فتحي أبو النصر : عن " المعركة الأخيرة"..ترى من يكتب النهاية؟!

منذ 2 ساعات

فتحي أبو النصر  (فزعيم المؤتمر الشعبي العام مات واقفا، نعم، لكن الحقيقة سُحقت تحت أحذية المونتاج)-1-فجأة عرضت العربية فيلم المعركة الأخيرة للرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، لا لتوثق لحظة، بل لتصنع وهما سياسيا بطعم الدم والنشيد الوطني المعلب

جاء ذلك في ليل يمني طويل بلا نجوم، وأُضيئت الشاشة لا لتُضيء الحقيقة، بل لتصنع علامات استفهام كبيرة

نعم

لم يكن ذلك توثيقا، بل تدوينا جديدا للتاريخ، كما تشتهيه أدوات النفوذ، لا كما حدث في الجحشي أو في طرقات صنعاء المشتعلة بالخيانة

!فالفيلم يحشد الدموع ويهندس الذاكرة

! صحيح

ولكن كما يصنع من رجل متمرس في الرقص على رؤوس الثعابين، قديسا ريفيا شهيدا للجمهورية

كما يجمل لحظة السقوط، فيغسل مسيرة طويلة من التحالفات الغامضة، الصفقات المشبوهة، والخرائط التي تُرسم بالبنادق لا بالحوارات

فصالح، في المشهد، لم يكن الديكتاتور الذي كبل شعبا، بل فارسا يُذبح على يد الذئب الذي رباه

!نعم

هكذا تُكتب النهايات حين يغيب الغيب عن يد الشعب

وهكذا تدار الذاكرة حين تصبح وثيقة المرافعة ملك من يملك الكاميرا

وفيما نجل الرئيس يظهر لأول مرة

مدين، الصامت القديم، المتحدث الجديد، بعينين فيهما ملامح طارق، ونبرة فيها قليل من العودة المدروسة

أي ليست المصادفة من جاءت به الآن، بل خطة تحضر على نار الحنين:حنين إلى رجل لم يكن ملاكا ولا شيطانا، بل مزيجا من الاثنين، تماما كما اليمن ذاته

قاتل الرجل، نعم

ومات ببندقيته لا بحقيبته الدبلوماسية

لكنه قاتل بعد أن مكن القاتل

!أي واجه من سلم له العاصمة في طبق من توازنات وشخصيات هاشمية، لم يكن يراها خطرا حتى فتكت به في عقر داره

وها هو الإعلام، يشير ولو دون أن يقول: أن طارق لم يكن هناك

أن إبن أخيه الذي ورطه في التحالف، تركه عند صرخة النار الأولى

والفيلم لا ينسى، بل يتعمد: أن يرسم حلما تحرريا بلا صاحب، ويعيد ترتيب أحجار الشطرنج على رقعة الجمهورية، وكأن المعركة لم تبدأ بعد

بل هو فيلم ليس عن صالح، بل عن ما بعد صالح

!أي ليس عن الشهادة، بل عن الوصاية

!لكن صالح هنا، طهر بالدم، لا بالنقد

وسيبكيه الجمهور الذي ما زال يسأل: من سرق البلاد؟وكأن القاتل جاء من المريخ، لا من أبواب القصر

والشاهد إن تلك اللقطات المخلقة بالذكاء الاصطناعي تشبه مستقبل اليمن: مصطنع، مرتب، جميل كصورة معلبة، لكن خلفها جوع وركام وغصة

وكأننا بحاجة إلى دم جديد لنتذكر أن الجمهورية لا تُؤكل، بل تُقاتل

وإذ الحق يقال إن علي عبد الله صالح، لم يكن ملاكا، لكنه لم يمت جبانا

ومات كما عاش: في منتصف الطريق بين البطولة والخطيئة

بل اختار أن يقول لا بعد أن قضى العمر يقول نعم، ولكن

-2-وماذا عن الفيلم؟الفيلم مجرد مرآة صقيلة تُخفي وراءها بابا سريا لعودة يجري التمهيد لها، تحت عناوين الشرف والتضحية

لكن اليمن لا يحتاج إلى تماثيل جديدة تُكسر بعد عقد، بل إلى ذاكرة تعترف:أننا قتلنا الدولة حين عبدنا الأشخاص

واختصارا شاهدت الفيلم الذي لا يُحتمل

وخرجتُ منه لا أرى إلا أن الح

وثي كان يكتب السيناريو طوال الوقت

فزعيم المؤتمر الشعبي العام مات واقفا، نعم، لكن الحقيقة سُحقت تحت أحذية المونتاج

لكن رغم كل ما جرى، كنت وجها مختلفا من وجوه الجمهورية، يا علي عبد الله صالح ،وغيابك ترك فراغا لا يملؤه سوى مشروع وطني جامع

فليت دمك يكون آخر الدماء، وصوتك في وصيتك الأخيرة بوصلة لنا

إذ ما أحوجنا اليوم إلى وقفة صدق، نغسل بها قلوبنا من الحقد، ونكتب بها فجرا جديدا لا مكان فيه للكهنوت ولا للثأر

صحيح أن ثمن الأخطاء كان باهظا، دفعه شعبٌ بكامله دما وجوعا وتشريدا

فيما آن الأوان أن نتعلم من نزيفنا، ونصحو من غفلتنا

فالوطن لا يُبنى بالتحالف مع القتَلة، ولا تُستعاد الجمهورية بالعناد والكراهية

ولذلكرحم الله صالح الذي كان قال ذلك قبل استشهاده، ولنسامح من جعلنا نظن أن حكاية الخيانات بدأت الآن فقط!