فتحي أبو النصر : حين تصمت الضغينة وتتكلم الحقيقة: عن علي البخيتي وعمار صالح
منذ 18 ساعات
فتحي أبو النصر ( نقد ذاتي وطني)كأن الزمن في اليمن لا يسير إلى الأمام، بل ينعطف على نفسه، يحملنا إلى حافات الفقد والغموض، إذ تصمت الأسئلة طويلا ثم تصرخ فجأة: لماذا تأخر علي البخيتي في نقد عمار صالح؟ ولماذا الآن؟البخيتي، الذي ظل يطعن جسد الفكرة الح
وثية بنصال الكلمة، تأخر كثيرا في لمس ظل توريث الجمهورية، لا لأنها لا تستحق النقد، بل لأن النار حين تكون قريبة، تؤجل الكلام
لكنه الآن، حين كشفت استخبارات المقاومة الوطنية محاولة تهريب السلاح، وحين بات لعمار صالح ،وكيل الأمن القومي الأسبق ،دور في هندسة المعلومة وقراراتها، قرر البخيتي أن يقترب من الحقيقة المحرمة
الحقيقة التي طالما هرب منها كثيرون، لأنهم يخشون أن تبتلعهم رياح الشرعية الجينية
فمنذ أن تحولت الجمهورية اليمنية إلى ميراث عائلي، انكسرت فكرة الدولة، وصار العسكري يُمنح رتبة لأنه صالحوي، لا لأنه صالحٌ في الأرض
فيما توريث الجيش لم يكن خطأً عابرا، بل كان الخطيئة المؤسسة التي ولدت منها الكارثة الوطنية الكبرى: الحرب، التمزق، والانقلابات
والشاهد أن نسلم جهاز الأمن القومي إلى ابن الأخ، من دون مراجعة أو مساءلة، يعني أننا نؤسس لجمهورية الخوف، لا لجمهورية الناس
اوكيه ولكن ليس المطلوب أن نحاكم عمار صالح بأثر رجعي، ولكن أن ننتبه إلى أنه لا يمكن بناء دولة بآليات العائلة، ولا يمكن مواجهة الح
وثية بعقلية تشبهها من الداخل
فالفكرة لا تُهزم بسلاح يشبهها، بل بنقيضها: بالعدالة، بالشفافية، وبالانتماء للوطن لا للدم
لذلك على علي البخيتي أن يأتي ببينة، نعم، لكن علينا نحن أن نسأل أيضا: من يحق له أن يكون ظل الدولة؟ أليس من واجبنا أن نحرس الجمهورية من التوريث، كما نحرسها من المليشيا؟ولعلنا نحتاج اليوم إلى نقد يجرح ليشفي، لا ليشمت
وإلى فكر لا يتحامل، لكنه لا يجامل أيضا
فالحقيقة لا تورث، والجمهورية لا تحتمل الأقفاص
نعم، كان علي البخيتي في فترة سابقة ناطقا رسميا باسم المليشيات الح
وثية وواحدا من أبرز المدافعين عن مشروعها، قبل أن ينقلب عليها ويتحول إلى معارض شرس لها، في انتقال لم يُقنع كثيرين ممن يرون في تحوله محاولة لإعادة التموضع لا موقفا مبدئيا
فهل علي البخيتي تحول من ناطق للظلام إلى ناقد للظل: هل يُؤتمن علي البخيتي؟ولكن بما اننا في زمن التيه اليمني، يطل علينا علي البخيتي مرة أخرى، لا بصفته ناقدا للمليشيات ولا خصما لعمار صالح، بل كواحد من وجوه الرماد الذين يتنقلون بين الولاءات، لا بحثا عن الحقيقة، بل عن موطئ نفوذ في صخب الخراب
أليس هو من كان ذات زمن، الناطق الرسمي باسم المليشيات الح
وثية؟ أليست كلماته مسجلة في صوت الزمن، وهو يبرر قمع الدولة وابتلاع العاصمة؟ فكيف يتحول رجلٌ كهذا، بلا محاسبة أو مساءلة، إلى ضميرٍ يقظ فجأة؟ وكيف نصدق نقده الآن لعمار صالح، بينما لم يغسل بعد يديه من دخان الجماعة التي نطق باسمها؟نعم، لعمار صالح ما يؤخذ عليه
قضية توريث الجمهورية، خصوصا في شقها العسكري، جرحٌ لم يندمل
بل لا يمكن بناء وطن على فكرة أن الجيش للعائلة، كما لا يمكن إسقاط السلالة بمشروع عائلي مواز
لكن، من يملك الحق في فتح هذا الجرح؟ هل منطق أن الح
وثي السابق أصبح حارس الجمهورية؟ أم أن النفاق صار مشروعا سياسيا؟بمعنى أدق فإن البخيتي لا يملك اليوم ترف الموعظة
فالكلمة التي تأتي من فم نطق باسم المليشيا، يجب أن تُفحص ألف مرة
وليس من الشجاعة أن تنتقد بعد أن تنهزم، ولا من النبل أن تصمت عن توريث السلاح لعقد، ثم تتكلم عندما تتغير خرائط المصالح
ولكن في اليمن، أكبر مأساة ليست الح
وثي فقط، بل النُخب التي تتلون كما الحرباء
والتي ترتدي عباءة الجمهورية حينا، وقميص الزيدية السياسية حينا آخر، ثم تزعم الحياد حين تشتد العاصفة
صدقوني نحن بحاجة إلى نقد حقيقي
لكننا نحتاج أكثر إلى نقاد لم يكونوا يوما جزءا من الجريمة
وإذ نحترم علي البخيتي حين يحترم عقولنا
فلا مشكلة في أن تتغير، لكن المعضلة أن تتحدث باسم الحقيقة وكأنك لم تكن يوما صوت الكارثة
بل من نطق يوما للكهنوت لا يجوز أن يتصدر مشهد التنوير
ونحن لا نطلب الطهارة، بل قليلا من الخجل وكثيرا من الصدق
واللافت أن الهجوم الح
وثي المنظم على عمار صالح مؤخرا لا ينبع من سجل إجرامي، بل من موقعه الحرج في بنية الصراع
فالرجل لم تسجل عليه جرائم، ومع ذلك يستهدف، لأن المليشيا لا تطيق وجود شخصية أمنية تملك أدواتها خارج عباءتها
فيما علي البخيتي والمليشيات الح
وثية يتلاقيان الآن في شيء جوهري: كلاهما يمارس التشويه حين تعجز الحجة
الح
وثي يُسقط خصومه بالتخوين، والبخيتي بالثرثرة المبطنة
أي أن كلاهما يقاتل من أجل الهيمنة لا الحقيقة
وحين يهاجمان عمار صالح معا فذلك ليس كشفا بل اتفاق غير معلن ضده!