فتحي أبو النصر : الجمهورية المُؤجَّرة
منذ 3 ساعات
فتحي أبو النصر (نقد ذاتي وطني)الحلقة الثانية: أحزاب الكارثة: خصومة للإيجار تتكرر الأدوار ويعاد بث العبث ذاته، وكأننا شعب بلا ذاكرة، أو كأن الذاكرة تآكلت من فرط الأكاذيب
وهنا، لا يمكن الحديث عن الكارثة دون المرور على نُخبها السياسية، تلك التي هجرت مفهوم السياسة، لتعيش على مفهوم الخصومة المستدامة، خصومة تؤمن الرواتب، وتُبرر الفشل، وتُطيل عمر النزاع كمن يمد سلك الإنعاش لجثة لم تعد تصلح إلا للدفن
فالأحزاب السياسية اليمنية ، تلك التي يفترض أنها تمثل صوت الشعب ، لم تعد سوى شركات خاصة تتقاسم الغنائم، وتقتات على دماء المناصرين
اي كل حزب اليوم لديه ميليشياه الإعلامية، ومطبخ إشاعاته، وتجار حروبه، وكهنته الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال حسب المزاج والمصلحة
لكن المشكلة ليست في اختلافهم، بل في إدمانهم للاختلاف
اذ لم يعرف هذا البلد وفاقا وطنيا حقيقيا منذ عقود، لأن التوافق يُنهي المتعة، ويغلق صنبور التمويل، ويُحرج المتصارعين أمام جماهيرهم التي دجنت على كراهية الآخر دون أن تعرف من هو الآخر أصلا
! والشاهد إن حكل حزب يرفع شعار الوطن أولا بينما يخفي في جيبه خريطة للمصالح الضيقة، وأجندة مرهونة للخارج، وبيانات جاهزة للتوقيع من سفارة ما
أما التنظير، فحدث ولا حرج:يسب أحدهم خصومه صباحا باسم الوطن، ويتناول الغداء معهم في فندق ممول من ذات الجهة التي شتمها قبل أسبوع
!كذلك ينقلون خصومتهم من الشوارع إلى الفنادق، ومن البنادق إلى الشاشات، ثم يعودون بخُطب النار والبارود إلى قواعدهم، متوهمين أنهم يقودون شعبا غافلا،بينما هم مجرد وكلاء تم اختيارهم بعناية لقيادة هذا الشعب إلى الخراب
واما العدو المشترك؟ لا وجود له
فالعدو دائما هو الحزب الآخر
فلم يجرؤ أي حزب على فتح ملفاته الداخلية، أو مراجعة ذاته، أو تقديم اعتذار واحد عن جريمة ارتكبها بحق اليمنيين
وصدقوني
تاريخهم سِفر طويل من الصفقات، والغدر، والانشقاقات التي تُباع في أسواق السياسة كما تُباع الأبقار في السوق الأسبوعي
أما المواطن، فهو فقط أداة في لعبة التحشيد، وترند على وسائل التواصل، ووقود في معركة لا يعرف لماذا اشتعلت ولا متى ستنطفئ
وحين نسأل: من يعطل السلام؟تأتينا الإجابة: كلهم
كل حزب، كل جماعة، كل تكتل يفضل بقاء الحرب على أن يخسر موقعه
فلقد صارت الخصومة تجارة رابحة، لا يُراد لها أن تنتهي
فيما سؤال الحلقة: هل يمكن أن تعيش الأحزاب اليمنية بدون خصومة؟أي هل تستطيع أن تكون أحزابا وطنية لا دكاكين خلاف ولا مستودعات تبعية؟ربما
لكن فقط عندما يُجبرهم الناس على ذلك
!إلى الحلقة القادمة