فتحي أبو النصر : تضامنا مع الحكم القطري محمد الشريف
منذ 13 ساعات
فتحي أبو النصر حين يصير العشب منصةً للجنون: رسالة في فضيحة كروية بثوب عمانياندلعت مباراةٌ كانت مرشحة أن تكون لحظة ناصعة من مجد الخليج الكروي، فإذا بها تتحول إلى مرآة مكسورة تعكس قبحا خفيا تحت شعارات الميثاق واللعب النظيف
فهناك، في نصف نهائي بطولة كأس الخليج للشباب، انتصر اليمن، نعم، لكن الخسارة الكبرى كانت للأخلاق للمدرب العماني ، للرياضة ذاتها
تأهلت اليمن إلى النهائي بعد فوزها على عمان بهدفين نظيفين
إنجاز جميل، لا يُنكر
ولكن يا للعار: لم تكن النتيجة وحدها ما يُدون في دفاتر التاريخ بل تلك اللقطة الدرامية الخارجة عن النص، حين انفجر حارس منتخب عمان، محمد البكري، في وجه الحكم القطري محمد الشريف، وكأننا نشهد مسرحية عبثية من إنتاج أنظمة لا تفرق بين الرياضة والسلطة
ثم انتحر لاحقاً مدرب المنتخب العماني نفسه
ولكن أيُعقل أن يكون هذا المشهد الصادم هو آخر ما تبقى من الذوق الكروي؟أيُعقل أن يتحول المدرب العماني إلى قاض رياضي فيحول الحكم القطري إلى ضحية تهديد وشتيمة ؟إنها نُذُر شؤم على أخلاق الملاعب الخليجية، وكأننا في حقبة ما بعد الرياضة، فيما الانتماء للفانيلة صار أهم من الانتماء للعدالة
فيما يفترض باتحاد كرة القدم في عمان إقالته ومنعه من تدريب المنتخب
طبعا الحكم لم يكن سيئا
و لم يكن ملاكا، لكنه لم يخطئ حد الإعدام الإعلامي الذي تعرض له
احتسب ركلتي جزاء، واحدة لليمن وأخرى لعمان، وطرد لاعبا عمانيا بعد اعتداء سافر، لا يحتاج فيه الڤار إلى أكثر من عينين بشريتين
ومع ذلك، خرج علينا من يندب الحظ، لا لأن فريقه خسر، بل لأن الحكم لم يساهم في تغطية الفشل بفوضى التحكيم
ولقد صارت المباريات منصات للتنفيس السياسي، وصار الحكام هدفا سهلا في ملاعب العار اللفظي، إذ تنفجر الخيبات الوطنية في وجوه صافرات لا تملك حراسات شخصية
فاي فلسفة رياضية هذه التي تجعل الحارس والمدرب يهين من يفترض أنه ضامنٌ للعدالة؟ أهذا احتجاج رياضي؟ أم تمرد نرجسي في وجه المعيار؟والشاهد إن ما حدث لا يمكن فصله عن المشهد الخليجي الأوسع: حيث الرياضة أداة علاقات عامة، والمدرب كبش فداء، والحكم عدو مؤقت، والمواهب تُستنزف في دورات يتناوب على تنظيمها الغضب والغباء
نعم، يستحق منتخب اليمن التهنئة، لا فقط للنتيجة، بل للانضباط
للروح
للروعة الفنية رغم شحة الإمكانيات و الذي يعد تعويضا للكرامة
بينما على الجانب الآخر، يجدر بالاتحاد العماني أن يقرأ هذه الهزيمة على ضوء شموع النقد الذاتي، لا مشاعل الغضب الأرعن
وأما ذاك الحارس والمدرب فقد انسلخا من الأدب
فكل شيء في هذه البطولة كان قابلا للغفران إلا هذا المشهد غير الرياضي، المشين
بل هي لحظة في عمر لعبة، لكنها قد تكون نقطة سوداء في مسيرة رياضة بأكملها
فيا سادة القرار، ويا صناع الرياضة، لا تُهملوا هذا الجنون
لا تكتفوا بالبياناتأعني إن تحموا الحكام من الحماقة قبل أن تحموا الشباك من الأهداف
فالعدالة الرياضية، مثل الشعر، لا تحتمل الصراخبل تكتب نفسها بهدوء عادل، لا يحتاج إلى بطاقة حمراءبل إلى ضمير يقظ
و تضامنا مع الحكم القطري محمد الشريف، الذي وقف على خط التماس بين النزاهة والعاصفة، نرفع الصوت لا مجاملة، بل دفاعا عن ما تبقى من كرامة الصفارة
فأن يُعتدى على حكم في بطولة شبابية، فذلك ليس خرقا للسلوك الرياضي فقط، بل إعلان إفلاس أخلاقي من الدرجة الأولى
المدرب العماني لم يخطئ بحق رجل واحد، بل أهان كل من يؤمن أن اللعبة تُلعب بالقيم قبل القدم
وهذا ليس غضبا بل انكشافٌ لرعونة مُزمنة، تصدر الفشل على هيئة انفعال
و فليعلم الجميع: الحكم ليس شماعة، بل ضميرٌ يُصافح العدالة كلما صافحت الكرة العشب
كل تضامننا مع الشريف ضد الاعتداء والإهانة من قبل المدرب العماني نهاية المباراة
فالشتم لا يعيد هدفا، والتهجم لا يغير النتيجة،والصراخ لا يمحو الخيبة
!