فتحي أبو النصر : منى صفوان.. صوت "الحق" في خدمة الباطل!

منذ 7 ساعات

فتحي أبو النصر طبعا في زمن تعجز فيه البوصلة عن معرفة الشمال، وتتحول فيه المواقف السياسية إلى فقاعات من التناقض، تخرج علينا منى صفوان، الإعلامية التي تقدم نفسها كصوت العقل القومي، لكنها تلونه بألوان زينبية زاعقة، وتلفه برايات الموت لأمريكا والله أكبر الإيرانية

إعلامية تعرف كيف ترفع السقف

ولكن باتجاه القبو!والشاهد أن منى صفوان، التي يفترض أنها صحفية ناصرية وعروبية الهوى، تارة نراها تتغنى ببطولات إيران وهي تقصف تل أبيب دفاعا عن فلسطين، وتارة تمجد صاروخ الحو

ثي على الرياض كحدث فارق له ما بعده

لكن ربما علينا أن نعيد تعريف الفارق، فالفارق في نظر منى هو أن تضرب مليشيا إيران العمق العربي لا الإسرائيلي، وأن تتحول اليمن من ساحة صراع إلى مزرعة تدار بالريموت من قم، وميناء الحديدة إلى ثكنة صواريخ يقال لها سيادة وطنية

الغريب أن منى، وهي التي قضت سنوات في الضاحية الجنوبية وتمجد حزب الله، لا تجد غضاضة في منح الحوثيين شهادة حسن سلوك في حرية التعبير! أي تعبير؟ وقد سُحقت تعز تحت حصارهم، وتحولت صنعاء إلى كربلاء أخرى لا صوت فيها إلا زينب تحزن؟ بل كيف تصف مليشيا تمارس الخطف والقصف واللغو الديني بأنها تحتكم للدستور؟ هل تقصد دستور ولاية الفقيه؟ويا للصدفة، كلما وقعت إيران في ورطة، تخرج منى لتنفخ في صورتها، وتصف مشهد المواجهة بينها وبين إسرائيل بأنه غير مسبوق ومرعب للخصوم

هل الرعب هذا أصاب تل أبيب فعلا، أم أنه موجه لشعوب الخليج الذين تحولوا، في نظر منى، إلى خانعين ومطبعين؟لكن نسيَت – أو تناست – أن من كان يتحالف مع إسرائيل سرا وعلنا في هذه المنطقة هي طهران نفسها، في صمتها المريب على مئات الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، أو تلك الردود المحسوبة التي لا تصيب سوى الهواء

ولا بأس إن كانت تحب إيران

فلكل أن يحب من يشاء

لكن أن ترتدي عباءة المقاومة لتسوق لمشروع مذهبي مسلح عابر للحدود، هذا لا يُعد رأيا بل تزويرا

ثم تُسقط على المشاهد والمذيع المسكين – الذي تورط معها في حلقة – ابتساماتها المصطنعة وتعابيرها المتذاكية، لتبدو كأنها تنطق بالحق، فيما الواقع أن كلامها مغموس في دعاية منمقة، تخدم جماعات لا تعرف من الصحافة إلا إذا كانت في خدمتهم

والطامة الكبرى، أنها لا تترك فرصة إلا و تلمع الح

وثيين وتدعو اليمنيين لقبول العفو العام! أي عفو؟! عن مدينتها – تعز – المحاصرة، أم عن آلاف المختطفين في سجون الح

وثي؟لكن يبدو أن ذاكرة منى مزودة بخاصية الحذف التلقائي حين يخص الأمر ممارسات حلفائها، بينما تنتفخ مشاعرها الوطنية إذا كانت الطائرات قادمة من الرياض أو أبو ظبي

بمعنى أدق فإن منى صفوان ليست سوى حالة صارخة لنموذج الإعلامي المنتقى بعناية لخدمة مشروع أيديولوجي بوجه ناعم ولسان مخملي

صوتها عالي، نعم

لكنه لا ينطق إلا بما يريده أولياء أمرها

ووجهها متحرر، نعم

لكن حريتها تقف عند أعتاب نقد المليشيا

فوق ذلك، فمنى صفوان ليست صحفية سيئة، بل صحفية بارعة جدا… في الغش الإعلامي، وصناعة أوهام ناعمة لأجندات خشنة

بل إنها ليست إلا الح

وثي الحقيقي، بلسان عربي فصيح

!وما اريد قوله من هي منى صفوان

بين المهنية والصرخة!في الحقيقة بسبب قدرتها المذهلة على الرقص على كل الحبال… تظل منى صفوان واحدة من أبرز راقصات هذا السيرك الممتد من طهران إلى الضاحية، ومن قناة اليمن اليوم إلى كل منبر يتيح لها تمجيد جماعة الحوثي، تحت عباءة التحليل السياسي

تذكروا حين كانت منى أول من رفع شعار جماعة أنصار الله في 2011، داخل ساحة التغيير بصنعاء وجميعنا صدمنا

وحين كان كثيرون لا يفرقون بين الصرخة والصرعة، وبين الح

وثي و

واليوم، وبعد سنوات من التطبيل المتواصل، لا تزال تقدم الجماعة نفسها كحملة مشاعل الحرية والتعبير!ولكن منى – ببساطة – لا ترى في السجون الحوثية إلا غرف عزل صوتي مؤقتة، ولا ترى في تعز المحاصرة إلا تفصيلة يمكن تجاوزها في سبيل الصمود الاستراتيجي

في 2014، سخرت من الجماعة بقولها إنهم راديكاليون سنواجههم بالرقص، واليوم ترقص هي على إيقاع طبولهم، وتغني لنظام قمعي وكأنه آخر معاقل الديمقراطية في الكوكب

والحال إنها لا تنتقدهم إلا بحذر مدروس، وبأسلوب التقية الإعلامية، حتى تبدو للمشاهد متوازنة، بينما تصب الزيت في نيران مشروع طائفي خنق اليمن واستباح مؤسساته

ثم جاءت لتطل علينا من قناة اليمن اليوم، القناة التي كانت يوما منبرا لعلي عبدالله صالح، فأصبحت اليوم قناة اليمن الأمس تحت حكم السلالة

ولا غرابة أن تظهر منى على شاشتها، فالحاضنة الإعلامية الحوث

ية لا تقبل إلا أولئك الذين يجيدون فن الإنكار، وتلميع الجلاد، ولوم الضحية

أما تغريداتها، فحفلات وعظ سياسي ممزوج بتعال فكري: تُحاضر على الجميع من طهران عن الحرب والسلام، وتقيس أداء الجيوش العربية بمسطرة حزب الله وتجربة إيران!ثم تدعو اليمنيين لتقبل العفو العام الحوثي، بينما تنام تعز كل ليلة تحت القصف والجوع والحصار

أي عفو هذا؟! هل أصبح العفو مرادفا للذل، والمواطنة مرهونة بمقدار القرب من مشروع الولي الفقيه؟بمعنى آخر فإن منى صفوان ليست مجرد إعلامية حو

ثية، بل نسخة ناعمة من المشروع نفسه: هاشمية صوتية تسوق لنسخة مشوهة من القومية، وتحول العروبة إلى ملحق في دفتر الولي، تماما كما تحولت هي من صحفية ناصرية، إلى مروجة لفكر لا يعرف إلا الولاء الأعمى

ومع ذلك، لا تزال تظن أنها محايدة، وأنها تقول ما لا يجرؤ عليه غيرها

لكن الحقيقة أنها تقول ما يريدون سماعه، وتكتب ما تمليه عليها الشعارات، وتخدع من بقي له ذرة احترام لعقله

اظنكم تتذكرون عندما تتحدث منى صفوان عن حق السلالة الإمامية في امتلاك السلاح النووي، فكأنها تقول إن التاريخ لم يكن كافيا، وإن الدماء التي سالت لم تكن مقنعة، وإن الشعب اليمني لم يتذوق بعد ما يكفي من الخراب!ويا لها من جرأة باردة في تسويق كارثة على هيئة رأي إعلامي

وكأننا بحاجة لمحرقة نووية لنفهم من جديد أن الإمام في اليمن ليست مشروع حكم، بل مشروع فناء

بالتأكيد هذا ليس رأيا حرا، بل استدعاء للقيامة، بلغة ناعمة

تذكروا جيدا أيضا: أن التواطؤ مع من سحق اليمن هو جريمة لا تسقط بالتقادم

ولا عزاء لمن باع ضميره مقابل وهم سياسي أو تحليل تلفزيوني

فالتاريخ لا يسامح، لكنه يُدون بدقة، سقوط النخبة بمببراتها الصادمةنعم، كنت احترمها… لكنها لم تحترم عقولنا أبدا

ويبقى أن أقول كان من اللافت أن الإعلامية منى صفوان، التي كانت تُعرف سابقا بمواقفها المتوازنة أو حتى المتعاطفة مع بعض توجهات جماعة الحوثي، قد خرجت قبل أعوام بتصريحات نارية تحمل فيها ال

حوثي شخصيا مسؤولية التخابر مع إيران، وتكشف عن وثائق وأدلة موثقة تتعلق بمخططات أعدت في بيروت بإشراف الحرس الثوري الإيراني

كان هذا التحول المفاجئ يطرح تساؤلات حول دوافعه، خاصة في ظل توقيت سياسي وأمني حساس تمر به الجماعةفهل هو انقلاب في القناعات؟ أم تصفية حسابات مع الجماعة بعد خلافات داخلية؟لكن مهما كانت الأسباب، فإن هذه التصريحات تعد بمثابة قنبلة إعلامية قد تعيد خلط الأوراق وتكشف المستور في دهاليز العلاقات الإيرانية الحوثية

لكن المفارقة الأكثر إيلاما، أنها عادت لاحقا لتنحاز من جديد إلى صفوف المليشيات الحوثية، وكأن شيئا لم يكن، وكأن الدم لا يُحسب، والخيانة لا تُسجل، والذاكرة الجمعية لليمنيين بلا أرشيف

وهكذا تُباع القناعات في سوق المصالح، وتبدل المبادئ كما تبدل الأقنعة في مسرح عبثي مملوء بالدمع والدم

على أننا قد اعتدنا على انقلاب البنادق، فيما لم نعتد عليه هو انقلاب الكلمة، حين تغدو أداة للتواطؤ بعد أن كانت وعدا بالنجاة

وصدقوني ما أقسى أن تتحول الحقيقة إلى صفقة، وأن يُستخدم الألم الوطني كورقة تفاوض في دهاليز الطموح الشخصي

!!