فتحي أبو النصر : السيدة التي لا تُنتقد: بين جبروت الكلمة وسيف الصلح

منذ 3 ساعات

فتحي أبو النصر وها نحن أمام وثيقة صلح ليست كغيرها، بل كأنها من بقايا قرارات الباب العالي، وثيقة صادرة لا من محكمة، بل من عرش اجتماعي يظن نفسه فوق القانون، وفوق النقد، وفوق الوطن

فالوثيقة التي نشرتها الدكتورة ألفت الدبعي، الأكاديمية وعضو لجنة صياغة الدستور، لا تبدو صلحا بقدر ما تشبه بيان نصر في معركة لم نكن نعرف أننا خسرناها جميعا

تصوروا غرامة مالية فلكية، واعتذار علني، وتكذيب علني للذات، وركوع رمزي كامل: لا لمؤسسة، بل لشخص

وأي شخص؟ شخصية عامة تتقلد صفة القوة الناعمة، فإذا بها تستعرض القوة الجبرية بلذة الانتصار على صحفي بالكاد ينطق

فيما كل شيء في هذه الوثيقة يوحي أننا لسنا أمام خصومة قانونية، بل أمام مشهد تمثيلي مُصمم بإتقان لغاية تتجاوز مفهوم العدالة

فالدكتورة ألفت لم تكن تطالب برد اعتبار، بل بإعادة هندسة موقعها في المخيال الجمعي: أي مساس بها، ولو لفظيا، سيُقابل بعقوبة تفوق القضاء، وتتجاوزه إلى منطقة رمادية من استعراض الهيبة

طبعا أعترف أنني فزعت

لا من البنود بحد ذاتها، بل من التساهل في إعلانها وكأنها إنجاز مدني

وهل يُحتفى بوثيقة يَظهر فيها الصحفي كعبد يطلب الغفران، ويُختتم فيها الكلام بـالسداد قبل الصلح وكأننا أمام فاتورة استسلام؟!أما الطرف الآخر، الصحفي عبدالعالم بجاش، فقد قدم صورة لا تليق بصحفي حتى لو أخطأ

بدا كمن خُلع منه لسانه ومروءته دفعة واحدة

وأمام هذه المسرحية، لا يسعنا إلا التساؤل: هل ما رأيناه هو فعلا ما جرى؟ أم أن خلف الكواليس اتفاقات غير معلنة، مبنية على تبادل منافع أو إسكات متبادل؟على ان في كل الحالات، نحن لا نناقش شخصية، بل نموذجا سلطويا جديدا يُصادر الكلمة ويطلب رأسها على طبق من قانون

فيما النموذج الذي يطلب منا ألا ننتقده، وألا نخطئ معه، لأنه ليس فقط فوق الخطأ، بل يقرر وحده حدود الخطأ والعقاب

نعم، الصحفي أساء

لكن العقوبة لا يمكن أن تكون نسخة من محاكم التفتيش أو إعلان عبودية

والدكتورة ألفت، رغم حضورها الأكاديمي والإصلاحي، خذلتنا حين استبدلت هيبة المنصب بجبروت الردع

بل في زمن تتداخل فيه السلطات وتضيع فيه الأصوات، لا نحتاج إلى مزيد من صكوك الغفران الممهورة بالخوف، بل إلى رجال ونساء دولة يعرفون كيف يصفحون بكرامة، ويقاضون بعدل، وينتصرون دون استعراض

بالتأكيد لستُ أقول هذا بدافع الخصومة، بل من حرقة المحب لبلد أنهكته رموزه

فإن كانت الدكتورة ألفت قد آلمها الكلام، فلتعلم أن ما نُشر ليس طعنا، بل نداء

نريدها قوية بعدلها، لا بسطوتها

عظيمة بتواضعها، لا بجبروتها

فالحب لا يُسترد بالقوة، بل بالإنصاف

فإلى عبدالعالم: أنت أخطأت كسلطة انفجرت من وجعها، فزلت خارج حدود الوعي

!وإلى د

ألفت: أنت أخطأت كسلطة تدرك تماما وزن كل كلمة، فاختارت المبالغة في القصاص

وبينكما، ضاعت الكلمة الحرة بين مطرقة الغضب وسندان الكبرياء

بينما ليس العدل أن ننتصر بلا رحمة، ولا الشجاعة أن نعتذر تحت السيف

!وصدقوني أحبكما: فلتفهموا

لم أكتب لأدين، بل لأُذكر

 فنحن لا نُشفى من الحرب بتبادل الصفعات، بل بالإنصات للجرح

والاحترام لا يعني الصمت، والنقد لا يعني الكراهية

فلتكونوا أكبر من اللحظة لأن الوطن يتألم من الجميع