فتحي أبو النصر : حين يرتقي شقيقك شهيدا يا يوسف: غضب مقدس على أكتاف الذاكرة

منذ 7 ساعات

فتحي أبو النصر حين سمعتُ بأن شقيق صديقي التاريخي، الشاعر الفلسطيني النبيل يوسف القدرة، قد ارتقى شهيدا في غزة، شعرتُ أن قلبي يُنتزع من بين أضلعي

ليس فقط لأن الشهيد كان مقاتلا شجاعا في كتائب القسام وعقيد، بل لأن الأمر يضرب في جوهر علاقتي العميقة، القديمة، المتينة، والمقدسة بيوسف القدرة، الشاعر الذي تشاركت معه الحزن والحلم، الغربة والانتماء، والقصيدة باعتبارها وطنا بديلا

في 2006، كانت صنعاء مدينة طيبة، وكان يوسف القدرة يوقد السعادة في ممراتها القديمة كطفل، وكأن الحزن الفلسطيني بأكمله قد تركه للحظة ليعيش، أو ليتنفس

شارك معنا في ملتقى الشعراء الشباب العرب الثاني، ولم يعد بعدها إلى غزة، فقد أغلق الاحتلال معبر رفح

آنذاك، قررنا أن نسافر سويا إلى عدن مرورا بإب وتعز، لنعود بعدها إلى صنعاء عبر خط الضالع

في الطريق كتبنا نصا مشتركا بعنوان كل ما في الأمر أننا غرباء والجنوب شمال الروح

كان يوسف يخط روحه على الورق، وأنا أستمع لإيقاع الحنين يضرب في عروقي

بل كان يوسف أكثر من مجرد شاعر فلسطيني عالق في صنعاء

كان أخا حقيقيا، رفيق قصائد وأرصفة، ومرافقا لصباحاتنا المتعبة التي كنا نعيد فيها خلق المعنى، نكتب الدمع في أصابع القصيدة، وندخن أحلامنا الصغيرة

في لحظات التأمل الطويلة،بل كنا نشعر أن الأزقة تقودنا إلى الله، وأن الغربة ليست سوى مرايا تعكس وجعا مشتركا

اليوم، لا أستطيع أن أحتمل فكرة أن يوسف القدرة، الذي كتب الحياة بماء القلب، صار عليه أن يكتب الحزن بدمه الشخصي

أن يفقد شقيقه، أن يتحول وجعه من وجع القصيدة إلى وجع الدم، وجع الوداع الأخير

ولذلك أنا غاضب

أنا حزين

وأنا عاجز

لست أكتب نعيا عاديا

بل أرثي ما تبقى فينا من صبر

من طمأنينة

أرثي لحظة شاسعة في شارع حدة حين اتكأنا على الذاكرة، وحين حدقنا بعيدا فظننا أن الحياة ما زالت ممكنة

و يوسف القدرة هو أحد أولئك القلائل الذين آمنا أنهم يشبهوننا إلى درجة مقلقة

وحين يشبهك أحدهم، فإن موته أو موته الجزئي، هو تمزقك أنت

فكيف حين يكون الفقد هو فقد الدم، فقد الأخ، فقد الجدار الأخير في وجه الانهيار؟أتذكر حين كتب يوسف:أُكنِّسُ الأوجاع بالأغاني والنار،وأرسم بالحرائق قلاعا حول قلبي،أُدلك روحي بزيت المغفرة

فيا يوسف، كيف تدلك الآن أرواحنا بعد هذا الغياب؟ كيف نحفر في الماء دربا سريا إلى الله، وقد ابتلت ملابسنا بالدم؟ ومن أين لنا الغيمات لنطرز منها شراعا لمركب من دموعك؟أعرفك، أعرفك جيدا

من صنعاء فالقاهرة

سنوات

تقاسمنا فيها كل شيء

وأعلم أنك ستقود الحلم الصغير إلى آخرك

لكني أقف هنا، أصرخ باسمك، وباسم شقيقك الذي ارتقى شهيدا، وباسم كل الذين مزقتهم الحرب ولم يُدفنوا بعد

هذه ليست مجرد نكبة شخصية، بل هي نكبة وجودية تمس كل من أحبك

ويا يوسف صبحي القدرة

أخي، صديقي، ورفيقي العريق في الغربة:إنك الآن تحمل على ظهرك قامة شهيد

أما نحن، فسنحملك دوما على أكتاف القصيدة، وعلى أكتاف الحب، وعلى أكتاف الذكرى التي لن تموت

سلام عليك، وسلام على شقيقك

وسلامٌ على فلسطين التي ما زالت تُنجب النبلاء والشهداء