعدم مضايقة أو اعتقال أي موظف أممي في صنعاء ومناطق سيطرتهم، إلى جانب تلقيه وعود بالإفراج عن عدد من المعتقلين السابقين من العاملين في المجال الإنساني
هذه التطمينات من هارنيس، والتي استندت إلى وعود الحوثيين، لم تصمد سوى ساعات، قبل أن تعاود الجماعة شن حملة اعتقالات طالت عددا من موظفي الوكالات والمنظمات الأممية في صنعاء، ليصل إجمالي من تم اعتقالهم إلى أكثر من 50 موظفًا من العاملين في الوكالات والمنظمات الأممية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة
لم تكن هذه المرة الأولى التي يقدم فيها هارنيس تطمينات وهمية، بل جاءت ضمن سلسلة من الوعود المتناقضة مع الواقع، والتي أثرت بشكل كبير على حضور وقدرة الأمم المتحدة في اليمن، وانتهكت حصانتها، واقتادت عشرات الموظفين إلى زنازين مظلمة
تحدد اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة 1946 الحماية القانونية للأمم المتحدة، وتعد أبرز بنودها الحصانة القانونية، الحصانة الإدارية، وحماية المقرات والممتلكات
لكن معظم هذه الامتيازات تم تعطيلها من قبل الحوثيين عبر مجموعة خطوات عملية، أبرزها حملات الاعتقالات التي استهدفت العاملين المحليين في الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين وتلفيق تهم التجسس لهم
كما باشرت الجماعة خلال الأيام والأسابيع الماضية عملية مصادرة أجهزة كمبيوترات محمولة وهواتف العمل ووثائق السفر عن عدد من الموظفين الأممين المحليين، فيما تلقى آخرون إشعارات أمنية ووقع بعضهم تعهدات بعدم مغادرة صنعاء، وأنه يمكن استدعاؤهم للتحقيق في أي لحظة
إلى جانب حملات الاعتقالات والمصادرة والقيود الصارمة على حرية الموظفين الأممين، اقتحم مسلحو الجماعة عدة مقرات أممية في صنعاء خلال شهر سبتمبر الفائت، ولايزالون يتمركزون فيها حتى اللحظة، بما في ذلك مقر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA – Yemen) وإدارة الأمم المتحدة للأمن والسلامة (UNDSS)، وشرعوا فعليًا في مصادرة ممتلكات ووثائق مهمة من معظم تلك المقرات
في مواجهة ذلك، يحاول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن إخفاء حقيقة ما يجري على الأرض، حيث لا يتم إبلاغ البعثات الدبلوماسية المعتمدة في اليمن، ولا الأمم المتحدة، ولا الرأي العام المحلي أو الخارجي بحقيقة الوضع في صنعاء
في المقابل، أصبح معظم موظفي الأمم المتحدة من اليمنيين عالقين بين حصانة أممية غائبة ووحشية جماعة لا تعرف حدودا
التصعيد الأخير من الحوثيين والمتمثل في حملات الاعتقالات واقتحام المقرات، جاء بعد سلسلة من الخطوات الخطيرة، تمثلت في سيطرة الجماعة على مفاصل مهمة داخل بعض المنظمات الأممية، إلى جانب توظيف شخصيات موالية لهم، والضغط لتوجيه سير المشاريع في مناطق سيطرتهم بما يخدم أهدافهم؛ وقد أدى ذلك إلى تقليص قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مهامها، وتعطيل جزء كبير من جاهزيتها، وإعاقة وصولها المباشر إلى المجتمعات المحلية الأكثر احتياجا للمساعدات الإنسانية