فتحي أبو النصر : تصحيح الشرعية اليمنية: وماذا بعد؟
منذ 17 ساعات
فتحي أبو النصر وهكذا
كأن الشرعية اليمنية قررت أن تخوض تجربة الموت السريري كنوع من التطهير الروحي، لكنها علقت في مرحلة الاحتضار، لا ماتت فنرتاح، ولا عادت إلى الحياة فنرتقي
تسمعها تتحدث عن تصحيح المسار، كأنها سائق تاكسي أضاع الطريق من عدن إلى تعز، ولم يجد غير الركاب ليحاسبهم على زحمة الطريق
فما الذي نريد تصحيحه بالضبط؟ وهل ما نراه أمامنا شرعية أصلا، أم كائن هجين مشوه، ولد من رحم الحاجة الدولية، وتربى في حضانة التحالف، وتخرج بشهادة معتمدة في الدبلوماسية الفندقية؟الشاهد أن الشرعية اليوم تشبه تلفازا قديما لا يعمل إلا على قناة واحدة: البكاء على الأطلال
تُدار من الخارج، ويقودها وزراء نصفهم لا يستطيعون دخول مطار عدن إلا بتصريح، والنصف الآخر مشغول بإرسال تقارير دورية عن نجاحه في إقناع السفارات بأنه مُستقبِل جيد للمساعدات
وفي ظل هذا الخراب، يُقال لنا: لا تحزنوا، فهناك لجنة تعمل على تصحيح الشرعية! جميل! لكن هل يصلح الكحل في عين عمياء؟ وهل نضع زينة على جثة لا تنبض؟ وهل نستخدم بلاط السيراميك الفاخر في ترميم كوخ متهالك على حافة الانهيار؟صدقوني إن أزمة الشرعية ليست في خصومها فقط
الح
وثي، ذلك الخصم الذي لا يخجل من البندقية، يملك على الأقل مشروعا، مهما كان مرفوضا
أما الشرعية، فهي تُجيد شيئا واحدا فقط: إدارة الفشل، واستيراد البيانات الجوفاء
لا تعرف ماذا تريد، ولا تعرف لمن تمثل، ولماذا ما زالت تحمل هذا الاسم المجازي: شرعية
مجلس النواب معطل، فلا رقابة ولا محاسبة
والوزراء بلا برلمان أشبه بطلاب دون معلم: يعبثون في دفتر الدولة، ويرفعون أياديهم فقط لتوقيع العقود، لا لإثبات حضورهم الوطني
أما الجيش الوطني، فحدث ولا حرج
هو جيشٌ شبح، له أكثر من رأس، وأكثر من راية، وبعضه لا يعرف أين يقاتل، ومن أجل من! تُصرف له ميزانيات خيالية، بينما الجنود في الجبهات يبحثون عن علبة تونة منتهية الصلاحية، كأنهم كشافة لا جنود
ثم نأتي للأحزاب اليمنية الكبرى، التي لا تزال تمارس هواية القطيعة السياسية كأنها في ماراثون ثأر تاريخي
نفس الوجوه، نفس الخطابات، نفس المؤتمرات التي تستهلك الكهرباء أكثر مما تستهلك العقل، والنتيجة؟ خصومة بلا حدود، ومشاريع وطنية لا تصلح حتى كإعلانات انتخابية في مسرحية مدرسية
وأمام هذا العبث، يُقال لنا: تصحيح الشرعية ضرورة وطنية
حسنا، من سيقوم بالتصحيح؟ هل سيقوم به الفاسدون الذين صنعوا الخراب؟ أم النخب التي أصبحت هي العطب؟ أم المواطن الذي يُسأل كل صباح عن وطنه، بينما لا أحد يسأل المسؤولين عن ضياعه؟على ان التصحيح الحقيقي يبدأ عندما نكف عن خداع أنفسنا
عندما نتوقف عن إعادة تدوير الفشل
عندما نقولها صريحة: هذه ليست دولة، بل وهم إداري ممول من الخارج
أي عندما نطالب بمنظومة جديدة، لا ترقيع القديم
بعقد وطني جديد، لا ببطانة دولية تدير المشهد من وراء الستار
فاليمن اليوم لا يحتاج إلى تجميل جثة الشرعية، بل إلى تشريحها علنا، على طاولة الشعب
إلى فضح طفيلياتها، وإيقاف مهرجان الكذب الجماعي الذي يحتفل كل عام بـالشرعية الباقية، بينما المواطن يموت على أبواب المستشفيات، أو في زنازين المليشيات
نعم، نحن في فراغ تشريعي، وأزمة قيادة، وغياب مشروع
نعم، المواطن فقد الأمل في الإصلاح من الداخل، لأن الداخل ذاته أصبح بلا نوافذ
لكن رغم كل ذلك، ما زال هناك شعب ينبض، ينتظر فقط من ينفض عن الشرعية غبار الفنادق، ويدخل بها إلى الشارع
فإما أن تصحح نفسها من الداخل، أو تترك المسرح لمن يملك مشروعا حقيقيا، لا شعارا مُملا
أي كفى فهلوة، وكفى خداعا
لم تعد الشرعية تمثل اليمن ، بل تمثل تأخُّره
والمواطن لم يعد يبحث عن حكومة تُعلن المشاريع، بل عن دولة تحترم إنسانيته
وإن كان لا بد من تصحيح، فليكن تصحيحا حقيقيا يبدأ من سؤال بسيط: من نحن؟ وماذا نريد؟بل لا نريد شرعية تقف على عكاز الدول المانحة
نريد شرعية تمشي على قدميها، في شوارعنا، بين جوعنا، وتحت شمسنا
والبقية: عبث
!لكن دعونا نُكمل العبث بأسئلته المفتوحة:ماذا تريد السعودية حقا؟ هل تريد شرعية تُطيع أم دولة تُشارك؟وماذا تريد الإمارات؟ هل تحمي السواحل أم تضع أعلامها على موانئ ليست لها؟وما الذي يريده جناح قطر العالق في الظل، يلعب بالنار من خلف ستار، يدعم هنا، ويُدغدغ هناك، كأن اليمن ملعب شطرنج والموت فيه ورقة تكتيك؟أيريدون وطنا لنا؟ أم وطنا لهم بصيغة امتيازات؟أيريدون سلاما دائما؟ أم حربا تُدر عوائد على صفقات السلاح والوصاية؟ثم السؤال الأدهى: لماذا صار الخارج يقرر من يحكم الداخل؟وهل نحن حقا شعبٌ مستقل؟ أم مجرد حالة إغاثية ببطاقة تعريف سياسية؟نعم
نريد فقط أن نعرف:هل ما يجري هو صراع على اليمن، أم صراع به ومن خلاله؟وهل يُمكن لبلد أن يُرمم بينما الجميع مشغول بهدم ما تبقى من جدرانه باسم الإصلاح؟بالتأكيد لعل أسئلتي أكثر صدقا من إجاباتهم
!